الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما ارتبطت بفتاة أتركها وأرى فيها عيوبًا فما السبب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي أني خائف من الزواج, وذلك لأسباب لا أفهمها أنا نفسي, ولكني عندما أرتبط بفتاة لفترة معينة أحس بأني مللت العلاقة, وأبدأ بالبحث عن عيوب الفتاة, وأبحث عن الحجج حتى أنهي العلاقة, وقد حدثت لي ثلاث مرات:
المرة الأولى: زميلتي في العمل أعجبت بأخلاقها وطباعها بالرغم أن شكلها لم يكن جميلاً, كنت معجبًا بأخلاقها وتهذيبها, وبعد مرور فترة من الزمن ترددت في اتخاذ الخطوات الرسمية, وصرت أفكر بالعيوب, وبدأت أفكر بأني قد أجد فتاة فيها الجمال والأخلاق في نفس الوقت, وأنهيت العلاقة في لحظة.

المرة الثانية: تعرفت على فتاة عن طريق صديق لي, كان يمدح جمالها وأخلاقها وأسرتها المحافظة, ولكني لم أقابلها, وبدأت العلاقة معها عن طريق الإنترنت لفترة من الزمن, وأعجبت بها, ولكن بعد فترة اكتشفت أنها غيورة جدًّا, وكانت تضايقني بغيرتها الشديدة عليّ, وعندما استشرت أهلي عن رأيهم في الموضوع كان رأيهم أن أسرتها لا تناسبنا, وذلك لأنها من منطقه بعيدة عن منطقتنا, ولهذه الأسباب أنهيت معها العلاقة.

الحالة الثالثة بنت خالتي: تحدثت معها في الموضوع, ووافقت بأن نتعرف لفترة, مر على علاقتنا شهر واحد, وبعد موافقتها علي, ترددت؛ وذلك بسبب ظروفها في البيت وارتباطها مع أهلها, فأمها مريضة, وأبوها كفيف, وهي شديدة الارتباط بهم, وصرت أفكر بأني إذا تزوجتها فسأكون مرتبطًا بهم أيضًا, وأنا لا أعرف ظروفي, فقد أسافر خارج البلاد, وفي هذه الحالة لن تسافر هي معي بسبب ظروفها الأسرية, وأنهيت العلاقة

في الأخير: أنا أعرف بأن كل الأسباب التي ذكرتها قد تكون ليست مقنعة لإنهاء علاقة, وأعرف أن في نفسي شيئًا لا أفهمه, بالرغم أني ملتزم في أداء العبادات, وليست لي أي عادات سيئة, والحمد لله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يعافيك من هذا التردد، وأن يمنّ عليك بزوجة صالحة طبية تكون عونًا لك على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الفاضل – فإنك لا بد أن تكون حالتك واحدة من اثنتين:

الأمر الأول: إما أن يكون نوعًا من الاعتداء على شخصيتك عن طريق بعض شياطين الإنس والجن؛ مما أدى بك إلى التردد, وعدم القدرة على أخذ القرار المناسب، رغم قطع مسافات ليست هينة في إقامة العلاقات تمهيدًا للعلاقة الشرعية، إلا أنك تتراجع في اللحظات الأخيرة لأسباب غير مقنعة.

لذلك أقترح عليك - أخي الفاضل دكتور (إبراهيم) حفظك الله – ضرورة عمل رقية شرعية، والرقية الشرعية هي عبارة عن مجموعة من آيات الله تعالى وكلام نبيه - صلى الله عليه وسلم – وهي يقينًا إذا لم تنفع فقطعًا لن تضر؛ لأنها من كلام الله وكلام النبي عليه صلوات ربي وسلامه, وتستطيع أنت أن تقوم بذلك بنفسك شخصيًا إن كانت لديك القدرة على ذلك، أو أن يقوم بها أحد المقربين منك، أو أن تستعين بأحد الرقاة الشرعيين الثقات الذين عرف الناس عنهم سلامة المعتقد, وصحة الطريقة, وعدم استعمال أي وسائل غير مشروعة.

كم أتمنى فعلاً أن تكون حالتك من هذا الباب؛ لأن هذا أمر سهل, وليس فيه مشاكل, كونك تحافظ على العبادات, وليست لك علاقات سيئة، وهذا لا يمنع من أنك قد تتعرض لذلك، فأنت تعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قد سحره رجل يهودي يسمى بلبيد بن الأعصم، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

هذه المسألة -أخي الكريم المبارك (الدكتور إبراهيم)- قد تكون مسألة عادية, ولا ينبغي أن تظن بأن كونك ملتزمًا بالعبادات أنك في مأمن من كيد شياطين الإنس والجن؛ لأن العبادات -كما تعلم- مستواها متفاوت، وقد يحدث لدى الإنسان نوع من الضعف في لحظة معينة فيستحوذ عليه الشيطان، بل قد يكون الشيطان نفسه الذي غزا جسم الإنسان أقوى من الإنسان من حيث القدرة على المقاومة؛ لأن هذه عبارة عن حرب، فأنت تعلم أن هناك مثلاً أجهزة مناعة قوية تستعصي على أي فيروس من الفيروسات أن يغزوها، وهناك أجهزة مناعة ضعيفة فبمجرد البرد تجد أن الإنسان يتحول إلى جثة هامدة, وهنا نفس النظام، فكما أن هناك أجهزة مناعة بدنية هناك أجهزة مناعة إيمانية، وهذه مسألة -كما ذكرت لك- تختلف من شخص لآخر، والعلاج بالرقية علاج مشروع ومسنون, استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم – وما زال يُستعمل إلى يومنا هذا، وأهم شيء ألا يكون على يد أحد المشعوذين أو السحرة أو الدجاجلة؛ لأن هؤلاء لا يزيدون الطين إلا بلة، ولا يزيدون المرض إلا علة.

الحمد لله أعتقد أن المسألة سهلة ميسورة، وهؤلاء الرقاة منتشرون حقيقة في معظم بلاد العالم العربي والإسلامي، وليسوا عملة نادرة، لكن أهم شيء أن يكون رجلاً صحيح العقيدة.

الأمر الثاني: إما أن يكون أمرًا نفسيًا، وهو عدم قدرتك على أخذ قرارٍ، وأن تكون مبتلىً بالتردد، وفي هاتين الاستشارتين (274680 - 265830) الخطوات التي تُعينك بإذن الله على معالجة هذه المشكلة.

إذا لم يتيسر لك ذلك فبمقدورك أن تراجع أخصائيًا نفسيًا في بلدك؛ لأن التردد -كما ذكرت لك- أمر خطير، والدليل على ذلك أنك الآن دخلت إلى ثلاثة بيوت وخرجت منها ولم ترتبط بأحد، وكما ذكرت فالأسباب كانت غير مقنعة، فالتردد مدمر، ولكن الذي يبدو لي أنك لا تعاني من التردد في أمورك الأخرى، وإنما التردد في هذا الموضوع، مما يرجح وجهة نظري وهي أن هناك شيئًا غير طبيعي من الممكن أن يكون قد حدث لك.

لذلك أقترح أن تبدأ بداية بالرقية الشرعية على يد أحد هؤلاء الرقاة الثقات المتميزين؛ لأن الأمر قد يحتاج إلى بعض الوقت، وقد يحتاج إلى جلسة أو جلستين أو ثلاث أو أكثر، حسب ظروف الحالة, وسوف تتضح علامات وأمارات سوف يعرف خلالها الراقي أن الأمر يتعلق بالرقية الشرعية أم بغيرها.

إذا قدر الله ولم يكن لديك شيء فعلاً وثبت من خلال الرقية أنه ليس لديك شيء، فالجأ بعد ذلك إلى الأخصائي النفسي، ومن الممكن أن تغير الراقي كما تغيّر الطبيب، يعني لا يلزم أن يكون كل راقٍ يستطيع أن يحسم المسألة, وأن يأتي لخط النهاية، لا، الأمر كالأمر الطبي تمامًا، فقد يكون هناك طبيب يستطيع أن يعالج نسبة معينة من المرض, ولا يستطيع أن يُكمل معك، بل قد يكون هنالك تشخيصات غير موفقة، وهذا النفس الشيء أيضًا بالنسبة للرقية؛ لأنها علم من عند الله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء, والتوفيق بيد الله جل جلاله، والأمر - إن شاء الله تعالى – سيكون بسيطًا وسهلاً بإذن الله عز وجل، والمشكلة ليست عويصة أو مستحيلة، وينبغي أن تعلم أن هذا ابتلاء قدره الله تبارك وتعالى في جميع الأحوال، سواء كان هذا من قبل الجن أو من قبل النفس، فهو ابتلاء قدره الله وأنت عليه مأجور إن صبرت واحتسبت الأجر عند الله تعالى, ولم تيأس, ولم تقنط من روح الله تبارك وتعالى؛ لأنك تعلم أن الابتلاءات هذه سنة الله مع عباده الصالحين، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (إذا أحب الله عبدًا ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) فعلينا أن نرضى بقضاء الله وقدره، ولكن ليس معنى ذلك أن نستسلم؛ لأن الأخذ بالأسباب جزء من الشريعة، والله تبارك وتعالى علمنا ذلك في كتابه، وسنة النبي - عليه الصلاة والسلام – مليئة بصور الأخذ بالأسباب في كل مراحل حياته – عليه صلوات ربي وسلامه -.

كما أوصيك بالدعاء, والإلحاح على الله تعالى أن يعافيك، واجتهد في المحافظة على أذكار الصباح والمساء؛ لأنها في غاية الأهمية، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً