الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما زلت لا أستطيع التحكم في التفكير، فماذا أفعل؟

السؤال

الإخوة في الموقع الرائع إسلام ويب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأتمنى لكم كل التوفيق والمحبة.

الدكتور: محمد عبد العليم .. أتمنى لكم الصحة والسعادة الدائمتين إن شاء لله!

حسب استشارتي الأخيرة المرقمة بـ 2126968 التي وصفت لي فيها علاج فافرين، ولكنني لم أستطيع الحصول عليه في العراق، يرجى من شخصكم الكريم أن تصف لي البديل له، وأستطيع الحصول عليه، علما أن السبرالكس - الذي وصفته لي سابقا - استطعت الحصول عليه بسهولة .

وبودي إيجاز حالتي الآن:
أنا بصحة جيدة، ورغم التقدم الكبير الذي حصل بفضل الله ثم بفضلكم يا دكتور ولدي الرغبة الشديدة للخلاص من القلق بمساعدتكم، الذي أصبح جزءا" كبيرا منه إيجابيا" بفضل الإنجازات، ولكن لا زال عدم التحكم في التفكير موجودا؛ مما يسبب لي القلق الذي هو عبارة عن خوف من الموت، وأي عرض بسيط أعتقد بأني سأموت، وكذلك ترددا وأحلاما" مزعجة تحصل لي بشكل يومي، وعندما تحصل لي مشكلة ولو صغيرة وخصوصا" في الشارع يتولد لي أحساس بالهلع، وأحتاج ماء للشرب أحيانا".

وهذه الحالة حصلت لي في المطار عندما حدثت مشكلة بسيطة، وفي وقتها كدت أفقد السيطرة حينها، والمرة الأخرى كنت في سفر وركبت القارب في البحيرة وخفت من غرق القارب، فما هو الوصف الدقيق لحالتي التي وصفتها قبل سنتين بأنها قلق مخاوف؟ وما هو منشأ المرض: هل هو خلل وظيفي يسبب مرضا نفسيا أم هو نفسي يسبب الخلل الوظيفي الذي يسبب خفقانا ونقصا في السرتونين؟ وهل هو مزمن لكوني ابتليت بهذا المرض قبل 7 سنوات؟ وما هو العلاج المناسب الذي يساعد في إعادة مادة السرتونين إلى وضعها الطبيعي؛ إن كانت هي من يتسبب في نشؤ تلك الحالات؟

مع جزيل الشكر والاحترام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنشكر لك على ثقتك في إسلام ويب، وعلى كلماتك الطيبة الغالية في حق هذا الموقع، فجزاك الله خيرًا.

التشخيص أعتقد أنه واضح جدًّا، وهو أن الذي بك هو قلق المخاوف، ولازال هو قلق المخاوف، ويعرف أن القلق والوساوس والمخاوف كلها ذات منشأ واحد، والأعراض دائمًا تكون في شكل طيف، أي أنها متعددة، يختفي بعضها ويظل البعض الآخر موجودا، وقد تظهر أعراض جديدة، وهكذا. هذا لا يعني أن الحالة سوف تكون مزمنة، بل العكس تمامًا الذين استفادوا من القلق كقوة إيجابية استطاعوا أن يتحرروا منه وحولوا قلقهم ومخاوفهم إلى طاقات نفسية إيجابية، وأظنك تسير على هذا الطريق.

أرجو أن تقبل جزءا يسير من المخاوف؛ لأن المخاوف هي وسيلة دفاعية إيجابية جدًّا، فالذي لا يخاف لا يحمي نفسه، والذي لا يخاف لا يرتب أموره ولا يتحوط وهكذا. مثلاً خوفك من غرق القارب، هذا خوف ربما يكون مبررًا، ولكنه يجب ألا يكون للدرجة التي تعطلك، حين أتتك الفكرة تذكر مباشرة أنك في حفظ الله وفي كنف الله واحتطت ودعوت الله تعالى وتذكرت أنك مع الآخرين وأن هذه القوارب الآن أصبحت أجود مما هي عليه فيما مضى، وهكذا. عش نوعًا من الحوار مع نفسك تصد من خلاله الفكر السلبي.

بالنسبة للفافرين بما أنك لم تجده فأقول لك البديل الممتاز هو عقار (سيرترالين)، وهذا له مسميات تجارية مختلفة منها (زولفت)، ومنها (لسترال)، وربما تجده في العراق تحت مسمى آخر، متميز جدًّا في علاج الوساوس والمخاوف وكذلك القلق، وهو سليم وغير إدماني. الجرعة التي تبدأ بها هي نصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – تناولها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة، استمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم بعد ذلك اجعلها نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذا هو العلاج الدوائي، وقد وضحنا لك الجرعة التمهيدية ثم العلاجية ثم جرعة الوقاية، والجرعة التي وصفناها لك هي جرعة صغيرة جدًّا، حيث إن السيرترلين يمكنك تناوله حتى أربع حبات في اليوم، لكن لا أعتقد أنك في حاجة لمثل هذه الجرعة.

بالنسبة لسؤالك ما هو منشأ المرض؟
الإجابة: لا أحد يعرف الأسباب، لكن ربما تكون هنالك عوامل. البناء النفسي للشخصية يعتبر عاملاً أساسيًا، هنالك من يتكلم عن الموروثات الجينية، هنالك حديث عن الظروف الحياتية، هنالك ما يمكن أن نسميه التغيرات الفسيولوجية الداخلية، وكيمياء الدماغ هي حقيقة يتمركز حولها كل الأبحاث، ومادة السيروتونين هي المادة التي يكثر الحديث عنها ويُعتقد أن اضطراب إفرازها هو السبب الرئيسي للإصابة بمثل هذه الحالات.

وهنالك من الفروديين والتحليلين الذين يتحدثون عن التنشئة الأولى وعلاقة الطفل بثدي أمه، وهكذا. لكن لا أعتقد أن هذه عوامل أو أسباب حقيقة نستطيع أن نقول أنها ذات قيمة علمية في الوقت الحاضر. فرويد كان إنسانًا مفكرًا ومبدعًا، لكن يُعاب عليه أن كل عمله كان مع مرضاه، ولم ينظر إلى ما هو طبيعي، وهذه إشكاليته الرئيسية.

بالنسبة للمخاوف فقد تكون مزمنة، لكن الإنسان حين يطور مهاراته ويصدها من خلال بناء فكر جديد نستطيع أن نقول أنه يمكن القضاء عليها، يمكن بترها، وعملية النضوج النفسي هي عملية تلقائية في بعض الأحيان، لكنها تساعد من خلال التطبيقات السلوكية.

العلاج المناسب لإعادة مادة السيروتونين لوضعها الطبيعي هو العلاج الدوائي، ويضاف إليه – وهذه حقيقة علمية جدًّا – العلاج السلوكي من تفكير إيجابي، تغيير نمط الحياة، صرف الانتباه، ممارسة الرياضة، تمارين الاسترخاء... هذه اتضح وبما لا يدع مجالاً للشك أنها تضع المسارات الفسيولوجية الكيميائية البيولوجية بالدماغ في مسارها الصحيح، وهذا يعني تعديلا كاملا في مستوى مادة السيروتونين، وكذلك المواد ذات الصلة بالقلق والتوتر.

هذا هو الذي أستطيع أن أقوله لك حتى هذه اللحظة فيما يخص العوامل، ولا شك أن الاكتشافات العلمية تسير بخُطىً إيجابية جدًّا.

أنا أشكرك كثيرًا، وبارك الله فيك، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً