الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي حالتي، وكيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أهنئكم على موقعكم الممتاز.

أما بعد فأنا فتاة في الثامنة عشرة من عمري، منذ خمس سنوات تقريبا، وأنا أعاني اضطرابا في نفسيتي، حتى أني أصبحت أشك في عقيدتي وديني عندما أسمع ذكر الله، أو ذكر المصطفي -صلى الله عليه وسلم-، لا أحس بأي إيمان يسري في قلبي، وحتى أنني أتخيل شكلهم -والعياذ بالله- رغما عني، لدرجة أنني أصبحت لا أشعر بوجود الله، فكأنما قسا قلبي.

كما أنني عندما أسمع القرآن لا يخشع قلبي أبدا، بل أنني أحيانا أحس بنوع من الاستهزاء به، مع العلم أن هذه الحالة بدأت معي منذ أن حاولت الخشوع في الصلاة، إذ أن الخشوع فيها -كما علمت آنذاك- يستوجب استحضار عظمة الله، وأن تتخيل أنك تصلي أمام عرشه، وهذا ما تخيلته، وما كاد يدفع بي إلى الجنون والكفر -والعياذ بالله-، حتى أني انقطعت عن صلاتي لفترة ثم عدت، عسى أن يلين قلبي، وأصبحت أحاول قراءة القرآن، إلا أن ذلك زادني بعدا عن الله، بل وقسا قلبي أكثر فأكثر، وأصبحت لا أصدق القرآن، وكأنه افتراء بالنسبة لي، وعندما أقرؤه أحس بدوخة ورعشة، وأن الكون ظلام.

لقد ضقت ذرعا، وعانيت كثيرا بسبب هذه الأفكار، حتى أنني أصبحت لا أصدق أنني موجودة أصلا، ولا أصدق بوجود هذا الكون، وأعيش حالة هلع دائم، مع العلم أنني أحب الدين الإسلامي، ولن أرضى بغيره -بإذن الله-، مع العلم أنني أصلي، وأنقطع عن الصلاة كثيرا، بسبب الألم الذي أحسه، وأنا أصلي إذ أنني أسأل نفسي لماذا أصلي، وما هذه الطقوس الغريبة التي أقوم بها؟

وأنا في الوقت الحاضر عدت للصلاة، وأرجو أن يرشدني الله إلى طريقه، مع العلم أني دوما أدعو الله أن يرشدني إليه حتى أتت فترة قنطت من رحمته وشككت في عدله، أو وجوده (أستغفر الله).

وأنا الآن غير محجبة، ولكني أحب الحجاب حين أرى الأخريات يلبسنه، ولكن ضعف إيماني، وما أحسه من شك، يمنعني من ارتدائه، أخاف أن أبقى على هذا الحال إلى آخر حياتي.

أريد أن أعرف ما هي حالتي بالضبط، وكيف يمكنني تجاوزها، وكيف يمكن تقوية إيماني بالله؟

أرجوكم أفيدوني وأغيثوني، بارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ يسرا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هوّني على نفسك، فما تعانين منه هو وسواس قهري، والوساوس القهرية قد تأخذ هذه الشاكلة، والوساوس المتعلقة بالدين والعقيدة دائمًا ما تكون مؤلمة للنفس، وهكذا طبيعة الوساوس، تأتي للناس في أعز الأشياء إليهم.

الوسواس طبق عليك بصورة أشد وأعمق، لأنك حاولت أن تجدي حلولاً له، وحاولت أن تحللي فكرك، وأن تخضعيه للمنطق، وأن تنظري برؤية أكثر انفتاحًا، وهذا ما زاد من قلقك، ومن وساوسك، وعدم شعورك بالإيمان، واضطراب إحساسك، والأفكار التي تأتيك حول الذات الإلهية، هي جزء من القلق الوسواسي، وهذا ما نسميه باضطراب الأنية، أو تبدد النفس، أو تبدد الذات، وهو جزء من حالة القلق التي تعيشينها.

يوجد أيضًا لديك جانب اكتئابي، ولكنه اكتئاب ثانوي ناتج من حالة الوساوس القهرية التي تعانين منها.

لديَّ بُشرى عظيمة لك، وهي: أن الوساوس يمكن علاجها، بشيء من الاجتهاد، وبشيء من المواجهة، وتناول الدواء المطلوب.

أحبذ حقيقة أن تذهبي وتقابلي طبيبا نفسيا، فهذا جيد، واشرحي لذويك حالتك، واعرضي عليهم هذه الإجابة – لا مانع لديَّ في ذلك أبدًا – وأهمية العلاج الدوائي تأتي من خلال النظرية العلمية المحترمة جدًّا، والتي تشير أن الوساوس القهرية لها مكوّن بيولوجي يتعلق ببعض التغيرات التي تحصل في كيمياء الدماغ، وهنالك ما يعرف بالناقلات -أو النواقل- العصبية، وأهمها مادة تسمى: (سيروتونين)، يحدث فيها تغيير، إما أن يضعف إفرازها، أو يضطرب، أو يكون هنالك عدم تناسق بينها وبين مادة أخرى تعرف باسم: (نور أدرنالين).

إذن العلاج الدوائي مطلوب جدًّا.

وتشاوري مع أهلك حول الذهاب إلى الطبيب النفسي، وإن لم ير الأهل ذلك مهمًّا أو ضروريًا، فسوف أصف لك دواء سليما، وفاعلا، وممتازا، وشاوري أيضًا أهلك حول رأيهم في هذا الدواء.

الدواء يعرف تجاريًا باسم: (بروزاك)، واسمه العلمي هو: (فلوكستين)، وربما يوجد في تونس تحت مسميات تجارية أخرى، لذا يُسأل عن الدواء تحت مسماه العلمي.

الجرعة المطلوبة في حالتك هي أن تتناولي كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرين مليجرامًا، تناوليها بعد الأكل لمدة شهر، وبعد ذلك ارفعي الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، ويمكنك تناولها كجرعة واحدة في المساء، استمري على هذه الجرعة العلاجية لمدة أربعة أشهر، وبعد ذلك خفضي الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

هذا الدواء من الأدوية المفيدة، الفاعلة، الجيدة، السليمة، وغير الإدمانية، والتي لا تؤثر أبدًا على الهرمونات النسائية.

الدواء تبدأ فعاليته بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع، وحتى يتحصل الإنسان على فائدته -والتي تحدث من خلال البناء الكيميائي-، لا بد أن يكون هنالك التزامًا قاطعًا بتناول الجرعة في مواعيدها، وللمدة المطلوبة.

أنت أيضًا سوف تستفيدين كثيرًا من تمارين الاسترخاء، ولدينا في إسلام ويب استشارة -وغيرها كثير- تحت رقم 2136015 يمكنك أن تسترشدي بها، وذلك من خلال الاطلاع عليها، وتطبيق التفاصيل الموجودة فيها، فهي جيدة ومفيدة جدًّا.

الوساوس يتم التعامل معها من خلال التحقير المطلق، وعدم مناقشتها، بل مخاطبتها مباشرة، كأن تقولي: (أنت وسواس حقير، ولن ألتفت إليك)، يجب ألا تخضعي للوساوس، لأنها قد تجرك نحو شرحها، وتفصيلها، وتحليلها، ومحاولة إخضاعها للمنطق، فهذا سيعقد الأمر كثيرًا، بل أغلقي عليها، وضعي هذه الكوابح القوية، وصدّيها تمامًا، واصرفي انتباهك عنها بألا تتركي أي فراغ لنفسك، تواصلي مع صديقاتك، وركزي على دراستك، واجعلي الأنشطة غير الأكاديمية أيضًا حظ لها في حياتك، كوني بارة جدًّا بوالديك، وشاركي في كل ما يفيد الأسرة من أنشطة، كما أن ممارسة الرياضة وخاصة التي تناسب الفتاة المسلمة، سوف يكون أمرًا جيدًا ومفيدًا جدًّا بالنسبة لك.

هذا هو الذي أود أن أنصحك به، وأبشرك: بأن هذا وسواس قهري وليس أكثر من ذلك، وقد أوضحتُ لك سبل العلاج سلوكيًا ودوائيًا وإرشاديا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونشكرك كثيرًا على التواصل مع إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير.
___________________________________

انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، وتليها إجابة الدكتور/ أحمد المحمدي.
____________________________________

أختنا الفاضلة: إن ما تعانيه من قلق واضطراب، ينبغي أن تفهمي أمرا رئيسا فيه، وهو أنك غير مقتنعة بتلك الوساوس، وغير مقتنعة في داخلك باعتراضك على شعائر دينك، وهذا ما جعل الصراع محتدما بين وساوس الشيطان، وحقيقة الإيمان بداخلك.

وأنا أود أن تقرئي كلام الدكتور/ محمد بعناية، كما أتمنى عليك عدة أمور:

1- الاعتقاد التام في داخلك بأن الله أرحم بك منك، وأنك لست معاندة أو محاربة لدينه، ذلك أن الشيطان يحاول جاهدا أن يقنعك بذلك، فاجتهدي أن تقنعي نفسك بالحقيقة، وهي: أنك مؤمنة بالله، موقنة به.

2- مخالفة الشيطان في تفريعاته وتصوراته أمر يبعث على الطمأنينة، والإيمان بأن ما يلقيه في الجوف مما لا يقتنع المرء به ولا يرضاه غير مؤثر على إيمانك، فقد قال ابن القيم رحمه الله: "وأما ما يقذفه الشيطان من أفكار غريبة، وآراء كفرية، فالعبد متى ما قلق منها، أو ضجر فليعلم أنها من الشيطان، فليستعذ بالله منها".

3- كثرة اللجوء إلى الله تريحك وتبعث فيك الطمأنينة، وخاصة مسألة الذكر، فأكثري من ذكر ربك -عز وجل-.

4- حضور المحاضرات الدينية أمر يزيد من الإيمان، فاجتهدي ولو مرة في الأسبوع أن تحضري أي فعالية دعوية.

5- حجاب المرأة كنزها، والله قد أمر به بصيغة الوجوب في قوله: "{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31، وأنت في قرارة نفسك تودين ارتدائه، ولكن هجوم الشيطان مع وساوسه، دفعتك إلى ذلك ، والآن نريد منك إظهار عداوتك للشيطان، وولائك للرحمن، فعاهدي نفسك الآن أختاه على لبسه، ومحاربة تلك الوساوس.

6- نرجو منك شغل أوقاتك، وعدم ترك مساحات للفراغ، فإن الفراغ مصيدة الشيطان التي يصيد فيها عباد الله، فانتبهي، وإذا أتاك الوسواس فاستعيذي بالله ولا تشغلي نفسك برد الشبه، لأن ذلك سيفرع عندك المسائل، ولكن اشغلي نفسك بأي أمر مغاير.

7- كوني على ثقة من أنه ما من سؤال إلا وله في الشريعة جواب، فعدم المعرفة به لا يعني عدمه، ولكن يعني جهل المرء به، فعليك ساعتها سؤال أهل العلم، وستجدين الجواب الشافي الكافي.

8- اجتهدي أن تكوني وسط بعض الأخوات المتدينات، وحبذا لو تتفقين على عمل اجتماعين أو دعوي، أو تربوي، تخدمون به مجتمعكن.

9- أكثري من الدعاء إلى الله عز وجل أن يكشف الله عنك تلك الغمة، وأن يرزقك الثبات على الحق، والله قريب مجيب الدعوات فأملي في الله خيرا، ونسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية ففاتن

    جزاك الله كل الخير ان شاء الله من من يدخلو الجنة دون حساب او عذاب اللهم امين

  • المغرب anouar

    شكرا لكم ارتاحت نفسيتي كثيرا عند روءية الموضوع

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً