الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني منذ ما يقرب من 14 عاماً من الشك والوسواس.. فأين السبيل؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني منذ ما يقرب من 14 عاماً من الشك والوسواس في أمور الطهارة المختلفة، مثل الطهارة من الجنابة، والوضوء، لدرجة أني كنت أمكث في الوضوء أكثر من ربع ساعة، مع استخدام كمية كبيرة من المياه!

كذلك في الاغتسال أمكث 3 ساعات، وأستهلك كميات كبيرة من المياه، وتزداد هذه الحالة عند رغبتي في الاجتهاد في العبادة، خاصة عند قدوم شهر رمضان موسم الإكثار من الطاعات، حيث تحدث معاناة كبيرة في الوضوء والاغتسال، مما جعلني أهمل في الصلاة والقرآن لفترات طويلة، نظراً لأنني أؤخر الاغتسال لفترات طويلة قد تصل إلى أسبوعين وثلاثة، أظل فيها جنباً دون اغتسال، نظراً لطول مدة الاغتسال، مما أربك حياتي بالكلية، وعرضني لمتاعب نفسية كثيرة.

كلما هممت أن أتخلص من هذه الحالة أشعر بأنني لم أغتسل بالشكل المطلوب، واغتسالي ليس صحيحاً، وكذلك الوضوء، ماذا أفعل في هذا الأمر؟ وكيف أتصرف في الصلوات الفائتة طول هذه السنوات؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بدر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فأتفق معك أنك تعاني من وساوس قهرية، والوساوس القهرية قد تكون في شكل أفكار أو أفعال أو طقوس أو صورة ذهنية أو في شكل تردد، وهذه الوساوس تكون مستحوذة وملحة جدًّا، ولذا لا يجد الإنسان حلاً غير أن يتبعها بالرغم من قناعته بأنها سخيفة ويجب ألا تتبع.

الوساوس تصيب الناس فيما هو عزيز وجميل بالنسبة لهم، ولا شك أن الدين والعبادات هي أعز ما نملك، فأرجو أن تتفهم تمامًا أن هذه الوساوس ليست دليلاً على ضعف في شخصيتك أو إيمانك، بل - إن شاء الله تعالى – على العكس من ذلك تمامًا.

خطوات العلاج هي كالآتي:

أولاً: يجب أن تستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم متى ما أتتك هذه الاجترارات الوسواسية.

ثانيًا: قل لنفسك وبكل وضوح وتركيز كامل (أنا أعاني من الوسواس القهري، وقد قررتُ ألا أتبع هذا الوسواس مهما سببت لي ذلك من قلق) كرر هذه المقولة، وخذها يقينًا وبقوة شديدة، واجعلها تسيطر على كيانك وتفكيرك.

ثالثًا: يجب أن تحدد كمية الماء، لا تتوضأ من ماء الصنبور أبدًا، وهذا لمدة شهر كامل، ضع ماءً في إبريق – أي إناء – وتذكر أن الإسراف مذموم وإن كنت على نهرٍ جارٍ غمرٍ، وتذكر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم – فيما ورد كان يتوضأ بكمية يسيرة جدًّا من الماء.

بعد ذلك – بعد أن تضع الماء في إناء – تأمل وتدبر وقل لنفسك (هذا هو الماء المتاح لي، ولن أتردد ولن أشك مطلقًا) بعد ذلك ابدأ في الوضوء، بعد أن تسمي الله تعالى وتعقد النية، اغسل يديك، وأكد على نفسك أنك قد غسلت يديك، ومن ثم المضمضة والاستنشاق والاستنثار وهكذا، وفي كل خطوة يجب أن تنظر إلى كمية الماء الذي تبقى وتعرف ألا مصدر ماء غيره.

هذا التمرين ناجح جدًّا وفعال جدًّا إذا طبقته بجدية، ونفس الشيء بالنسبة للغسل، وحتى الاستحمام العادي، أنا أفضل أن تغتسل بأن تضع الماء في إناء أيضًا، ارجع لما كان يقوم به أجدادنا أو حتى آباؤنا.

إذاً الماء كميته محدودة، وما دامت كمية الماء محدودة فيجب أن يُحدد الوقت الذي سوف تقضيه في الاغتسال أو في الاستحمام، وهذا الوقت يجب أن يكون في حدود ما هو معقول، وأنصحك أن تحمل معك الساعة حتى في داخل الحمام لتحدد الزمن الذي سوف تستغرقه، وتكون صارمًا جدًّا مع نفسك، وهذه تمارين مضمونة النتائج إذا طبقتها بالصورة الصحيحة.

التطبيق الآخر هو تحقير فكرة الوسواس، فحاول أن تربط ما بين هذه الوساوس وما بين شيء قد يكون مؤلمًا على النفس كتذكر حدث معين ليس بالطيب أو كان محزنًا، الربط بين المقززات والمنفرات وما يبغض الإنسان والوساوس القهرية يؤدي إلى ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، وهذا يؤدي إلى ضعف الوساوس.

أفاد العلماء – جزاهم الله خيرًا – أن صاحب الوساوس من أصحاب الأعذار، فمن الضروري ألا تلجأ إلى الإعادة أو التكرار.

النقطة الأخيرة والمهمة والمبشرة جدًّا هو أن الأدوية فعالة جدًّا لأن تؤدي إلى تغير تام في كيمياء الدماغ، وتوضع المسارات الكيميائية في وضعها الصحيح، لأنه اتضح وبما لا يدع مجالاً للشك أن الوساوس مرتبطة باضطراب الموصلات العصبية والكيميائية، ومن أهم هذه الموصلات مادة تعرف بالسيروتونين.

تصحيح هذه المادة سيكون من خلال أحد هذه الأدوية، وأفضلها العقار الذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين) ويعرف تجاريًا باسم (بروزاك) ويعرف في مصر باسم (فلوزاك). جرعة البداية هي كبسولة واحدة في اليوم، تناولها بعد الأكل، وتستمر عليها لمدة شهر، بعد ذلك تجعلها كبسولتين في اليوم –

هذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك وهي جرعة صغيرة نسبيًا، لأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى أربع كبسولات في اليوم، لكن لا أرى أنك في حاجة لمثل هذه الجرعة – استمر على جرعة الكبسولتين يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم انتقل إلى الجرعة الوقائية، وهي أن تتناول الفلوزاك بمعدل كبسولة واحد في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم توقف عن تناول الدواء، وذلك من خلال أن تتناوله كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر واحد، ثم تتوقف عنه.

الدواء سليم وفعال وغير إدماني وليس له أضرارًا.

أسأل الله لك العافية والشفاء، وسوف يقوم الأخوة في إسلام ويب لتحويل استشارتك إلى أحد المشايخ ليفيدك في سؤلك حول: كيف أتصرف في الصلوات الفائتة طوال هذه السنوات.

انتهت إجابة د. محمد عبد العليم المستشار النفسي ، ويليها إجابة الشيخ الفودعي المستشار الشرعي
==================
إجابة الشيخ الفودعي:

فمرحبًا بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى لك العافية والشفاء من هذا الداء الذي تعانيه.

لقد بالغ الدكتور محمد – جزاه الله خيرًا – في وصف ما يفيدك وينفعك من التمارين، وهذه التمارين للفائدة نقول لك هي موافقة لما يقرره علماء الشريعة في مداواة الوساوس، فإنهم يقررون أنه لا دواء أنفع لها مثل الإعراض عنها بالكلية، وهذا الإعراض هو مقتضى الإرشاد النبوي، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – أرشد صاحب الوسوسة بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (فليستعذ بالله ولينته) فالانتهاء عنها ومجاهدة النفس بالإعراض عن تلك الوسواس وعدم العمل بمقتضاها هو الدواء الأكيد لها بإذن الله تعالى.

وأنت مما يعينك على تركها والإعراض عنها أن تكون على ثقة تامة، ويقين جازم بأن الله تعالى لا يحب هذا الاحتياط، والورع الذي كنت عليه من التشديد على نفسك في مسألة الغسل والطهارة، فإن دين الله عز وجل يسر، وقد قال سبحانه وتعالى في آخر آية الوضوء بسورة المائدة: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} فليس في دين الله عز وجل مشقة ولا شدة، فالدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، والنبي - عليه الصلاة والسلام – يقول: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) ويقول: (إياكم والغلو) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهذا المنهج الذي سرت عليه إنما هو إيحاء من الشيطان يريد من خلاله أن يوصلك إلى هذه الحالة التي وصلت إليها من بُغض العبادة والنفور عنها واستثقالها وتركها بالكلية.

ولذا نقول أيها الحبيب: لقد فاز الشيطان بنصيب كبير منك، فجاهد نفسك لمدافعته ورد وساوسه، وخذ باليسير من دين الله تعالى حتى يشفيك الله عز وجل من هذا الداء الذي أصابك، وكن على ثقة تامة بأن شريعة الله تعالى مبنية على التيسير، ومن ذلك أمور العبادة التي كلفنا الله تعالى بها، ففي الطهارة يكفي أن تغسل العضو مرة واحدة لتحصيل الفرض، وإذا سال الماء على العضو كفاك هذا وارتفع عنك الحدث، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يتوضأ بالمُد، أي يغسل جميع أعضاء وضوئه بِمُدٍّ واحد – أي بملء يديه من الماء – فملء اليدين من الماء كان يتوضأ به في جميع أعضاء وضوائه، وهذا يدلك على مدى التيسير في هذا الأمرز

وأما الغسل فكان - عليه الصلاة والسلام – يغتسل بالصاع، أي بأربع أمداد ويكفيه هذا ويصل الماء إلى جميع البدن، فلا يُوهمك الشيطان أن ما توضأت به لا يكفيك وأنك لن تستوعب الأعضاء، فكل ذلك كيد منه ومكر ليصدك عن الطاعة، كما حصل معك الآن.

أما ما مضى من الصلوات أيها الحبيب فنصيحتنا لك: أن تجاهد نفسك إن استطعت في قضاء ما فاتك، فإنك بتركك للصلاة قد فوتها وصارت دينًا في ذمتك عند أكثر علماء الأمة، وهم يرون وجوب قضاء الصلوات الفائتة، سواء فاتت بعذر أو بغير عذر ما دامت قد فاتت على الإنسان وهو عاقل مكلف.

ومن أهل العلم من يرى أن ما فات من الصلوات عن عمدٍ لا يُقضى، وهذا مذهب الكثيرين منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وجماعات من أهل العلم الذين وافقوا على هذا القول، ويجوز لك أنت أن تأخذ بهذا القول وتتابع أصحابه عليه إن كان هو الأيسر بك حتى يشفيك الله تعالى.

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكتب لك الشفاء ويعجل لك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا ادم العموري

    اللهم يارب الناس اذهب الباس اشفي انت الشافي لاشفا الا شفاؤك لا يغادر سقما ولا الما

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً