الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والداي حرماني من الزواج خوفاً من انتقادات المجتمع، فما توجيهكم؟

السؤال

تقدم لخطبتي رجل أرمل له بنتان 6 سنوات و 5 سنوات، وقد رضيت به لأنه على خلق ودين، وكذلك أحببت البنتين ورغبت في تربيتهما، في بادئ الأمر كان الوالد موافقاً لكن بعد النقاش مع الوالدة رفض هذا الزوج بحجة أنني البنت الوحيدة لديه، وكيف سيقول الناس عنه زوج ابنته الوحيدة لرجل أرمل، وكذلك لا يريدني أن أخدم البنتين.

وقد تجادلت كثيراً مع أهلي من أجله وبناته، لكن دون جدوى إذ لم أجد مساندة من أحد، وقد توترت علاقتي بالوالدين وهو قد خطب فتاة أخرى، وقد ضاقت بي الدنيا، ورغم خطبته مازلت أدعو الله أن يعيدهم إلي ويجعلني أما صالحة للبنتين، هل يجوز لي هذا الدعاء، وكيف أتعامل مع الوالدين؟ علماً أنني أمر بظروف لا يعلمها إلا الله.

في الأيام الأولى لتعرفي عليه رأيت حلماً أرجو أن يفسر لي، رأيت أني دخلت منزل هذا الرجل ومن بعيد رأيته مستلقيا على سرير يلبس عمامة بيضاء، وكان يخرج من الحائط رأس جمل أبيض يقوم بتقبيل الرجل، ولما اقتربت منه وجدته ملتحيا ولحيته ليست بطويلة، وكان على وجهه نور، ولما نظرت بجانبه رأيت مصحفاً كبيراً كان مفتوح، ولما خرجت سألتني إحداهن ما رأيك فقلت أعجبني -ما شاء الله-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، كما نسأله -جل جلاله- أن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونًا لك على طاعته ورضاه، ونسأله جل وعلا أن يكرمك برضا والديك عنك، وأن يعينك على برهما وإكرامهما والإحسان إليهما.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة المهندسة سارة- فإنه مما لا شك فيه أن نيتك الطيبة لن تضيع سُدىً عند الله تعالى، وأن حرصك على الارتباط بهذا الأخ لخلقه ودينه سيأجرك الله -تبارك وتعالى- عليه أجرًا عظيمًا، لأنك بذلك تحرصين على اتباع الكتاب والسنة، وتقتدين بسيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).

إلا أن هذه الرغبة الرائعة الجميلة تصطدم مع رغبة الوالدين، ومما لا شك فيه أنهما ليسا في هذا الأمر بدعًا من الناس أو خارجين عن القواعد المألوفة المعروفة -مع الأسف الشديد- فمعظم الآباء والأمهات يحرصون على أن تتزوج بناتهم بشخصية متكافئة على الأقل ليس لها تجربة سابقة، لاعتقادهم أن هذا أكمل، وأنه يجعل مكانتهم في المجتمع مكانة راقية، وأنهم يقولون بأن ابنتنا تزوجت فلانًا، وأن فلان هذا كذا وكذا، وهذه كلها مما يعرف بـ (النفاق الاجتماعي) إلا أنه أصبح عرفًا معروفًا وإلفًا مألوفًا.

فوالدك ووالدتك حقيقة لم يخرجا عن إطار العادات والتقاليد - مع الأسف الشديد – وإنما كأنهم متأثرون بذلك إلى حد كبير جدًّا، جعلهما يرفضان هذا الأخ رغم ما فيه من صفات رائعة ورغم حرصك الشديد ومحاولاتك المستميتة على إقناعهما، إلا أنك في نهاية الأمر فشلت في ذلك.

ولذا فإني أقول لك -أختي الكريمة الفاضلة-: صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. تعلمين أنه لا يجوز للمسلمة أن تزوج نفسها بغير إذن وليِّها، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وورد في السنة أيضًا: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليِّها فنكاحها باطل، باطل، باطل) وفي رواية أيضًا -والعياذ بالله تعالى- أنها زانية.

إلى غير ذلك من النصوص التي تنفر تنفيرًا شديدًا من ارتباط الفتاة بأي شخص بعيدًا عن رضى الوالدين أو رضى وليِّ أمرها، ولذا فإني أقول لك: ما دامت رغبتك تصطدم مع رغبة والديك فأنا أرى أن تفضلي ما عند الله تبارك وتعالى من خير ومثوبة، ألا وهو برك بوالديك وإحسانك إليهما، واعلمي أن هذا لن يضيع عند الله تبارك وتعالى أبدًا، فكونك تقدمين رغبة والديك على حب نفسك وعلى مصلحة نفسك رغم أنك ترين بأن هذه فرصة قد لا تتكرر، أقول: كونك تتركي ذلك كله من أجل الله تعالى وإكرامًا لوالديك، فأبشري بعِوضٍ عظيم من الله تبارك وتعال، واعلمي أن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.

أنت تتركين هذا الأخ الآن من أجل رضا والديك، وهذا لم ولن يضيع لك عند الله تعالى، لأن إغضاب الوالدين – كما تعلمين – من الكبائر، ورضاهما من رضى الله -تبارك وتعالى- كما ورد في الحديث: (رضى الله من رضى الوالدين، وسخط الله من سخطهما).

فأنا أرى -أختي الكريمة الفاضلة- أن تحتسبي أجرك عند الله تبارك وتعالى في ذلك، وأن تتركي هذا الأمر خاصة وأن الأخ قد خطب فتاة أخرى، ومعنى ذلك أنه قد صرف النظر عنك، لأنك تأخرت في الرد عليه، أو لأن أهلك رفضوه، فاضطر أن يبحث عن فتاة أخرى، وقد أكرمه الله -كما ذكرتِ- بخطبة فتاة أخرى.

وثقي وتأكدي -أختي الكريمة الفاضلة- أنه لو كان من نصيبك فلا يمكن لوالديك أن يرفضاه أبدًا، وكونك ترينه مناسبًا من جميع الوجوه ويراه والداك ليس كذلك وقد خطب فتاة أخرى، فبذلك قد صرف النظر عنك، أقول: هذه إرادة الله تعالى، لأنه يستحيل أن يقع في ملك الله ما لا يريده الله تعالى، فلا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله، ولا يتحرك متحرك إلا بأمر الله، ولا يسكن ساكن إلا بأمر الله.

وعليه فأنا أرى -بارك الله فيك- أن تفضلي رضا والديك، وأن تحاولي أن تتغلبي على هذه المشكلة، وألا تجعليها عائقًا بينك وبين والديك، وألا تجعليها سببًا في النفور منهما أو الإساءة إليهما أو عدم الرضا عنهما، لأنهما ينفذان قضاء الله وقدره في حقيقة الأمر، فما كان لأبيك ولا لأمك أن يرفضاه إذا كان لك فيه من نصيب، ولكن جعل الله رفضهما سببًا من الأسباب، لأن الله لم يشأ أن يكون هذا الرجل زوجًا لك، وأنت تعلمين أن الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان، ولذلك في حديث الإيمان -كما أخبر النبي عليه الصلاةُ والسلام-: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى).

إيماننا بالقدر: هذا إيمان كإيماننا بالله تعالى تمامًا، فعليك أن تسلمي تسليمًا لهذا الأمر، وأتمنى ألا تحزني على ما فاتك، حتى وإن كانت هذه الرؤيا رؤيا جميلة أو رائعة، ولكن ليس معناها أنه زوج لك، فقد يكون هناك تأويل آخر لها، وقد يمنّ الله -تبارك وتعالى- عليك بمن هو أفضل منه، خاصة وأن هذا الجمل الأبيض الذي كان يقبل الرجل لعله سيكون زوجًا لك في المستقبل، ويكون أفضل منه -بإذن الله تعالى-.

فأرى بارك الله فيكِ ألا تجعلي هذا سببًا في سوء معاملة والديك، أو العبوس وتقطيب الوجه إليهما، أو عدم الراحة أو الانسجام معهما، أو اعتزالهما، أو في الغضب أو الزعل منهما، لأن هذا كله ليس في صالحك، وما دام الأمر قد فات وانتهى والرجل قد خطب فتاة أخرى فاعلمي أنه ليس لك، وأحب أن أقول لك أمرًا آخر: ثقي وتأكدي أنه لو كان من نصيبك في المستقبل فسوف يكون لك -بإذن الله تعالى-.

ولكن أتمنى أيضًا أن تتوقفي عن هذا الدعاء لأنه الآن لم يعد مشروعًا، وإنما عليك أن تدعي الله تبارك وتعالى أن يرزقك عبدًا صالحًا يكون عونًا لك على طاعته ورضاه، ويرضى عنه والديك.

أسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، وألا يحرمك بر والديك ورضاهما عنك ورضاك عنهما، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يعوضك خيرًا عما فقدت.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً