الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي له علاقات نسائية على الفيس بوك!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

والله لست أدري من أين أبدأ، وكيف أبدأ، وماذا أقول!

طول حياتي أجد في أبي الشخص المتدين، والرزين، والساعي إلى الخير، والقدوة، ومنذ فترة ليست ببعيدة كان يفتح الفيس بوك أمامي، ووقعت عيني على الباسورد الخاص بحسابه على الفيس بوك، ولست أدري ما الذي جعلني أتجرأ لأفتحه وأتابع ما فيه! وكانت الصاعقة المدمرة: فأبي له علاقات مثيرة للاشمئزاز مع كثير من النساء المطلقة منهن والعزباء، وكلها محادثات أشعر بالخجل إن وصفتها، محادثات جنسية بمستوى عال جداً أشعرتني بالخجل أن هذا أبي، مع العلم أن أمي كانت منذ شبابها إلى يومها هذا وقد ناهزت 45 عاما، تعمل وتكد جنباً إلى جنب معه ليل نهار لتساعده في مصروف المنزل، وللأمانة لم تقصر معه في شيء، بل تسعى لإرضائه، ولقد ربتنا أفضل تربيه، فكانت الأم والصديقة لنا، على خلاف أبي الذي لا نعتبره قريباً منا.

أستغرب بل وأشمئز عندما أقرأ محادثاته الجنسية! ما عدت أعرف كيف أنظر له باحترام! مع العلم أنني عمري ما أغضبت أبي ولا حتى تجرأت على عصيانه، وحتى الآن لا زلت أخدمه كما اعتاد مني، ولكن –والله- في داخلي حرقة!! ماذا أصاب أبي؟! أبي الذي عودنا على الصلاة بالمسجد، وحفظنا القرآن الكريم، وعلمنا الدين وأصله فينا.

مع العلم أنه قبلها بسنة كان قد عاقبني بسبب أنني صارحته بإعجابي بفتاة معنا بالجامعة وأردت خطبتها! فلم يُبق شيئاً من ألفاظ التوبيخ، وجعل فترة طويلة بلا ثقة في، ويهدد بغضبه علي إن عدت لذات الأمر بسبب أنني على حسب قناعته أنني خالفت تقاليد تربيتنا.

ليست نقطتي هنا، بل نقطتي الآن هي: ماذا أفعل؟ ما الحل؟ أخاف أن يخرب بيتنا؟!

هل أرسل له رسالة أهدده فيها أنني سأرسل محادثاته إلى أبنائه وزوجته عله يرتدع؟

أرشدوني أرجوكم! والله إني تائه حائر مشتت، لا أعرف كيف أتصرف.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإننا بداية نشكر لك تواصلك مع الموقع، ونشكر لك هذه الغيرة على مصلحة أبيك، وهذا الحرص على طاعته رغم ما بدر منه، والإنسان مطالب أن يحسن للوالد حتى ولو كان على غير الإسلام، ولا يمتنع عن تنفيذ أمره إلا إذا أمره بمعصية، فعندها لا سمع ولا طاعة، قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} ومع ذلك قال: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إليَّ}.

ونتمنى أولاً أن تستمر في برك لوالدك، وفي إحسانك له، ولا مانع من أن تأتي إلى البيت بكتب تتكلم عن مثل هذه القضايا؛ علها تكون تحت متناول يده، وتأتي بأشرطة حول مثل هذه الموضوعات تبين خطورة هذه الأمور.

وننصحك ثانية بأن تحرص على الستر على الوالد، وتكتم هذا الأمر عن جميع الناس، فإن من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة، وهو رجل مسلم أولاً وثانيًا هو أبوك، ولا تعود نفسك أيضًا الدخول إلى هذا الموقع بعد أن عرفت ما فيه، لأنه إذا عرف أنك تبحث من ورائه فإن هذا سيكون له ردة فعل سيئة، وهذا التجسس لا تقبله شريعة الله تبارك وتعالى.

ثالثًا: أرجو أن تواصل في بر الوالدة وتحسن إليها، واحرص على أن لا تعلم بهذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد.

ندعوك كذلك إلى أن تحرص على أن تتمسك بآداب هذا الدين العظيم أنت وإخوانك، لأنكم سند لهذه الوالدة وهذه الأسرة بعد توفيق الله تبارك وتعالى.

إذا كان الوالد غضب منك لما طلبت الحلال فلا ينبغي أن تقابل هذا بذاك، ولسنا مع الوالد في رفضه لك، ولكن لا بد أن يكون الإنسان قد أعد نفسه عندما يريد الزواج وتهيأ لهذه المسألة، ولعل الطريقة التي أخبرت بها الوالد أيضًا هي طريقة لم تكن صحيحة، كان بإمكانك أن تسر برغبتك لأستاذ أو لداعية أو لصديق للوالد أو حتى للوالدة تخبرها بهذا الأمر، وتجتهد في أن تقنعهم بأهمية أن يعف الإنسان نفسه في زمن الفتن، ولكن على كل حال لا تجعل رفض الوالد سببًا للتشدد عليه في هذه المسألة، والتي لا نقول إنها صغيرة، بل هي معصية لله تبارك وتعالى قبل أن تكون تقصيرًا في حق والدتك أو في حق إخوانك.

وندعوك إلى عدم الاستعجال، لأن بعض الناس حدود ما عنده هذا الكلام، بعضهم يريد فقط أن يتكلم ويكتب مثل هذا الكلام، وهذا أيضًا لا ترضاه شريعة الله تبارك وتعالى، ولكن معرفة مقدار هذا الانحراف وهذا الضياع له أثر كبير في وضع الحلول الناجعة.

كذلك ينبغي أن تجتهد على إخوانك، فأنت ولله الحمد كتبت هذه الرسالة التي تدل على أنك ناضج وعلى أنك عاقل، وعلى أنك حريص على كل أمر يُرضي الله تبارك وتعالى.

وأما مسألة الرسالة فنحن لا نؤيدها إذا كان بالإمكان أن يتعرف على من أرسلها، ولكن مع ذلك أيضاً ينبغي أن تجتهد في أن تنصح له، وإن كان له أصدقاء فاضلين ينبغي أيضًا أن تستفيد من خبرتهم إذا كان عندهم قدرة على الكتمان حتى يستطيعوا أن يصوبوا ويعالجوا هذا الانحراف.

ولستُ أدري هذا الانحراف الخطير الذي عند الوالد متى كان تاريخه؟ وهل يا ترى نستطيع أن نقول إن الوالدة مقصرة في حقه من التزين له والاهتمام بهذا الجانب؟ وإذا كان في الوالدة تقصير فادعوها إلى أن تقترب من الوالد، وأن تهتم به، وأن تهتم بشبابها، فهي لا تزال أيضًا في مرحلة الشباب؛ لأنا إذا وفرنا لهذا الرجل الحلال فإننا قطعًا نباعد بينه وبين الحرام، ونباعد بينه وبين تلك المواقع المشبوهة والتصرفات التي لا تُرضي الله تبارك وتعالى.

فإذاً: لا تستعجل في الحل، حاول أن تدعو الله تبارك وتعالى، ثم عليك كما قلنا أن تأتي بكتب وأشرطة تحتوي وتنطوي على التحذير من هذا الذي يحدث، وتضعها في البيت، وسوف يستفيد منها بحول الله وقوته.

هذه رسائل هامة جدًّا نرجو أن تبدأ بها قبل أن تستعجل الخطوات التي بعدها، وأرجو كذلك أن تعرف هل لهذا أثر على تصرفات الوالد؟ وهل يا ترى ما زال يواظب على صلواته وطاعته لله تبارك وتعالى، أم أنه من النوع الذي يحسن أمام الناس ثم إذا خلا بمحارم الله انتهكها؟ .. طبعًا هذه الأمور أيضًا تُعرف للإنسان، والفرق كبير بين الإنسان الذي يدخل هذه الأمور بطريقة سطحية – وهي على كل حال محرمة – وبين ذلك الذي يعيش تلك الخيانات مع تلك المجتمعات السيئة التي تتواصل مع هذه الوسائل الحديثة التي اتخذها بعضهم وسيلة للعصيان والبُعد عن الله تبارك وتعالى.

رغم تقديرنا لمشاعرك ولما تجده في نفسك من آلام ولضعف ثقتك في الوالد بعد ما رأيت، فإننا ندعوك إلى اتخاذ العناصر الطيبة والجيدة مدخلاً إلى الاقتراب من الوالد والثناء عليه.

كما قلنا لا مانع أيضًا من ذكر القصص إذا كنت قد سمعت قصصًا أو تجارب سيئة مر بها من فعلوا وساروا في هذا الطريق – طريق الخيانة – وكيف أن الله تبارك وتعالى سترهم وسترهم، ثم بعد ذلك هتك أستارهم، فإن الله تبارك وتعالى يُمْهل ولا يُهْمل، يستر على العاصي، فإذا تمادى ولبس المعصية لبوسها هتكه وفضحه وخذله.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يرد الوالد إلى الصواب، وأن يقر أعينكم بصلاحه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديم عليكم نعمة الأمن والإيمان والعافية، وأرجو أن تتواصل معنا لنرى ما يحدث من تطورات، حتى نساعدك بعدها في الوصول إلى الحل، كما نرجو منك أن تبيّن لنا أسباب الوقوع في هذا إن كانت هناك أسباب، كرفقاء السوء سواءً في العمل أو خارجه.

والله الموفق لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً