الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التعامل مع المراهق.. شكر وتشجيع خير من اللوم والتقريع

السؤال

السلام عليكم.

أنا أتصفح موقعكم منذ فترة طويلة، أحاول أن آخذ من نصائحكم للناس، خاصة مشاكل المراهقين، فأنا لدي أخ يبلغ من العمر 13 عاماً، أعلم أنني قصرت كثيرًا معه، ولم أهتم به، فهم في البيت يدمرونه، ودائماً في نظرهم هو مخطئ، واللوم عليه، ودائماً ما يمدحون إخوته الأصغر منه أمامه، وفي الوقت المخصص للقيلولة (الظهر) أجلس معهم قليلاً، لكن أخي يضرب إخوته الأصغر منه، ويقاطعني كثيرًا، حاولت أن أتحمل ذلك، فمرة ألومه، ومرة أتحدث معه، وكأنه غير موجود، وأحياناً أحدد لكل شخص قصة يختارها، وأحياناً لا يجلس معنا، بل يمسك الجوال، ويقلب فيه، ولم يكن أبي وأمي معنا، بل كانا خارج المنزل، لم يكن غيرنا نحن الأربعة، وتعاملت معهم بحثّهم على قراءة الكتب وحكاية القصص، ومسابقات، وألعاب، ومن يتميز عليه أن يختار قصة، كانت فعالة جدًا وجيدة, حان وقت اختباري فانشغلت عنهم، خاصة أنني جامعية، شعرت أن كل ما فعلته ضاع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ hanon حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بداية نحن نشكر لابنتنا الجامعية حرصها على مصلحة أخيها، وفعلاً نحن نلقي بمسؤولية كبيرة وننتظر خيرًا كثيرًا من أبنائنا والبنات الذين فتح الله بصائرهم بالعلم النافع.

نؤكد لك أن ما ذكرته من أن هذا الولد في هذه السن بحاجة إلى معاملة خاصة، يجب نعتبره شاباً كبيراً، والأمر كما قال عمر: (لاعب ابنك سبعًا، وأدبه سبعًا، واصحبه سبعًا) فهو على أبواب السبع الثالثة التي ينبغي أن يتخذ فيها كالصاحب يحاور، ويشاور، ونعطيه المنزلة، ونحافظ على مستواه، ونحفظ له مكانته، ونعطيه المكانة العائلية اللائقة به، ثم نستبدل الأوامر معه بالحوار، فالأوامر تصلح للصغار، ولكن الإنسان عندما يصل هذه السن يحتاج إلى أن يحاور، وإلى أن يناقش وإلى أن نأخذ معه ونعطي.

وأرجو كذلك أن يبتعد الآباء والأمهات والجميع عن المقارنات؛ فإنها مدمرة، هي مدمرة جدًّا بأن نقارنه بالآخرين، فكل إنسان له شخصية، هناك فروق فردية يتميز بها كل شاب، يكفي أن نطالبه بأن يتميز، أن نطالبه بأن يكون فاضلاً، لكن دون أن نقول له مثل فلان، ودون أن نقول مثل فلانة، ودون أن أقول هؤلاء أفضل منك، لأن مثل هذه العبارات لا تزيد الأمر إلا سوءاً.

كما أرجو أن يكون للأسرة خطة واحدة في التعامل معه، هذه السن تحتاج إلى مراعاة خاصة؛ لأن من طبيعتها العناد، والعناد دائمًا من طبيعة هذه المرحلة، ويزيد هذا العناد عندما يتلقى منا الأوامر من اتجاه واحد كأنه صغير، فمعظم ما يفعله المراهق بالخروج عن المألوف من عناد للأهل، كل هذا يريد أن يقول: (يا جماعة أنا أصبحت رجلاً، أرجو أن تعاملوني معاملة الرجال) فأرجو أن يوفر له هذا الجانب.

كما أرجو أن لا نتصيد له الأخطاء، أنت تقولين أنه في نظرهم دائمًا هو مخطئ، وكل اللوم عليه، هذا خطأ كبير جدًّا، حتى لو كان مخطئًا فإن حجم الأخطاء وكثرة الملامة –كما قال الإمام الغزالي– يعوده على ركوب الصعاب وركوب القبائح، ويزداد الأمر سوءاً عندما نمدح إخوانه الصغار أمامه، فإن هذا سيجعله يمتلأ حقدًا على إخوانه، وهذا أيضًا من الظلم له، فينبغي أن يأخذ مكانته، وإذا اضطررنا إلى أن نلومه ونعاتبه، فينبغي أن يكون بعيدًا عن الناس، كما قال عبد الملك بن مروان: (ابدأ معه بالترغيب والملاينة، فإن أبى فعليك بالشدة والمعاتبة) ثم قال: (عظمه في الملأ، وعنفه في خلاء) وهذه عبارة جميلة جدًّا، فلا يكون اللوم أمام الناس، إنما يعظم يأخذ منزلته، ثم يعنف في الخلاء وحده، فإذا احتيج أن يلام أو يعنف على بعض الأشياء ينبغي أن يكون بينه وبين الأب، أو بينك وبينه في نقاش هادئ وحوار هادئ.

نشكر لك هذا الاهتمام، حتى في وقت الظهر وهو وقت الراحة، فجلوسك معه سيكون مفيدًا جدًّا بالنسبة له، ونتمنى أن تخصصي له وقتاً تجلسين معه وحده، وتحاولين أن تعطيه وظيفة، وتطلبين منه أن يساعدك في ترتيب الدفاتر، ثم تسألينه عن مستواه العلمي، ثم تطلبين من إخوانه أن يحترموه، ولا مانع بعد أن يحترموه بأن تطلبي منه أن يشفق عليهم، وأن يعطف عليهم، فإن ضربه للأخ الأصغر هذا قد يكون ثمرة؛ لأنهم يثنون على الأصغر، أو لأن الثناء على الأصغر يجعل الأصغر يتجرأ عليه ويتطاول عليه، وهذا ما لا يستطيع أن يقبله، ولا نرضاه نحن أيضًا؛ لأن هذا سيعمق هذه المسألة.

فإذا ضرب إخوانه حاولي أن تتفاهمي معه، حاولي أن تقتربي منه، وابحثي عن أسباب المقاطعة معك، فأنت تحسنين له، لكن لابد أن تتفهمي وضعه، دائمًا حاولي أن تسأليه عن المبررات لماذا فعلت كذا، أليس من الأفضل كذا، مسألة الحوار، فهذه المرحلة تحتاج إلى حوار وإقناع، إذا أردت أن تطاع فعليك بالإقناع.

كذلك أيضًا عندما يكون الآباء غير موجودين، أعتقد أنها فرصة لك في أن تعطيهم واجبات، وتعطيهم وظائف، واستمري على هذا البرنامج، قد يستهزأ في اليوم الأول أو يرفض، لكنه بعد ذلك سيستجيب، بشرط أن تثني عليه، فلا تبخلي عليه بالثناء، وطبيعي أن يُمسك الجوال ويقلب فيه، لكن لابد أن نطرح برنامجاً مشوقاً بديلاً عن هذا الجوال الذي ابتلي به الشباب، فإن التحدي أمامنا هو أن نطرح برامج تجذبهم، أن ندخل إلى حياتهم، ويمكن أن تدخلي معه في مهارات الجوال؛ لأن هذا مهم، ماذا في جوّاله، هذه أذكار، وهنا أدعية، ما هي المواقع الجميلة التي يستطيع أن يستفيد منها، ترسلي له رسائل جميلة، وتطلبي منه أن يرد برسائل فيها أدعية وأذكار، ونحو ذلك.

عندما يخرج الآباء والأمهات أرجو كذلك أن تزيدي من العناية به، كذلك احرصي على أن تقتربي منهم جميعًا -وخاصة هذا الابن- ونعتقد لأنك الأقرب في سنه أنت الأقدر على التعامل معه أكثر من والديك، وإذا كنت مع الوالدين، فاطلبي منهما أن يحسنا إليه، وأن يعاملاه معاملة حسنة، وأن يقدرا هذه السن التي وصل إليها.

كذلك أيضًا عندما تنشغلين عنه حاولي أن تسألي عنه، ولو عند عودتك من الامتحان، حاولي أن تشكريه وتطلبي منه أن يدعو لك، ولا تظني أن ما فعلته ضاع، فالمسألة تحتاج إلى متابعة، وأرجو أن تتفقي مع الوالدين على خطة موحدة، حتى لا يكون هناك من يهدم

متى يبلغ البينان يوماً تمامه *** إذا كنت تبني وغيرك يهدمُ

فتواصلي معهما، وقولي لهما هذه نصيحة المستشار بأن يهتما بهذا الولد، وأن يتفقا على خطة واحدة، وأن يشجعاه وأن يقدراه، وأن يعطياه مسئولية، وأن يشعراه بحاجة البيت إليه، لأن هذه الأشياء سترده بحول الله وقوته إلى الصواب.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح لنا ولكم الحال، وأن يلهمنا رشدنا والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً