الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس قهري حول الجنابة فأغتسل لكل صلاة ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

إلى الدكتور محمد عبد العليم: أطلب منك مساعدتي, وأرجو منك أن تتحمل أسئلتي؛ لأنها لن تكون هذه آخر مرة أطرح عليك أسئلتي, بل قد تطول المدة؛ لأن حالتي صعبة جدًّا, وسوف أقول لك قصتي منذ البداية:

أنا وقعت في العادة السرية صغيرًا بسبب أصحاب السوء, وكنت لا أعلم أنها حرام, وعندما علمت أنها حرام, وأن الذي يفعلها يكون على الجنابة, ويجب عليه الغسل, حاولت تدريجيًا إلى أن تركتها - ولله الحمد - ولكن هذا التجربة إلى الآن تؤثر على حياتي؛ حيث أصبت بسبب هذا التجربة بالوسواس القهري في الطهارة, وخاصة موضوع خروج المني؛ حيث أصبحت أغتسل لكل صلاة؛ لأني أخاف أن أصلي وأنا على الجنابة, كما كنت في السابق, ولكن كثرة الغسل قد أتعبتني؛ لأني طالب, ولا أستطيع التوفيق بين كثرة الغسل والدراسة, ولا أستطيع السفر بسبب هذا الأمر, وفي نهار شهر رمضان أخاف كثيرًا أن أكون على الجنابة, وأنا لا أدري, ماذا أفعل لكي أتخلص من هذا الأمر لأنه سبب لي قلقًا شديدًا؟

أرجو منك - يا دكتور- مساعدتي, وسوف أشرح لك في المرات القادمة أكثر عن حالتي, وجزاك الله كل خير, وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فأؤكد لك أننا على استعداد تام لتقبل أسئلتك واستفساراتك، ونسأل الله لك العافية والشفاء.

أتفق معك أن الوساوس القهرية كثيرًا ما تكون مزعجة لصاحبها، ولكني أبشرك أيضًا بأن هذه الوساوس يمكن الآن علاجها، بل قهرها, إذا التزم الإنسان بالتطبيقات العلاجية.

أولاً: يجب أن تكون لك قناعة تامة أن الوساوس هو نوع من القلق، وأن الوساوس ليست دليلاً أبدًا على ضعف شخصيتك, أو قلة إيمانك.

الوساوس هي مكتسبة في الأصل، وما هو مكتسب يمكن أن يُفقد من خلال التعليم المضاد.

أنا سعيد أنك قد توقفت عن العادة السرية، فهذا إنجاز عظيم، نسأل الله لك الثواب, وهنالك حقيقة مهمة جدًّا أريدك أن تستوعبها بدقة، وهي: ألا تربط أبدًا بين العادة السرية التي كنت تمارسها سابقًا وموضوع الطهارة, وأعتقد أن هذا الرابط هو الذي سلط عليك هذه الوساوس, فموضوع العادة السرية قد انتهى، والحمد لله تعالى أنت أدركت مضارها، وإن شاء الله تعالى لا حرج عليك أبدًا, خمسة وثمانون إلى تسعين بالمائة من الشباب يكونون قد مارسوا العادة السرية في حياتهم, ونحن حقيقة نحاول دائمًا أن نرفع وعي الناس حيال أضرارها، وأقول لك: إنك سرت على طريق سار عليه الكثير من الناس، فلا تحس أبدًا بالحرج، وإن شاء الله تعالى أنت على بصيرة وعلى إدراك الآن.

وحقيقة شعورك بالذنب بهذه الصورة, وربطك ما بين موضوع الطهارة والعادة السرية: أريد حقيقة أن أفصل ما بين الاثنين، فهذا مهم جدًّا، وأنا أعرف أن درجة الضميرية والالتزام لديك عالية ومرتفعة، وهذا أمر يسعد به الإنسان، لكن لا تحمّل نفسك فوق طاقتها.

ثانيًا: الوساوس أيًّا كانت فكرًا أو فعلاً – ودائمًا الفعل يكون مرتبطًا بالفكر أو هو نتاج له – تعالج من خلال أن يحقرها الإنسان؛ لأنها بالفعل حقيرة وسخيفة، ومتى ما بدأ الإنسان هذه القناعة فسوف يجد أن الوساوس قد أصبحت هشة ومهتزة, ويمكن التخلص منها، فأريدك أن تبدأ بتغيير المفاهيم، أن هذه الوساوس حقيرة، والحقير يجب ألا يتبعه الإنسان، بل يرفضه ويلفظه، ومهما انتابك إلحاح واستحواذ من هذه الوساوس فيجب أن تقاوم هذا، وسوف تجد في نهاية الأمر أنك قد تطبعت على الوضع الاسترخائي الذي يرفض الوساوس.

أنا أقول لك بكل بساطة: لا تغتسل إلا إذا احتلمت, وكان هذا الاحتلام واضحًا، وحين تغتسل يجب أن تحدد كمية الماء، حدد كمية الماء، ضع الماء في إناء، ولا تغتسل من ماء الصنبور مباشرة، وقل لنفسك: إن هذا هو الماء المتاح لي, والإسراف مذموم, وأنا سوف ألتزم بذلك, هذا في حالة أنك بالفعل قد احتلمت، أما الربط ما بين العادة السرية والجنابة فهذا ليس صحيحًا، وهذا يجب أن ترفضه, ويجب أن تتجاهله تمامًا.

ثالثًا: هنالك خط علاجي مهم, وهو العلاج الدوائي، وأنا أرى أنك في حاجة له, وبفضل من الله تعالى فإنه توجد الآن أدوية ممتازة مضادة لقلق الوساوس، وهذه الأدوية يجد الإنسان فائدتها إذا التزم بتناولها للمدة العلاجية المطلوبة.
من أفضل هذه الأدوية عقار يعرف تجاريًا باسم (بروزاك), واسمه العلمي هو (فلوكستين), وله مسميات تجارية كثيرة تختلف من دولة إلى أخرى.

ابدأ في تناول الفلوكستين بجرعة كبسولة واحدة - وقوة الكبسولة هي عشرون مليجرامًا – تناولها بعد الأكل لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها كبسولتين يوميًا – وهذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك – استمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر – وهذه ليست مدة طويلة أبدًا – بعد ذلك خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم اجعلها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول البروزاك.

كما ذكرت لك سلفًا البروزاك هو من الأدوية السليمة والفعالة جدًّا, وتوجد أدوية غيره كثيرة، لكن أعتقد أنه الأفيد، وإن شاء الله تعالى بعد انقضاء ثمانية أسابيع من تناول الدواء سوف تحس بتحسن واسترخاء، وأن الوساوس قد أصبحت هشة جدًّا، وهنا تجتهد أكثر في العلاجات السلوكية التي تقوم على المقاومة, ورفض الوساوس وعدم اتباعها، وهذا - إن شاء الله تعالى – (أي التمازج بين العلاج الدوائي والعلاج السلوكي) سوف يفرج عليك ما أنت فيه من قلق وتوتر وانزعاج من هذه الوساوس.

أريدك أيضًا أن تصرف انتباهك عن الوساوس، وذلك من خلال ملء الفراغ، والاستفادة من وقتك بصورة صحيحة، والاجتهاد في دراستك، وممارسة الرياضة، والقراءة، والاطلاع، والتواصل الاجتماعي... هذه كلها طرق مفيدة جدًّا للإنسان في حياته، خاصة أنك في حاجة شديدة جدًّا لانتهاج مثل هذا النمط من أنماط الحياة؛ لأنه بالفعل يصرف انتباهك - إن شاء الله تعالى – عن قلق الوساوس.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • روسيا الإتحادية الحزينه

    جزاكم الله خيرا انا مليت من الوسواس

  • العراق عبير سامي

    جزاكم الله خير الجزاء

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً