الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يريد الدخول في الإسلام من أجلي؛ فهل أقبل به زوجا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا فتاة مسلمة, تعرفت على شاب نصراني, وأخبرني أنه يريد الدخول في الإسلام من أجلي, ولكني أخبرته أن من يريد الحق ينبغي أن يكون لأجل الله وليس لأحد غيره, وحينما علم والداه بأنه بدأ يقرأ القرآن وتعرف على الإسلام قاما بطرده من المنزل, وفصله من الجامعة, وهو الآن لا مكان له.

والسؤال الآن ماذا يفعل مع والديه؟ أخبرني أنه سيسلم ويأتي لخطبتي, فهو متعلق بي جدا فأخشى إذا رفضته أن يمتنع عن الإسلام بسببي, فهل علي ذنب في ذلك؟ وهل علي ذنب في الفرقة التي حصلت بينه وبين أهله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بشرى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونشكر لك هذا الاهتمام بإسلام هذا الرجل وبدخوله في دين الله تبارك وتعالى، ونرجو أن تكون كل فتاة داعية لإسلامها بالتزامها وأدبها وأخلاقها, وداعية إلى الله تبارك وتعالى بالأقوال والأفعال، وبشرى ثم بشرى لمن يسر الله له هداية إنسان، فلأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم، كما جاء عن رسولنا - عليه صلوات الله وسلامه – وكم تمنينا أن تتمكني من ربط هذا الرجل بمجموعة من الشباب الطيب, أو بمركز إسلامي حتى يعاونوه على إكمال هذا المشوار، ولا مانع في البداية من أن يُسلم من أجلك أو من أجل أي مسلم، ولكن العبرة في النهايات، فإن هذا القصد يتحول، وحسن ما ذكرته بأن الإيمان ينبغي أن يكون لله تبارك وتعالى.

ولا مانع من الناحية الشرعية إذا كان الرجل مناسبًا, ووجدتِ في نفسك ميلاً إليه وقبولاً, أن تقبلي به زوجًا من أجل أن يتمكن الإيمان في نفسه، وتذكري ما حصل من أم سليم - رضي الله عنها – لما خطبها أبو طلحة - رضي الله عنه وأرضاه – وكان وقتها على الشرك، فقالت له: (مثلك لا يُرد، ولكنك امرئ كافر، فإن أسلمت فذلك مهري) فدخل في الدين، فتزوجها، وما رضيت غير الإسلام مهرًا, فكانت أبرك النساء مهرًا, ومن أحسن النساء صورة - رضي الله عنها وأرضاها - .

والنبي - عليه الصلاة والسلام – كان يعطي على الإسلام عطاء من لا يخشى الفقر، وأسلم رجل فأعطاه غنمًا فذهب إلى قومه فقال: (يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر) قال أنس: (إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا - يعني غرضًا من الدنيا – فما يلبث أن يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها) فإن كان الرجل ما يريد إلا المال, فما يلبث أن يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها فيُنفق أضعاف ما أخذ في سبيل الله.

وكم تمنينا كذلك أن يكون هناك من يناصر من يدخل في دين الله, من يحل مشاكلهم, من يقف إلى جوارهم، من يؤمن لهم المأوى والمكان الآمن من أجل أن يترسخ الإيمان في نفوسهم، ولا شك أن والدي الإنسان هم الذين أخطأوا، ولكن هذه الشريعة العظيمة تأمره أن يُحسن إليهم, وأن يصبر عليهم, وأن يجتهد في برهم، لكنه لا يطيعهم في الكفر بالله، قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} ثم قال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إليَّ} فإذن الإسلام دين حريص على حسن العلاقة بين الإنسان وبين والديه مهما كان دينهما، فمهما كانت المعاناة التي يجدها من خلالهما ومن ناحيتهم إلا أنه ينبغي أن يتذكر أن الوالد يظل والدا وإن اختلف الدين أو العقيدة، ويستحق أن يصاحبهما بالمعروف والإحسان إليهما، لكننا لا نطيعهما إذا أمرونا بأمر يغضب الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه وتعالى.

ونحن نتمنى أن تحرصي على تمكين الإيمان في قلبه، ولست مجبرة في أن تقبلي به زوجًا إذا كان في نفسك نفورًا أو غير متوافقا معك، لأن الزواج عن رغبة, والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف. ولا مانع من أن تبحثي له عن امرأة فاضلة تعينه على الثبات والسداد، وإن رغبت في أن تكوني أنت من يغتنم هذا الخير ويغتنم هذه الفرصة فهنيئًا لك بهذه الروح وبهذه المشاعر.

أما بالنسبة لوالديه فإنا نكرر الوصية له بأن يُحسن إليهما، وأن يجتهد في البر لهما، وأن يحسن إليهم، ولكن لا يطيعهم في الكفر بالله، بل يمضي على الإيمان بالله وعلى الدخول في هذا الدين العظيم الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، وسيكون هو الرابح، وإذا تمكن الإيمان في نفسه وواصل البر بأهله فإنه سيأتي اليوم الذي يشاركوه ويصاحبوه في الدخول هذا الدين العظيم.

وما حصل بينه وبين أهله، الأهل هم الذين قصروا في حقه، والإسلام يدعوه إلى ألا يعاملهم بالمثل، ولكن عليه - كما قلنا - ألا يطيع أحدًا إذا أمره بمعصية الله, أو بالعود إلى ما كان عليه من الكفر بالله تبارك وتعالى.

نسأل الله له التوفيق والسداد والثبات، وأن يثبتك ويعينك على ربط هذا الرجل - كما قلنا - بمراكز إسلامية أو جهات دعوية حتى يواصل معه مسيرة الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وحتى يهيؤوا له المكان الآمن، وحتى يعاونوه في الحصول أيضًا على الزوجة الصالحة التي تعينه على الثبات على هذا الدين.

ونسأل الله تبارك وتعالى الهداية للجميع، وأن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً