الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لي رجل توفيت زوجته وثلاثة من أبنائه، فهل أستطيع تعويضه وإسعاده؟

السؤال

تقدم لي رجل توفيت زوجته وثلاثة من أبنائه، وبقي هو واثنتان من بناته يعشن عند جدتهن لأمهن، وهو يرغب بالزواج، وعمره فوق الأربعين وذو خلق ودين، ومازال يقوم بعلاج طبيعي لإحدى يديه، وأنا خائفة من عدم مقدرتي على تعويضه عن زوجته، وأبنائه الذين فقدهم، رغم أن هنالك شيئاً داخلياً يقول لي: وافقي وأنت قادرة على إسعاده، وإسعاد نفسك، فما رأيكم؟

جزيتم خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنا نشكر لك تواصلك مع الموقع، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة التي تدل على حرصك على الخير، ونحسب أن هذا عنوانا للنجاح، فإن الإنسان الذي يشعر بثقل المسؤولية غالبًا ما ينجح، بخلاف الإنسان الذي يستهين بمثل هذه الأمور، وخاصة إذا كان المنطلق في ذلك من الناحية الشرعية، والمرأة التي قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم- لما بيّن لها حق الزوج ورفضت الزواج كانت مُحقة، لأن حق الزوج عظيم، ومكانته عظيمة، ولكن هذه الروح التي بدأتِ بها -إن شاء الله- تكون سببًا لدفعك للنجاح والفلاح، وطالما كان الرجل صاحب دين فإننا ندعوك بعدم التردد في القبول به، والحرص على الدخول إلى حياته، وتعويضه عما فقد، وهذا أمر في غاية الأهمية، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يسهل أمرك وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

وأرجو أن تعلم -ابنتي وبناتي الفضليات- أن المؤمن ينبغي أن يرضى بقضاء الله وقدره، فمهما فقد الإنسان في هذه الحياة، فإنه إذا نال الرضى من الله، ورضي بقضاء الله وقدره فإنه سيكون من أسعد الناس، ولذلك كان عمر بن العزيز يقول: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار) فالإنسان الراضي بقضاء الله وقدره هو السعيد، مهما كانت الأشياء التي فقدها ومهما فقد من الأبناء، والأهل فإنه سيكون سعيدًا طالما كان راضيًا بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى، والمؤمن يبتليه الله تبارك وتعالى بمثل هذه الاختبارات ليبلغ درجات ما كان ليبلغها إلا بصبره على البلاء.

ومن هنا فنحن ندعوك إلى الاهتمام بهذا الرجل والحرص على رعاية البنات، أو مساعدته على الأقل في المهمة التي تقوم بها الجدة في رعاية البنات، وكذلك في الترحم على الزوجة التي فقدها، ونسأل الله أن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين.

ولا يخفى عليك أن شروط الزواج الناجح تبدأ بوجود الدين والأخلاق، ثم بوجود الميل والقبول والرضى بهذا الذي تقدم، وأحسب أن هذه العناصر متوفرة ولله الحمد، وإذا وجدت هذه العناصر فإن كل خلل بعد ذلك يزول، لأن الأمر كما قال الشاعر:

وكل كسر فإن الدين يُجبره **** وما لِكسر قناة الدين جُبرانُ

فإذا وجد الدين والخلق، فهذه الأمور الأساسية التي يجب أن نركز عليها رجالاً ونساءً، عندما نحاول تأسيس حياتنا وبيوتنا حتى تكون فيما يُرضي الله تبارك وتعالى.

فاستجيبي لداعي الخير في نفسك الذي يدعوك إلى أن توافقي، والذي يعطيك الثقة بأنك قادرة على هذه المهمة، ونحن نزعم أنك قدرها، وأكثر منها، لأن هذه الاستشارة تدل على أنك عاقلة، وحريصة على أن تقومي بواجبك، ويدل كذلك على استشعارك بعظم المسؤولية التي تنتظرك، والإنسان إذا تهيأ لتحمل المسؤولية، واستعان بالله -تبارك وتعالى-، واتخذ الوسائل التي تعينه على ذلك فإن هذا يأتيه دائمًا التوفيق من الله -تبارك وتعالى-، لأن تكوني قد بذلت الأسباب ثم توكلت على الكريم الوهاب -سبحانه وتعالى-.

واعلمي أن الرجل يُقدر جدًّا صبر المرأة واحتمالها له وقيامها بواجبات تجاهه، فيبادل الإحسان بالإحسان، وتفجر طاقات الرجل عندما يجد المرأة تقدر هذه المشاعر، وتحمل مثل هذا القلب، وهذه المشاعر النبيلة تجاه الزوجة التي تُوفيت والأبناء الذين فقدهم، لأن هذا هو الذي يحتاجه الرجل أمام صعاب هذه الحياة، يحتاج لأن تصبر وتصابر، إلى زوجة تثبت وتعين على كل أمر يُرضي الله تبارك وتعالى، كما فعلت خديجة في تثبيتها لرسولنا عليه صلاة الله وسلامه عليه، وهكذا كانت الصحابيات قمن بهذه الأدوار العظيمة، فدفعن بالرجال وبالأبطال إلى ساحات الوغى، فقدموا النفوس رخيصة من أجل أن تعلوَ رايات هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

ولله الحمد أنت قادرة على إسعاده وإسعاد نفسك وإسعاد الأبناء الذين بقوا على قيد الحياة، فلا تترددي في القبول بهذا الرجل صاحب الدين وصاحب الخلق، واعلمي أن فرص الزواج ليست كثيرة، فلا تضيعي هذه الفرصة، وادخلي إلى حياة هذا الرجل، واحتسبي أجرك وثوابك عند الله تبارك وتعالى، واحرصي على أن تعيدي للأسرة توازنها وتعيدي إليها البسمة بعد هذه الأزمة العنيفة التي مرت على تلك الأسرة.

وصيتنا لك بتقوى الله تبارك وتعالى، ثم بكثرة اللجوء إليه سبحانه وتعالى، ثم بالصبر على صعوبات الحياة الزوجية، ثم بتوفير البيئة الآمنة لذلك الرجل ولأبنائه ولبناته الذين بقوا على قيد هذه الحياة، ثم عليك كذلك أن تشغلي نفسك بالمفيد وبطاعة ربنا المجيد سبحانه وتعالى، واستعيني بالله وتوكلي عليه، وأبشري بالخير، فإن الله تبارك وتعالى يعوض من تعامل الناس بالإحسان إحسانًا، والله تبارك وتعالى يذكرنا في مثل هذه المواطن فيقول: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدًا}.

وبُشرى لكل من تخدم أبناء زوجها – من زوجته الأولى المتوفية أو نحو ذلك – فإنها تنال بذلك أجرًا عظيمًا، وثوابًا عند الله تبارك وتعالى بلا حدود، وهكذا ينبغي أن تكون المرأة المسلمة حرصًا على الخير وثباتًا على هذا الدين، وحرصًا على التعاون على البر والتقوى، وأي الناس أولى بالتعاون والبر والإحسان من الزوج الذي هو أولى الناس بالمرأة، فنسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونتمنى أن نسمع عنك الخير، نسأل الله أن يسعدك في حياتك الخاصة، وأن يجمع بينكما على الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً