الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتوب وأرجع! فماذا أعمل لأثبت على الطاعة؟

السؤال


السلام عليكم.

أنا طالب في 14 من عمري، كنت أعمل الكبائر والصغائر ولا أبالي، ولكن عندما وصلت لعمر 13 تبت والحمد لله، وهنالك أعمال أتوب منها ثم أرجع، ولا أجد حلا لها، وكلما أتوب أرجع إليها، أرجو إعطائي الحل لها؟

وأريد ذكر بعض الأعمال التي تقربنا إلى الله تعالى، وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه، وبعد:
بداية نرحب بابننا الكريم، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليه، وأن يلهمه السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، وكم نسعد نحن – يا ابني الكريم – عندما يتواصل معنا شباب من أمثالك ويطرح ما عنده من إشكالات، وشرف لنا أن نكون في خدمة شبابنا، ونسأل الله أن يعينك على الطاعة، وأن يعينك على حفظ نفسك من الوقوع في الكبائر، بل وحتى الصغائر، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، وأن ينفع بك البلاد والعباد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

لا شك أن الإنسان الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع، يحتاج أولاً إلى أن ينظر في أسباب هذا الرجوع، وغالبًا ما يكون هناك خلل في التوبة، أو غالبًا ما يكون هو تاب لكنه لم يتخلص من رفقة المعصية، ولم يتخلص من بيئة المعصية، ولا يزال يحتفظ ذكريات المعصية، فهذه أمور ينبغي أن ينتبه لها الإنسان، ولذلك نحن نبشر ابننا الكريم بأن الله يتوب على من تاب، وأن الله سبحانه ما سمّى نفسه تواب إلا ليتوب علينا، وما سمّى نفسه رحيم إلا ليرحمنا، ولا سمّى نفسه غفور إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ولكن هذا الغفور الرحيم التواب لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى، ولكنه شديد العقاب لمن قصّر وتمادى.

والله تبارك وتعالى يستر على العاصي ويستر عليه، فإذا تمادى في المعصية ولبس للمعاصي لبوسها وبارز الله بالعصيان خذله وفضحه وضيّعه ودفعه نحو الهاوية، وحيل بينه وبين التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى.

لذلك ينبغي أن تعلم أن الله يُمهل ولا يُهمل سبحانه وتعالى، ولذلك نحن ندعوك أولاً إلى أن تقف مع التوبة الصحيحة، فالتوبة الصحيحة هي ما تخرج من القلب، وتوبة الكذابين هي توبة اللسان، وهو أن يقول الإنسان بلسانه أنا تائب لكنه مُصِرٌّ على المعصية مُحب للمعصية مقيم على المعصية متشوق إلى المعصية. فاصدق في توبتك، وأخلص في رجوعك إلى الله تبارك وتعالى.

ثم تب توبة نصوحًا بأن تقطع وتتوقف عن العمل الذي يُغضب الله تبارك وتعالى، وأن تندم على ما حصل، أن تحاول أن ترد الحقوق إلى أصحابها إن كانت هناك حقوق أخذتها من الآخرين، ثم عليك بعد ذلك أن تكثر من الحسنات الماحية، فإن الحسنات يُذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين.

وعليك بعد ذلك أن تهجر رفاق المعصية، وأن تهجر بيئة المعصية، وأن تتخلص من كل ما يذكرك بالمعصية، كأرقام الهواتف أو الصور أو نحوها، وإذا كانت لك موسيقية تُخرجها وتتخلص منها.

كذلك ينبغي أن تحشر نفسك بزمرة الصالحين، تهاجر من تلك البيئة إلى بيئة الصالحين، ثم عليك أن تتفادى أسباب الوقوع في المعصية، فإذا وجدت نفسك بعد التوبة أفضل من حالك قبل التوبة فهذا دليل على الخير، وإذا وجدت نفسك تميل وتسارع في الطاعات وتبتعد عن المعاصي والموبقات فاعلم أنك على خير، وإذا وجدت نفسك تعان على الطاعة فاعلم أنك على خير، فإن الحسنات آخذة برقاب بعضها – وكذلك السيئات - .

ومن علامة قبول الحسنات الحسنة التي بعدها، فاشغل نفسك بطاعة الله، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من تعصيه.

وصيتنا لك: أن تحرص على أن تتقي الله تبارك وتعالى في سرك وعلانيتك، ونوصيك بكثرة الدعاء والتوجه إلى رب الأرض والسماء، فإن قلبك وقلوب العباد بين أصابعه يقلبها سبحانه، فأقبل على الله تبارك وتعالى، واسأله المعونة والتوفيق والثبات والتأييد.

إذا كان لك والد أو والدة فاطلب منهما الدعاء، واجتهد في برهما، واجتهد في الإحسان إليهم، وأكثر من الاستغفار، فإن ربنا هو الغفار سبحانه وتعالى.

ثم عليك بعد ذلك أن تتذكر خطورة المعصية، وكيف أنها سبب للحيلولة دون الإنسان ودون التوفيق، فإن الإنسان قد يُحرم الرزق بالذنب يصيبه، والمعصية سبب للخذلان في العلم. قال ابن مسعود: (كنا نحدث أن الخطيئة تنسّي العلم). فللمعاصي آثار خطيرة جدًّا، حتى قال ابن القيم: (إن الحبار لتموت في وكرها بمعصية ابن آدم لله تبارك وتعالى).

فتجنب المعاصي وابتعد عن كل أمر يُغضب الله تبارك وتعالى، واشغل نفسك بالأمور التي تُرضي الله سبحانه وتعالى، والأمور التي تقرب الإنسان إلى الله كثيرة، كما قال رب العزة والجلال: (وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه) أولاً: الاهتمام بالفرائض، ثم قال بعده: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به ...) الحديث. فإذن النوافل بعد الفرائض.

كذلك من العواصم: طلب العلم، الحرص على قيام الليل. من الأشياء التي تعصم الإنسان بإذن الله تبارك وتعالى: الإكثار من الدعاء والتوجه إلى رب الأرض والسماء.

اتخاذ صديق صالح يذكرنا بالله إذا نسينا ويعيننا على طاعة الله إن ذكرنا. الحرص على تلاوة القرآن الكريم. المحافظة على أذكار الصباح والمساء. الاجتهاد في مساعدة المحتاجين ليكون العظيم تبارك وتعالى في حاجتك... إلى غير ذلك من الطاعات التي شرعها الله تبارك وتعالى.

نسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته. نكرر شكرنا لك على السؤال، ونشكر لك هذه الشجاعة وهذا الحرص على طرح هذا الإشكال الذي عندك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظك وأن يسددك، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية A

    أشكر الأخ على السؤال والأخ على الإجابة

  • أوروبا عبدالله

    بارك الله فيك شيخنا الكريم

  • ألمانيا حمزة

    نسأل الله ان يتوب علينا وعلى أخينا وجزاكم الله عنا كل خير

  • السعودية شهد

    اللهم اغفر لنا وارحمنا

  • رضا

    شكراً

  • أمريكا وليد الجزائر

    بارك الله فيكم جزاكم الله خيرا

  • مصر محمود

    المهم اهدنا فى من هاديت وتقبل منا توبتنا انتا التواب الرحيم امين

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً