الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماذا أفعل تجاه هذا الخاطب وإصراره على الارتباط بي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

أشكر الله وأحمده أن وفقني لهذا الموقع، وجزى الله المشرفين والقائمين عليه خير الجزاء.

أنا فتاة عمري 29 عاما، تعرفت على شاب بالصدفة بأحد برامج التواصل الاجتماعي، ولم يدر بيننا أي حوار خارج إطار الأدب العام، ولكنني تفاجأت بتعلقه الشديد وانجذابه لي في فترة جداً قصيرة، وأخبرني بأنه يريد الزواج، وأن تكون علاقتنا بإطار الشرع والحلال، وأنه يرغب بي كزوجة، وأقسم بربه أنه صادق وجاد بالارتباط بي.

فأبديت له أن لا بد من أن يكون موظفا حتى يتقدم لهذه الخطوة، وهو مازال متبق له سنة دراسية واحدة رغم تماثلنا بالعمر، فشعر بخيبة أمل من كونه لا يستطيع الارتباط بي، وأن الوظيفة أصبحت كعائق أمامه، فأعطاني وعدا بالزواج بعد تخرجه واستلام وظيفته مادامت هذه رغبة أهلي.

- والآن ماذا أفعل حتى يسير الموضوع بشكل سلس أمامنا، ودون أي تعقيدات؟

- ماذا أفعل تجاهه رغم إصراره إما أن يرتبط بي، أو لا يرتبط نهائيا، ويختار الموت؟

- أنا خائفة من تبعات هذا الزواج رغم طيبته، وصدق شعوره، فهذا الشخص زاد ارتقاؤه بنظري كونه جادا، ولم يخرج عن الشرع، فماذا أفعل أرجوكم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Eman حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فإنه ليسرنا أن نرحب بك -مرة أخرى- في موقعك بإسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى أن يبارك فيك، وأن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يمنّ عليك بالزوج الصالح الذي يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإني حقيقة أكاد أجزم بأن معظم الزيجات التي تتم عن طريق مواقع الشات والمحادثات لا تكون موفقة، لأن كل واحدٍ يجلس خلف جهاز، ويحرص على أن يقدم أفضل ما لديه، وأجمل ما لديه، بل قد يصف نفسه بصفات لا توجد فيه أصلاً، من حيث الهيئة البدنية والجسمية، وكذلك أيضًا من حيث الصفات الأخلاقية والسلوكية.

والكلام كما تعلمين في الشات كلام مفتوح، فالناس يتكلمون كلاما موسّعا ومضيقا، وكل يغني على ليلاه، ولا توجد أي قاعدة ينطلق منها الناس، وأنا أصبحتُ من خلال تجاربي ومعرفتي بهذه المواقع، وبالأخوة الذين يتواصلون بها، أجزم بأن الأصل فيه الكذب، والصدق فيه قليل ونادر.

ومن هنا فإني أقول لك: إن الأمر فعلاً في غاية الخطورة، ولعل كثيرا من علماء التربية، يقررون بأن نسبة نجاح الزيجات التي تتم عن طريق الإنترنت لا تزيد عن عشرة بالمائة غالبًا فقط، وما سواها فكلها فاشلة.

إلا أنك تظهرين صورة أخرى لهذا الأخ، من حيث إنه جاد وصادق، ويرغب في الزواج بك، وأنه إذا لم يتزوج بك ليس أمامه إلا الموت كما أخبرك هو بذلك، وأنت تقولين: ماذا تفعلين تحت ضغط هذا الأخ؟

أقول لك: إن ما قلته هو صواب، من أنه لكي يرتبط بك، ويتقدم لأهلك، لا بد من إكمال دراسته، وإكمال دراسته في حد ذاتها لا تكفي، بل لا بد من أن يكون لديه عمل يستطيع من خلاله أن يحيا حياة كريمة، وأن تكون لديه القدرة فعلاً على الإنفاق على أسرة، من حيث: السكن، والطعام، والكسوة، وغير ذلك من المتطلبات الضرورية للحياة الزوجية، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، والباءة هنا كما ذكر أهل العلم لها عدة معان، من معانيها القدرة المالية، فإذا كان قادرًا على أن يُنفق على الأسرة، وأن لا يجعلها عالة على غيره، فقد يكون الإنسان منا يعيش مع أهله، وأهله ينفقون عليه، وقد ترفض الأسرة أن تنفق على زوجته لأنها ليست مطالبة بذلك.

فأنا أقول: إن موقفك فعلاً وإصرارك على أن لا يتقدم لك حتى ينتهي من دراسته، أرى أن هذه خطوة موفقة، وهذا قرار صائب، ولكن أضيف إليه أيضًا: حتى يجد فرصة عمل مناسبة، لأنه قد يتخرج الآن، ثم تفاجئين بوجوده بينكم في البيت، ويقول: ها أنا ذا قد انتهيت من الدراسة! فهل مجرد الانتهاء من الدراسة يوفر له حياة كريمة؟

أعتقد أن هذا ليس صحيحًا، فكم من الملايين من أبناء الأمة العربية والإسلامية يحملون مؤهلات عليا، بل وفوق ذلك، ولا يجدون قوت يومهم، ولا يجدون فرصة عمل واحدة.

ولذلك أقول: إذن المطلوب أن ينتهي من دراسته أولاً، ثم يجد فرصة عمل مناسبة يستطيع من خلال دخلها الشهري أو اليومي أن يوفر للأسرة متطلباتها الحياتية التي جرت العادة بها في كل أسرة من الأسر الطبيعية، وحتى يتيسر ذلك، ينبغي عليك أن تتوقفي عن التواصل معه، لأنك الآن في تواصل غير مشروع، وهو كذلك.

أنت تقولين أنه لم يخرج عن إطار الشرع، وأنا أقول هذا شيء رائع وجيد، ولكن من الشرع أيضًا أن لا نتواصل مع بعضنا البعض بهذه الطريقة المنفتحة، لأن الكلام بهذه الطريقة ليس مشروعًا، وما دام ليس مشروعًا فهو معصية، ومن هنا فإني أقول: لا مانع أن تقولي له: (إنْ شاء الله تعالى، توكل على الله، وانتهي من دراستك أولاً، وبعد الدراسة تبحث عن فرصة عمل مناسبة، وأنا بإذن الله تعالى لا أعدك بشيء، اللهم إلا إنه إذا لم يتقدم لي أحد حتى تنتهي رحلتك فسأكون لك، وإن تقدم لي أحد خلال هذه الفترة فسوف أخبرك بذلك).

ولا تعطيه وعدًا بأن تنتظرينه، لأن هذا لا يجوز شرعًا لعدة أسباب، منها: قد يتقدم إليك من هو أفضل منه دينًا وخلقًا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، وقد يكون جاهزًا ومستعدًا، فلماذا تنتظرين وهمًا وسرابًا، خاصة وأن هذا الشاب سوف يبحث بعد تخرجه عن فرصة عمل، وقد يجد وقد لا يجد بسهولة كما لا يخفى عليك، فأنت تعيشين في البلد وتعرفين ظروف العمل فيه.

إذن أقول لك بارك الله فيك: قولي له: أخي الكريم، اجعل المسائل خطوة خطوة، ابدأ بالخطوة الأولى في حل المشكلة، وهي: الانتهاء من دراستك، وحاول أن تكون متميزًا حتى تجد فرصة عمل مناسبة.

ثم تأتي الخطوة الثانية: وهي البحث عن فرصة عمل، وإيجاد عمل مناسب، وعندها بإذن الله تعالى سوف يقدر الله ما يشاء، ولكن أنا لا أعدك بالانتظار إذا تقدم لي من هو خير منك، نعم قد أميل إليك، وأتمناك، ولكن شرعًا لا يجوز لي أن أنتظرك إذا تقدم لي من هو خير منك، فعليك أن تجتهد وأن تأخذ بالأسباب، واعلم أنني إن كنت من نصيبك في علم الله تعالى فلن يصل إليَّ أحد، وسيصرف الله عني جميع الخلق، وإن لم أكن من نصيبك فلن تكون لي ولن أكون لك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)، ومن هذه المقادير قضية الأزواج، والأولاد، والصحة،والمال، والجمال، كل هذه من مقادير الله سبحانه وتعالى.

فإذا كنت له فثقي وتأكدي أن الله سيصرف عنك كل أحد حتى تكوني له، وإذا لم تكوني له فثقي وتأكدي أنه حتى وإن كنت زوجة له فقد تنتهي العلاقة بينكما، لتتزوجي ممن شاء الله تعالى أن تُكملي معه بقية حياتك.

فعليك بتسليم الأمر لله، ولا تعديه بالانتظار، ورد أي أحد يتقدم لك، لأن هذا -كما ذكرت- لك غير موافق للشرع، وإنما قولي له: (اجتهد وخذ بالأسباب، وحاول أن تركز في دراستك، وأنا بإذن الله تعالى موجودة، ولن أقطع أملك في الارتباط بي، ولكن الناحية الشرعية تقتضي مني أن أكون على ما أنا عليه، إذا لم يتقدم أحد خلال هذه الفترة فثق وتأكد أني سأكون أسعد الناس بالارتباط بك، لأني لمست فيك الالتزام بالشرع وحرص على طاعة الله، وهذا يُسعدني ويُشرفني، وكم أتمنى أن أواصل المسيرة معك).

وبهذه الطريقة أعتقد أنك تكوني حللتِ المشكلة، وأسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً