الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بنوبات هلع تبعها خوف من الموت..هل من علاج سلوكي وديني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولاً: أود أن أشكركم على هذا الموقع الرائع الذي يجيب على كل ما يدور في أذهاننا من تساؤلات, وأود أن أعبر عن فخري واعتزازي بوجود موقع إسلامي بهذه الروعة والكفاءة التي تجمع ما بين العلم، والدين وهذا أروع ما فيه.

مشكلتي التي تؤرقني، وتعكر صفو حياتي هي بالنسبة لي من أكبر المشاكل، بدأت منذ عام 2008 حين أصبت بنوبات هلع بدون أي سبب، ولكني شفيت منها تماماً، مشكلتي الحقيقية بدأت عام 2010 بعد وفاة والدتي - رحمها الله -، فبدأت تراودني بعدها أحلام، وأفكار وسواسية تشعرني بقرب الموت, بدأت بعدها بالعلاج بدواء سيبرالكس لمدة ستة أشهر، ثم بدأت طبيبتي بعدها بسحبه، وإضافة دواء سيروكويل (50)، وذلك لأن دواء سيبرالكس أثر على رغبتي الجنسية.

استمريت على دواء سيروكويل قرابة سنة وأربعة أشهر، وكانت حالتي خلالها جيدة جداً, ولكن قبل شهرين تقريباً أصبت بانتكاسة شديدة بسبب بعض الظروف، وهي أن أفكاراً وسواسية تطاردني، ولا أستطيع التحكم بها، حيث أني أقوم بدون إرادتي بحسد نفسي، وأولادي على نعمة الحياة، ومن ثم أشعر أن أحدنا سيموت بسبب عيني، ثم أدخل في نوبات هلع شديدة، وأنا أتخيل ذلك.

لا أستطيع أن أصف كم أنا بحال سيئة بسبب هذه الأفكار البشعة التي تؤذيني، وتؤذي أولادي، وصفت لي طبيبتي دواء إكسل ومهدئ ميريزا وتحسنت حالتي قليلاً, ولكن إذا تأخرت عن موعد الدواء قليلاً تزداد حالتي سوء.

أرجو أن تساعدوني سلوكياً ودينيا في التخلص من هذه الوساوس البشعة, فقد أصبحت عاجزة عن النظر حتى لأولادي لكي لا تراودني هذه الأفكار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رجاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فأتفق معك أن الوساوس كثيرًا ما تكون مؤلمة جدًّا على النفس، لأن الوساوس تتعلق في معظم الأحيان بأشياء حساسة وعزيزة جدًّا على النفس، لذا تؤلم صاحبها، وفي الأصل أن معظم الذين يعانون من الوساوس يرتبطون بالدرجة الوجدانية والإنسانية والمنظومة القيمية لديهم مرتفعة جدًّا، لذا يحدث ما يمكن أن نسميه بنوع من جهد الذات الغير إرادي، لذا تحس النفوس الموسوسة بالكثير من الألم والاجترارات القاسية على النفس.

هذه حقيقة علمية، ويجب أن نؤكد عليها، لكن الحقيقة الأخرى، والأفضل منها هي أن الإنسان متى ما طرد وساوسه، وبدأ في تحقيرها والتعامل معها على أنها أمر سخيف، وعدم اللجوء إلى تحليلها، أو إخضاعها للمنطق، إنما فقط الإغلاق عليها، وذلك بأن نخاطب الوسواس مخاطبة مباشرة (أنت وسواس حقير لن أعيرك أي اهتمام)، والشيء حين نحقره ونسخفه هذا يمثل مرحلة هامة كبيرة جدًّا في علاج ذلك، ومن خلال التغيير الفكري المعرفي يصل الإنسان إلى قناعة بأن هذه الوساوس بالفعل بأنها سخيفة وحقيرة وبدأ يُغلق عليها وتجاهلها، وعدم إخضاعها للمنطق.

هذا هو أحد المناهج السلوكية المهمة جدًّا، والوساوس يجب أن تقومي بضدها دائمًا، فشعورك مثلاً حول الأفكار التي تشعرك بقرب الموت، خاطبي الفكرة مخاطبة مباشرة، وقولي أن (الموت لا يعلم بمجيئه إلا الله، والأعمار بيد الله، وخوفي هذا هو خوف وسواسي، لن يزيد في عمري لحظة أو ينقصه) إذن المواجهة والتحقير هو أسلوب سلوكي ممتاز لمواجهة الخوف.

في ذات الوقت يعرف عن الوساوس بالفعل تأتي وتذهب، تأتي في لحظات التعافي وبعد ذلك، ونسبة لروابط قد تكون غير واضحة أو واضحة ربما تظهر الوساوس مرة أخرى.

والوساوس أيضًا من العلل التي لا تخلو من الذكاء، فمتى تخمد نارها، لكن سرعان ما تتوقد، ومتى ما اختفت من جهة تأتيك من جهة أخرى بلون وشكل جديد، وهذا في حد ذاته قد يشكل مشكلة نفسية وإنسانية للبعض، لكن ستظل الحقيقة، وهي أن الوساوس تعالج من خلال التحقير.

أمر آخر مهم جدًّا: أن الوساوس ذات المحتوى السيئ صاحبها لا يتبعها أبدًا.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: تمارين الاسترخاء ذات فائدة كبيرة جدًّا في علاج الوساوس، لأن الوساوس أصلها القلق، والقلق ضده الاسترخاء، فأرجو أن تقومي بهذه التمارين، وإليك بعض الاستشارات السابقة التي توضح لك كيفية القيام بها، وهي برقم ( 2136015) فاحرصي على هذه التمارين لأنها ذات فائدة كبيرة وفائدتها عظيمة جدًّا.

فيما يخص العلاج الدوائي: لا شك أنه فاعل، لا شك أنه جيد، لا شك أنه ممتاز، وأعتقد أنك في حاجة لعلاج دوائي، وعقار فافرين أعتقد أنه الأفضل لعلاج مثل حالتك، فأرجو التواصل مع طبيبتك لوضع برنامج علاجي دوائي، وإن رأت الطبيبة إعطاءك الفافرين فهذا خير، وإن رأت إعطاءك دواء آخر فإن شاء الله تعالى تجني منه فائدة عظيمة جدًّا.

أيضًا أرجو أن تعلمي أن الوساوس ليست دليلاً على ضعف الإنسان لا في إيمانه وعقيدته، أو ضعف شخصيته، وإن شاء الله تعالى هي دليل على صدق إيمانك، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم هي أحد الأمور التي يجب أن يضعها الإنسان دائمًا في خلده، وأن يغلق على الوساوس إغلاقًا تامًا.

وهذا هو الذي دعت إليه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم – حيث قال حين سُئل عن مثل ذلك فقال: (فليستعذ بالله ولينته)، ويجب أن نعلم دائمًا أننا دائمًا في حفظ الله تعالى ورعايته وفي كنفه، ويجب أن نتوكل على الله تعالى، قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.

جزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم - استشاري الطب النفسي وطب الإدمان - وتليها إجابة الشيخ موافي عزب - مستشار الشؤون الأسرية والتربوية - وهي كالتالي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يمتعك بالصحة والعافية، وأن يبارك لك في دينك ودنياك وأهلك ومالك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن مسألة الوسواس من المسائل التي تؤرق الإنسان، وتقض مضجعه وتحول حياته في بعض الأحايين إلى جحيم لا يُطاق، وذلك لأن الإنسان يتعرض لنوبات – كما ذكرت – من الهلع، ولا يعرف لذلك سببًا، فإنه إنسان طبيعي، والناس يعيشون حوله أيضًا في أوضاع طبيعية، وهو يجد نفسه أنه أصبح يختلف عن ذلك كله، من حيث الأفكار، والتصرفات والتصورات، ويعيش معركة طاحنة في داخل نفسه، ويُصبح كالتنّور المشتعل الذي لا يدري بحقيقته من يقف حوله.

لكن من فضل الله تعالى ورحمته أن الله الجليل جل جلاله سبحانه ما جعل داء إلا جعل له دواء، كما أخبرنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم – ولذلك أوصانا - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (تداووا عباد الله) فنحن مطالبون بالبحث عن العلاج، وعن وسائل الدواء الشفاء، وكما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - : (فإن الله ما خلق داء إلا خلق له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله) فجميع الأمراض النفسية، أو البدنية أو غير ذلك أيًّا كانت صورتها لها أدوية، ولها علاجات أودعها الله تبارك وتعالى في هذا الكون، إلا أن بعضها قد تم اكتشافه وبدأ الناس في تعاطيه، وبعض هذه الأدوية ما زالت غيبًا عن العالم لم يكتشفوها بعد.

نحن نؤمن يقينًا بصدق كلام النبي - صلى الله عليه وسلم – ونؤمن بأن جميع الأمراض التي توجد في العالم لها علاج، إلا أن العلاج - كما ذكرت – لم يتم اكتشافه بعد، أو قد يكون موجودًا ولكن لا يُحسن الأطباء التعامل معه بالطريقة الصحيحة التي تؤدي إلى النتائج التي يبتغيها الإنسان المريض.

ولعل أخِي الدكتور محمد عبد العليم - وفقه الله تعالى - قد شرح لك آلية رائعة في كيفية التعامل مع هذه الحالة، وأعتقد أن هذا فيه كفاية من حيث العلاج السلوكي.

وأما من ناحية العلاج السلوكي، فأنت تعلمين أولاً أن الله الجليل جل جلاله يحبك - ويحب الخلق جميعًا – ولولا أنه يحبنا لما أكرمنا – على وجه الخصوص كمسلمين – بالإسلام، ولا أكرمنا أيضًا بنبيه محمد - عليه الصلاة والسلام – فهذه كلها أمور تدل على محبة الله تبارك وتعالى لك، فأنت من أمة النبي الكريم محمد - عليه الصلاة والسلام – والله تبارك وتعالى أعطى هذه الأمة ما لم يعطِ غيرها من الأمم جميعًا. هذا أولاً.

ثانيًا: النبي - صلى الله عليه وسلم – أخبرنا بقوله: (إذا أحب الله عبدًا ابتلاه) وقال أيضًا وفي رواية: (إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه سخط الله) فعلينا أولاً أن نعلم أن العبد المؤمن مبتلى، وأن هذا الابتلاء يقوم على محورين: المحور الأول: إما أن يكون عبارة عن رفع درجات هذا العبد عند الله تعالى، كما قال الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.

وإما أنه نوع من التطهير للإنسان، فإن الإنسان منا قد يقع في بعض الذنوب، أو الخطايا، أو المعاصي ولا يدري، فيأتيه هذا الابتلاء كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام – بقوله: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يمشي على الأرض، وليس عليه من خطيئة) وفي رواية: (حتى يلقى الله تعالى وليست عليه من خطيئة).

فكل الابتلاءات وكل الأمراض – سواء كانت نفسية أو كانت بدنية أو كانت غير ذلك – التي يُبتلى بها العبد في هذه الحياة إنما هي في صالحه، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).

فالنبي - عليه الصلاة والسلام – تعجب من أمر المؤمن، فقال: (إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له) أي إن أصابه شيء يسره شكر الله تعالى، فكان ذلك خيرًا، لأنه سيكون من الشاكرين. (وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له)، والضراء هو الضر، أو البلاء أو هذا الابتلاء الذي أصابك، ولذلك أقول:

عليك أولاً بالرضا عن الله تبارك وتعالى، والصبر على أقدار الله، والأخذ بالأسباب أيضًا، لأنه ليس معنى الصبر عدم الأخذ بالأسباب أو التراخي، أو التكاسل، فإن هذا غير مطلوب شرعًا، وإنما معنى الصبر أننا لا نجزع، ولا نيأس، ولا نقنط من رحمة الله تعالى، ورغم ذلك نأخذ بالأسباب ونتعاطى الدواء، لأن الذي أمرنا بالتداوي إنما هو الله جل جلاله على لسان النبي الكريم محمد – عليه صلوات ربي وسلامه - .

إذن لابد أن تجتهدي في أن تكوني راضية عن أقدار الله تعالى، وألا تسخطي أو تجزعي، لأن اليأس أو الجزع أو القنوط يؤدي إلى مزيد من تفاقم المشكلة، ولا يؤدي إلى حلها.

كذلك أيضًا أتمنى أن تحافظي على الوضوء بانتظام، وكم أتمنى أن تكوني متوضئة دائمًا، لأن العبد الذي يتوضأ يكون في حراسة الله تبارك وتعالى كما أخبر النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - .

كذلك أيضًا أنصحك أن تحافظي على الصلوات في وقتها، بأن تضبطي ساعتك، أو الجوال، أو غير ذلك لتصلي الفجر في وقته، وكذلك كل الأوقات، صلِّيها في أول وقتها، لأن هذا من أحب الأعمال إلى الله تبارك وتعالى.

اجتهدي – بارك الله فيك – في المحافظة على قراءة ورد من القرآن يوميًا، وإن استطعت أن تقرئي سورة البقرة يوميًا لكان ذلك خير.

حاولي أن ترقي نفسك، وأولادك بآيات، وأحاديث الرقية المعروفة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم – بالنسبة للمعوذات، و{ قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} اجتهدي في ذلك بارك الله فيك، وأكثري من الصلاة على النبي المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - بنية الشفاء، وأبشري، لأن النبي - عليه الصلاة والسلام – بشّر من يُكثر الصلاة عليه بقوله: (إذًا تُكفى همَّك، ويُغفر لك ذنبك).

كذلك عليك الإكثار من الاستغفار، ولا مانع من بعض الصدقات المستترة التي لا يعلم بها أحد إلا الله تعالى بنية الشفاء، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة).

عليك بالدعاء، والإلحاح على الله تعالى أن يعافيك الله تعالى، وإذا كانت الوالدة موجودة فاطلبي منها الدعاء، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأن يصرف عنك السوء، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً