الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قدسية الكعبة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ذهبت لأداء العمرة مرتين من قبل, وقد تعلقت بالكعبة تعلقًا شديدًا, وأحببت النظر إليها كعبادة, وكانت لها قدسية خاصة في قلبي, ولكن عندما علمت أن الكعبة هدمت وبنيت أكثر من مرة شعرت بأنها بناء عادى جدًّا, من الممكن أن يقوم أي شخص بهدمه وبنائه مرة أخرى, وفقدت قدسيتها من قلبي, وأنا أعاني معاناة شديدة من هذا الموضوع.

أرجو الإفادة بشكل عام وواضح, وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك - ابننا الكريم - في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه, وأرجو أن تعلم أن الإنسان عندما يؤدي العبادة - وخاصة العمرة أو تقبيل الحجر الأسود -إنما يؤدي ذلك طاعة لله تبارك وتعالى، والأمر كما قال عمر: (إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولكني رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم – يعظمك) لأن هذه هي العبادة، فالعبادة هو أن يفعل الإنسان ما يريده الله تبارك وتعالى، ويفعل ما فعله النبي - عليه صلوات الله وسلامه – فإذا وضحت له العلة فبها ونعمت، وإلا فكما قالوا: (العبادات لا تعلل)؛ ولذلك العبرة ليست بما يفعله الإنسان, ولكن العبرة بالتأسي بالنبي - عليه الصلاة والسلام – وبتعظيم الله تبارك وتعالى ورسوله.

فالمسلم ينطلق في تعظيمه وفي حبه وفي وضع الأمور في نصابها من قواعد هذا الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، وهذا ما تقتضيه المحبة الحقة لله تبارك وتعالى، فإن المسلم يحب الله ثم يجعل محابَّه تنطلق وفق ما يُحب الله تبارك وتعالى، ووفق ما يُحب رسوله - صلى الله عليه وسلم – فيعظم ما عظمه الله، ويعظم ما عظمه النبي - عليه صلوات الله وسلامه – والكعبة رغم أنها بُنيت وهُدمت إلا أن القُدُسية باقية، بل في الكعبة وما حولها، فهذه البقاع المباركة التي بارك الله فيها, والتي تضاعف أجور العابدين فيها، وأجور المصلين، وأجور المطيعين لله تبارك وتعالى، وهذه البقعة التي طهارتها أيضًا من أن الذي يُذنب فيها ليس كمن يُذنب في أي مكان، بل مجرد التفكير في المعصية في هذا المكان جريرة كبرى {ومن يُرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}.

وأرجو أن تعلم أن الله تبارك وتعالى أيضًا صان للكعبة حرمتها، فالكعبة حتى عندما بناها أهل الجاهلية لم يُدخلوا في بنائها مال يتيم, ولم يدخلوا في بنائها مال ظلم، ولم يُدخلوا في بنائها ما يدل على أن فيها درهما واحدا مغتصب أو حراما في غير موضعه، وهذا من صيانة الله تبارك وتعالى لتلك البقعة، حتى عندما بناها أهل الشرك, فكيف بما نالته الكعبة بعد ذلك من اهتمام على أيدي سلاطين فيهم خير؟! ما فعلوا شيئًا وما تحركوا في شيء إلا بعد أن رجعوا إلى علماء ذلك الزمان من الفضلاء – عليهم من الله الرحمة والرضوان –.

ولا شك أن هذا المعنى الذي تكلمت عنه واضح أيضًا من قول النبي - عليه الصلاة والسلام – لعائشة عندما قال: (لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لهدمتُ الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم) فالنبي - صلى الله عليه وسلم – راعى أحوال قومه، وراعى كذلك أيضًا ما يتعلق بهيبة الكعبة؛ لأنها إذا هُدمت وبُنيت، ثم هدمت وبنيت، خشي النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يترك ذلك أثرًا في نفوس الضعاف، ولكن الأمر يمضي والكعبة تنال هذا التعظيم من الكبراء, من العظماء, من الفضلاء، والكعبة لا تشرف بالذين بنوها، بل هم الذين يتشرفون ببنائها, وبخدمتها, وبغسلها, وبنظافتها, وبالاحتفاء بها، وكانت الأمة في تاريخها في تسابق على كسوة الكعبة، فكان السلاطين في المشارق والمغارب يهتمون بهذا البيت الكريم الذي هو بيت الله تبارك وتعالى الذي عظمه, هذا البيت الذي بناه ووضع قواعده الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه، وشارك في بنائه إسماعيل، واحتفى به الأنبياء، واحتفى به رسولنا - عليه صلوات الله وسلامه – وبيّن أن لها حرمة, ولها قُدسية، وأنها تنال أفضل التعظيم.

ولذلك ينبغي أن تتعوذ بالله تبارك وتعالى من الشيطان، وتوقن أن هذه الكعبة المشرفة معظمة, وفي منزلة رفيعة؛ لأن الله عظمها، ولأن الله ربط قلوب العباد بها، بل مالك القلوب يجعل الناس في المشارق والمغارب يتشوقون إليها، بل ربما باع المسكين بقرته وغنمه وكل ما يملك من أجل أن يكحل عينيه برؤية الكعبة المشرفة, ويطوف بالبيت العتيق؛ تأسيًا برسولنا - صلى الله عليه وسلم – واستجابة لنداء الخليل أبي الأنبياء – على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه - .

فتعوذ بالله من هذه الوساوس، واعلم أن الشيطان يأتي للإنسان بالشبهات، ولكن بُشرى لك فإنه لا يقف إلا في طريق من يسير على الخير، فعامل هذا العدو بنقيض قصده, وتوكل على الله تبارك وتعالى في كل أمر من أمورك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونكرر شكرنا على التواصل مع الموقع، وسنكون على استعداد لنجيب عن كل جديد يصدر عندك، ونتمنى أن تنزاح عنك هذه الوسوسة، وأن تعود إلى الصواب الذي كنت عليه، ونسأل الله لنا ولك السداد والثبات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مجهول مهدي

    جازاكم الله عنا كل خير لقد اجبتم بما اثلج قلبي فانا اعاني بمثل ما يعاني منه الاخ الساءل

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات