الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع ابنتي التي تداري أخطاءها باليمين وسرعة الجواب؟

السؤال

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وبعد:

شيخي الفاضل: أرسل لك هذه الاستشارة، وكلي أمل بأن تكون عونًا لي بعد الله عز وجل في حل بعض ما يعرض لي من مشاكلي العائلية.

شكوت لك من ابنتي مسبقًا، وقلت لك: إنها أتعبتني، فأحيانًا أشعر أني أبالغ في الاهتمام بها، لكنه الخوف من الجو الفاسد المحيط بها، وهذا ما أسمعه ويؤلمني منها قولها: أنت يا أمي مبالغة.

وأحيانًا أشعر بأني لست مبالغة، ولو تركت الحبل لفلتت مني، ولن أستطيع بعد ذلك أن أسترجعها، وأشعر أني أفعل ما تعلمته من الدورات التي قد حضرتها، ولو كانت قليلة، وأتقرب منها، وهي تشهد لي بأني لست كأمهات صديقاتها، ولكني لا أدري لماذا أجد منها حركات كثيرة جدًّا لا تعجبني! أمنعها من استخدام الجوال في وقت متأخر بعد العاشرة، ولكني أجدها تستخدمه، وآخذ الجوال منها، فتستعين بجوال آخر، وأجدها تعمل نفس الشيء، فأقول لها: لا, وأقول لها: هذا خطأ، فتقول: لماذا؟ وكيف؟

فأخذت منها جوالها، ولا فائدة طبعًا، أعرف أنها تتحدث مع صديقاتها، أو تراسلهن أحيانًا بعد 12 ليلاً، بسبب الرصيد المجاني الذي أعطته شركة فودافون من 12 ليلاً حتى 6 صباحًا مكالمات مجانية.

ودائمًا تداري أخطاءها بالحلف واليمين، ولا تسمح لي أن أخطِّئَها، فهي ذكية جدًّا، وسريعة الإجابة، وتوجِد الأعذار بسرعة، فأحيانًا أصدقها، وأحيانًا كثيرة لا، والذي يجعلني أخاف عليها هو أنني أشعر بأنها عاطفية جدًّا.

تضايقني في نومها ويقظتها، وأشعر أحيانًا أنه أصابني وسواس، ولكنه لم يأتِ من فراغ، فهذا بسبب حركاتها التي أخاف منها أشد الخوف، وأتوقع منها عملاً سيئًا في أية لحظة، وهي تشعر بذلك.

صرت -يا شيخ- أرى في المنام أني أزجرها وأضربها، وأقوم وأنا في كدر لا يعلم به إلا الله.

لا أدري هل مواجهتها بأخطائها غير صحيح، وهذا ما أعتقده وأجزم به، إلا أن يكون لكم رأي آخر؟ أم ماذا؟

وأيضًا هي لها أخت تصغرها بسنة، هل من الممكن أن أستعين بها، ولكني أخاف أن تقول لها: أمي قالت كذا وكذا، وتفشل الخطة؟

ما الحل معها يا شيخ؟
وهل هناك وسيلة أستخدمها معها؟ مع أني تواصلت مع أم عمر، واستشرتها، وسهلت الأمور، وهدأت من روعي، ولكني أخاف لدرجة كبيرة على بنتي، وصار عندي مثل الكابوس، فأرجو منكم إطلاعي على ما يمكن فعله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ gamilh حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.

بداية: نشكر لك هذا الاهتمام وهذا التواصل، ونسأل الله أن يقر عينك بصلاح هذه الفتاة، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يلهمنا جميعًا السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

ويسعدنا أن نطمئن كل حريصة من أمثالك بأن الذي يؤسس أساسًا صحيحًا، وتكون الخطوات الأولى والسنوات الأولى والبناء في البداية صحيحة، فإن هذه التغيرات والأشياء التي تحدث ما هي إلا أمور سطحية، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ أبناءنا والبنات منها.

ولا يخفى على أمثالك أن الفترة العمرية التي تمر بها الفتاة لا تخلو من تغيرات، ولا تخلو من بعض المواقف التي نحتاج فيها إلى أن نقف لنغير أسلوبنا، ونستبدل الأوامر بالحوار، ونستبدل التوجيهات المباشرة بالإقناع، وبتبرير الأمور، وتوضيح عواقبها؛ ذلك لأن الفتاة بحاجة إلى أن تعرف نهايات الطريق، وكذلك أيضًا ينبغي أن نكثر من اللجوء إلى الله تبارك وتعالى؛ فإن قلب الفتيات وقلوب الرجال والكبار والصغار بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها سبحانه وتعالى.

وأرجو أن نتجنب التحقيق؛ لأنه يدفع إلى الكذب والمواراة، وعلينا كذلك أن نصدق الكلام الذي يأتينا، ثم بعد ذلك نذكر بالله تبارك وتعالى، فمن الطبيعي مثلاً في هذه السن أن تُسأل الفتاة عن صلاتها فتُخبر أنها صلت، أو عن عمل معين، فتخبر أنها فعلت ذلك الشيء، مع أن الوالد - أو الوالدة – قد يكونان متأكدين بنسبة مائة بالمائة أن الفتى - أو الفتاة - غير صادق، ولكن ليس من الحكمة أن يقول: (من الذي رآك؟ متى صليت؟ أرني يدك كيف غسلتها, أين سجدت؟ أين مكان السجود, كيف توجهت؟ ) هذا الأسلوب غير صحيح، وعند ذلك الإنسان ينبغي أن يصدق ما سمع في الظاهر.

ثم بعد ذلك يبين أن الصلاة مهمة، وأنها طاعة لله تبارك وتعالى؛ لأن الله هو الخالق الوهاب، الذي يستحق العبادة سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.

ثم نبين لها أن الصدق مهم جدًّا، وأن الكذب أكبر من كل الجرائم، وأن الإنسان يتعامل مع الله تبارك وتعالى؛ لأن هذا الإنسان يستطيع أن يخدع جميع الناس، ولكن الله تبارك وتعالى لا تخفى عليه خافية، فهو سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ونحن -يا ابنتي- نتعامل مع الذي يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى.

وبهذا نكون غرسنا المعنى الأصلي، المعنى الجميل، الذي هو المراقبة لله تعالى، ومعنى الاستمرار على الطاعة، حتى لو كنا مع أبنائنا أو لم نكن معهم، في حياتنا وبعد مماتنا، في حضورنا وفي غيابنا، وهذا معنى من الأهمية بمكان.

ولذلك نرجو أن ننتبه لهذه النقطة، ونحاول دائمًا أن ننمي فيها عناصر الخير، ونسمعها الكلام العاطفي الجميل، فإن البنت تحتاج إلى عاطفة كبيرة، وفي هذه السن هي بركان من العاطفة، فإذا وجدت العواطف، والثناء الجميل في البيت، استغنت عن الثناء في الخارج؛ لأننا إذا لم نُشبع أبناءنا بالعواطف، فإنهم سيتسولون هذه العواطف وذلك الاهتمام، فينبغي أن نشعرها بمكانتها، ونثني على جمالها، ونثني على إيجابياتها، والأم الناجحة هي أول وأكبر صديق لأبنائها وبناتها، وكذلك الأب الناجح أول وأكبر صديق لأبنائه وبناته.

وكذلك ينبغي أن تكون لكم خطة موحدة، يتفق فيها الزوج مع الزوجة على قواعد التربية والتوجيه، وعليك كذلك أن تمنحي هذه البنت ثقة؛ لأنها إذا وجدت الثقة فإنها ستفصح لك عما في نفسها، وسيكون من الضروري زيارة الفتاة في المدرسة، والتعرف على صديقاتها، وإذا كانت تُحرج فلا مانع من إخبارها بأنك ستزورينها، وأن الهدف من الزيارة هو أنك تريدين أن تسألي عن مستواها العلمي، ويمكن أن تتفقوا على خطة موحدة إذا رضيت بأن تزوريها، فإذا زرتها فكلمي زميلاتها، واحملي لهنَّ الهدايا والكلام الجميل؛ لأن الإنسان إذا عجز أن يعزل الابن عن أصدقائه، فإن عليه أن يوسع دائرة العمل والدعوة والإرشاد والنصح، فتزور المدرسة، وتقول: (الله يصلحكم يا بناتي، وأنا أحبكم جميعًا، ونسأل الله أن يوفقكم في الدراسة, يا بناتي عندما كنا في سنكم، كنا نحفظ القرآن، ونفعل كذا وكذا)، ولا مانع من أن يكون للإنسان شيء من المرح واللهو، ولكن لا ينبغي أن يطغى على الجد، ولا على الدراسة، ولا على العبادة، ولا على بر الوالدين.

ومثل هذا الكلام الجميل المنمق يجعل البنت ترتبط بأمها، أو تجعل الولد يرتبط بأبيه، وتجعل أصدقاءه يحملون مشاعر نبيلة تجاه هذا الوالد والوالدة، كأن يقولوا: (ليت عندنا أبًا أو أمًا بهذه الطريقة، أنت ما شاء الله -يا فاطمة- أمك راقية، وفاهمة، وظريفة)، وهذا مما يعمّق علاقة الفتاة بأمها.

وكذلك ينبغي دائمًا أن نتجنب إعلان العجز، وألا نشعرها بشدة الشفقة والخوف عليها؛ لأن شدة الخوف يضعف الثقة في نفسها، وقد يوقعها فيما نخاف منه، وهذا واضح، ولعله حتى من خلال ما يحدث في النوم، فإن هذه أضغاث أحلام، ولكن تدل على أنك مهمومة جدًّا أكثر من اللازم، وهذا لا نريد أن تشعر به على الأقل هذه البنت، ولا تشعر أنك تعلنين العجز عن التعامل معها، ولكن نحن ندعوك إلى المزيد من الاقتراب منها، وحفظ مكانتها، وحفظ موضعها في البيت.

عمومًا: نتمنى أن تغيري هذه الطريقة، فلا تحرصي على التحقيق والتدقيق، ولكن على الصراحة والوضوح، وإعلان المشاعر والتواصل الجسدي، بعد ذلك الدعاء إلى الله تعالى بأن يصلح أحوال الأبناء والبنات.

ونسأل الله أن يقر عينك بأبنائك وبناتك، ويقر أيعننا وأعين المسلمين بهؤلاء الذرية، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ألمانيا بثينه محمد

    يديك العافيه كلام عن جد مفيد ربنا يحفظ الشباب

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً