الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مازلت أبحث عن مثل هذا الشاب فلما عرفته ندمت فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة جامعية، أقطن حاليا في كندا مع الوالد والوالدة وأخواتي, عائلتي ملتزمة والحمد لله, تقدم لي خطاب ذو مال ومنصب, ولكني في الحقيقة كنت أبحت عن الدين, فكنت أرفضهم بحجة أني أريد أن أكمل دراستي.

كان أخي -الذي يقطن في كندا- قد حدثني عن صديق له بالمغرب ملتزم, وأثنى عليه كثيرا, الشاب يعرفه أخي من الصغر, ويتمنى أن أتزوجه, أخي يحبني كثيرا لذلك سألته عن إمكانية حضور صديقه إلى هنا, فقال لي حدِّثيه واسأليه, وبالفعل تحدث مع الشاب -بوجود المحرم طبعا- وكل مرة كنا نناقش نقاطا معينة.

بحث مرة بالكتابة, ومرة بالكلام لمدة ساعة أو ساعتين, وسبحان الله الشاب فعلا على خلق ودين, فما كنت أسأل السؤال حتى أجد الجواب الشافي, استمر النقاش أسبوعا, فالشاب بالمغرب وأنا في كندا, تقدم لي وأخبر أبي أنه لا يسأل إلا عن الدين, وأنه وجد فيّ كل ما كان يبحث عنه, فوافق أهلي ووافقت بدوري.

سأذهب إلى المغرب في غضون ثلاث أشهر بإذن الله؛ ليتم العقد, المشكلة الآن أني أجد في نفسي مالا أطيق, فأنا أعجبت به كثيرا لدرجة أني إذا فكرت بكلامه أبتسم.

أرجوكم بارك الله فيكم ماذا أفعل لكي أزيله من تفكيري؟ فأنا الآن أصبحت نادمة لأني تعرفت عليه, حتى أنه في اتصاله الأخير معي بالبيت ذكرته بحدوده المادية, رغم أني وعدته بالصبر و الرضى, وأني بإذن الله لن أكلفه الكثير, فتذكرت أنه في صغري كلما كنت أجد في نفسي شيئا اتجاه شخص؛ أذكره بما يكره ليبتعد عني.

الشاب يظن بي خيرا, رفضت الكلام معه حتى بحضور المحرم, فظن أني غيرت رأيي, وحزن كثيرا بالخصوص أنه كلم والديه, وهما يستبشران خيرا, فعاتبتني أمي على تصرفي, وأن هذا ليس لعب, فبعث له رسالة أخبرته فيها بأني أخاف على نفسي من الفتن, فتفهم وأخبرني أنه لن يطلب التكلم معي مرة أخرى.

ولكن المشكلة ما زالت قائمة, فأنا الآن أصبحت نوعا ما أبغضه لاتصاله, وعدم طلبه التكلم معي, رغم أنه يسأل أبي وأمي عني, ويتصل مرة في الأسبوع, وحتى وإن طلب فأنا سأرفض التكلم معه, وأني أخجل أن أقول أني لا زلت أفكر فيه, فماذا يجب أن أفعل؟ إني نادمة لعدم قبولي الخطيب الأول, فأنا لم أشعر اتجاهه بأي شيء, ولو كنت قبلته ما كان هذا هو مآلي, أعوذ بالله من قول لو, الآن أنظر إلى نفسي وأسألها ألا تخجلين يا من تصلين وتلبسين الحجاب؟ أما تخجلين؟

أفيدوني أفادكم الله, وهل زواج الإنترنت لا بأس به؟

والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ doaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين.

بداية نرحب بابنتنا الكريمة، ونسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يغفر ذنبها، وأن يلهمها السداد والرشاد، ونشكر لها هذا الحرص على الخير ورغبتها في صاحب الدين، فهذه منقبة للفتاة أن تطلب في الشاب دينه وأخلاقه، ونهنئها بهذا الخاطب الذي قبل به الأهل، والذي جاء عن طريق الشقيق، والشقيق شفيق، وهذه أنجح أنواع الزيجات أن يكون عن طريق واحد من الأهل، لأن هذه معرفة يتأكد منها الإنسان، ونسأل الله أن يُكمل لك هذا المشوار على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

وأعجبني وأسعدني حرصك على أن تتكلمي معه في حضور والديك وفي حضور إخوانك، وأعجبني أيضًا تفهمه للوضع الذي قام به عندما طلبت منه التوقف، وحقيقة إذا حصلت الخطبة, وتم التوافق بين الخطيبين وبين الأسرتين, ووجد الميل والانسجام فإننا نقول خير البر عاجله، ولا نريد للناس بعد الخطبة أن ينتظروا طويلا، لأن هذا ليس من مصلحة أحد، فالمسألة قد تصيب الإنسان بالتشويش، وقد تكون لها آثار كبيرة إذا كانت الفترة بعد الخطبة طويلة.

ونحمد الله أن المدة التي حُددت ليست بذلك الطول، ولكننا نريد أن نقول أيضًا لكل خاطب ولكل مخطوبة:

لا بد أن يكون الكلام في حدود المعقول، ولابد أن يكون الكلام في الأمور الضرورية، لأنه فعلا هذا الكلام يثير كوامن في النفس، وقد لا يجد الإنسان – خاصة المتدين – استجابة لذلك, أو ما يرد عنه تلك الهواجس والمشاعر والسعار، فلذلك ليس من المصلحة التوسع في الكلام في فترة الخطبة إلا في الأمور المهمة؛ التي ينبغي أن يكون هناك فيها سؤال أو استفسار أو تحديد لمعالم المستقبل.

وإذا كنتِ -ولله الحمد تكلميه- أمام ولديك وهو كذلك حريص على هذا فلا أظن أن هناك إشكال، لكن فكرة تقليل فرص التواصل فيها مصلحة كثيرة، حتى ينصرف الشاب لإعداد نفسه وحتى تنصرفي أنت للأمور الهامة، فمثل هذه الأمور قد تشوش على الإنسان وتؤثر فيه.

وننصحك أيضًا بأن تبدي المشاعر النبيلة، ولكي أن تطالبي بأن تكون المكالمات محدودة، فأنت ولله الحمد أصبحت له وهو أصبح لك، فلا أظن أننا بحاجة لكثرة الكلام، لأن الكلام يجر ورائه آلام وحسرات، ويجعل الإنسان في وضع غير مريح، وضع لا يخلو من الاضطراب العاطفي، وضع لا يخلو من السعار والهيجان، وضع لا يخلو من التوتر، لأن الإنسان لا يجد بُغيته ولا يستطيع أن يُكمل هذا المشوار، والخاطب في بلد وأنت في بلدة، وأيضًا الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج لا تبيح للخاطب- كما هو معلوم- الخروج مع مخطوبته, ولا الخلوة بها, ولا التوسع معها في الكلام.

والحمد لله هذه المسائل أنت والشاب تراعون هذه الضوابط الشرعية، وتهتموا برضى رب البرية سبحانه وتعالى، فاشغلي نفسك بالمفيد، وحاولي أن تتوجهي إلى الله تبارك وتعالى، وتسأليه التوفيق والسداد.

وأعتقد أن المدة أمامك ليست طويلة، وعلينا كذلك بعد حصول الخطبة أن تحكمي العقل لا العاطفة، يبدأ مشروع التخطيط لأسرة سعيدة، تهيئي نفسك بقراءات تربوية مرشدة, وقراءات أسرية مرشدة، حتى تتهيئي للمرحلة القادمة في حياتك، وهي تعتبر لك ميلادا جديدا, وصفحة جديدة من الحياة.

فبدلا من الانصراف إلى الكلام الشاعري, والكلام الرومانسي الذي لا يجلب إلا الأتعاب، عليكم بعد هذا أن تنصرفوا إلى الخطوات الفعلية في بناء أسرة راشدة على خطى النبي -عليه صلوات الله وسلامه–, ومن مصلحتكم توفير هذا الطوفان العاطفي لما بعد الزواج، فإن الحب الحقيقي يبدأ بالرباط الشرعي, ويزداد مع التعاون على البر والتقوى ثباتًا ورسوخًا، ويزداد من خلال تعرف الشريك على شريكه رسوخًا وثباتًا كذلك.

إذا كانت المعرفة والتواصل الآن بالإنترنت فإن الحقيقة تظهر بعد الالتقاء الفعلي، وعندها إن شاء الله سيحصل الانسجام ويحصل الوئام، لذلك نحن لا نعتبر مسألة الصور أو مسألة الإنترنت كافية في هذه المسألة، لكن طالما قدمتم الدين فإن وجود أي خلل الدين يُجبره ويصلحه.

وكل كسر فإن الدين يُجبره .... وما لكسر قناة الدين جُبرانُ.

ولست أدري ماذا تقصدين بزواج الإنترنت؟ لكننا نريد أن نقول أن الزواج عن طريق الإنترنت يحتاج إلى أن يُكمل في الواقع، لأنه من المهم جدًّا والشريعة تريد النظرة الشرعية، والنبي - صلى الله عليه وسلم – أمر من خطب فتاة أن ينظر إليها، وقال: (إذا ألقى الله الميل في قلب أحدكم تجاه امرأة فلينظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما) بل قال: (انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئًا) والعلماء على أن الحديث يدل على أن النظرة ينبغي أن تكون فاحصة ومركزة، لأن هذه نظرة شرعية يُبنى عليها ما بعدها، وهنا تتجلى عظمة هذه الشريعة.

فالإنترنت وحده ليس كافيًا، ولكن لا بأس أن يكون خطوة إذا كان مثل هذه الضوابط الشريعة, وعن طريق الأخ الشقيق, وفي حضور الوالد والوالدة، بذلك تكون علاقة منضبطة، أما علاقات الإنترنت في الخفاء بعيدًا عن أعين الناس فإن هذه مصدر شر وسوء ظن في المستقبل، لأن الشيطان الذي يجمع بين الشاب والفتاة على المخالفات الشرعية, هو الشيطان الذي سيأتي غدًا ليقول (كيف تثق فيها) و (كيف تثقين فيه), فيغرس شجرة الشكوك، ولذلك نحن نريد للزواج أن يسلك السبل الصحيحة الشرعية.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً