الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وقع أخي في شباك فتاة أنسته دراسته، فماذا نفعل معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية أحببت أن أشكركم جزيل الشكر على الفائدة الكبيرة التي تقدموها لنا في جميع نواحي الحياة، فأنا من متابعي ومتصفحي الموقع.

أنا عمري 21 سنة ولدي أخ أصغر مني بثلاث سنوات، المشكلة أنه يتحدث مع فتاة هاتفيا في نفس عمره وقد يكون يراها ولكن هذا الاحتمال ضئيل، وعندما سألته عن قصة هذه الفتاة التي يعرفها قال إنه يحبها وهي كذلك تبادله نفس الشعور وأكثر، أخي يمتلك مواصفات معظم الفتيات تتمناها، فهو مرح ومحبوب بين الكل وجميل ولديه صوت رائع، تربى في أسرة محافظة ولكن لا أعلم من أين أتى لنا بهذه الفتاة، يقول إنه يعرفها منذ سنة فهي من بدأت الحوار والتحدث معه والاتصال به، نصحته كثيرا وأخبرته أنه لا يجوز فعل ذلك، وقلت له هل ترضى لأختك هذا الفعل، فيجيبني لا، ولكن هي راضية وهي من تتصل بي.

فعلا لاحظت تكرارا ومرارا أنها هي من تتصل به وهو من الطبيعي لا يستطيع رفض مكالمتها، ( حتى أنها أرسلت صورتها لأخي أنا رأيتها ولكن دون علمه)، وأصبح في الآونة الأخيرة يذكر الزواج ويريد أن يتزوج حتى لاحظ الجميع وعرف بقصته مع تلك الفتاة وأخبرهم أنه يحبها، فقدمنا له جميع النصائح التي يجب على الناصح أن ينصحها، فأخبرناه يجب أن يهتم بدراسته وأنها ربما تتحدث مع غيره من الكثير من الشباب, وربما تريد أن تضيع مستقبله فهو في المرحلة الدراسية الأخيرة ( الثانوية )، وغيرها الكثير والكثير من النصائح؛ حتى قلنا له ربما تريد أن توقعك في مصيبة مع أهلها، ولكن لا جدوى من النصيحة والتخويف.

وقد طلبت منه أن يعطيني رقمها لأكلمها ونصبح أنا وهي صديقات ويأخذ مني أخبارها، وأيضا لا فائدة، حاولت أن آخذ رقمها بدون علمه ولكن لم أستطع لأن جهازه مغلق بكلمة السر، فالأمر الأخير الذي أزعجني أن ذات مرة طلبت منه أن أنام بغرفته بحجة أني خائفة، فإذا بي أسمعه يكلمها الساعة الخامسة والنصف فجرا فهي من اتصلت به لأن أخي كان يخبرها أنه يريد أن يستعد للمدرسة ولكن هي من تشغله، تفاجأت كثيرا لأنه لا أحد يستطيع أن يكلم أحدا هذا الوقت فكيف بهذه الفتاة تتصل بشخص غريب!! كلنا ندعو له بالهداية، ولكن هذه الفتاة أخذت كل عقله وتفكيره، فأصبح الهاتف هو شغله الشاغل لمكالمتها ورسائلها وتفكيره بها؛ فأتمنى أن تنصحوني بطريقة أقدمها له لعل وعسى أن تكون له ولنا الفائدة، فقد عجزنا عن فعل أي شيء أكثر مما فعلناه.. شاكرين لكم حسن تعاونكم ورشدكم لنا، وبانتظار إفادتكم ونصحكم في أقرب فرصة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ابتسام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، وإنا لسعداء أكثر بكونك من المتصفحات للموقع بفروعه المختلفة والمتعددة والمتنوعة، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلك من الصالحات القانتات والعابدات العفيفات والمسلمات الداعيات، كما نسأله تبارك وتعالى أن يغفر لأخيك وأن يتوب عليه، وأن يشرح صدره للذي هو خير، وأن يجنبه الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة ابتسام- فإنه مما لا شك فيه أن الذي ورد فيها من تعلق أخيك بهذه الفتاة أمر مزعج للغاية، وأنه من حقكم فعلاً أن تنزعجوا لهذه العلاقة المبكرة والغير منضبطة بضوابط الشرع، والذي يجعل الأمر أكثر تأزمًا أن الفترة السنية والعمرية التي فيها أخوك هي فترة تقلب وفترة تمرد على الأسرة وفترة -أيضًا- ظهور أشياء في جسد الإنسان وعقله وتفكيره لم تكن موجودة من قبل، هذه الأمور كلها تُلقي بظلالها على سلوكيات الإنسان، فشاب في مثل هذه الفترة يكون لديه استعداد بأن يثبت أنه رجل وأن يرتبط بفتاة، بل وبعضهم قد يقع في منكرات عظمى ومصائب كبرى، ولذلك السبب نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ومن هؤلاء ( وشاب نشأ في طاعة الله)، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم:( عجب ربك من شاب ليست له صبوة).

فنظرًا لقلة الشباب الذي يخرج من هذه المرحلة -مرحلة الرجولة المبكرة- بخير ولا يقع في شيء مما يُغضب الله تعالى مثل هذه العلاقة المحرمة أو غيرها، وأرى أن الكلام الذي فعلتموه حقيقة ليس هيّنًا وليس قليلاً، لكن يبدو أن ضغطكم على أخيكم ليس كافيًا، فأين دور الوالد أو الوالدة مثلاً في هذا الأمر؟ لأن الأمر أحيانًا قد يحتاج إلى نوع من الحزم والجدية، وهو يحتاج إلى أحد يجلس معه يتكلم معه برفق، ويبين له خطورة هذه العلاقة الآن على مستقبله وعلى دينه.

نعم أنتم تكلمتم ما فيه الكفاية، ولكن أقول: لا مانع من الاستعانة ببعض الشخصيات الكبيرة في بلدكم المتميزة مثلاً بعلاقتها الشبابية أو غيره، وتحاول أن تجلس معه وتتكلم معه، وأنا لا أستطيع حقيقة أن أقول لك بأنه قد يترك الفتاة بالكلية، خاصة وأن الفترة التي بينهما فترة طويلة، ومما لا شك فيه أنه قد تعلق بها تعلقا شديدا، وللأسف فإن هذه مرحلة الرجولة المبكرة أو ما يسمونها بمرحلة المراهقة يكون التعلق فيها تعلق صادق وتعلق شديد وعنيف، يعني ليس مجرد تمشية الحال كما يقولون، وإنما إذا أحب الشاب في هذه المرحلة أحب بصدق من قلبه، وهام هياما شديدًا، وقد يصل به الحال إلى درجة كبرى من التعلق والشوق والعشق، وكذلك الفتاة، لأن هذه مرحلة سنية، فصعب جدًّا أن نقول له اترك هذه الآن.

ولكن من الممكن كما ذكرت أن هذا الأخ الذي تدخلينه من الإخوة الدعاة أو المتميزين في حل المشكلات أن يقول له أن الأسرة ليس لديها مانع، ولكن نحتاج إلى برمجة لهذا الأمر، بمعنى أنت الآن على أبواب الثانوية العامة، وهذا الكلام حقيقة يضرك، فما المانع أن تتفق مع الأخت الآن أن تتوقفا معًا عن التواصل الآن مطلقًا، على أنك بعد نهاية الثانوية العامة إن شاء الله تعالى سوف نقوم بخطبتها لك، وتعطونه وعودا على ذلك ومواثيق، وهذه الطريقة من الممكن، يعني أعتقد أنها قد تكون حلاً لأنه هو الذي سوف يُدافع عن التوقف ولا يشعر أنه مفروض عليه، إذا كان جادًا.

ونقول له الآن ( نحن نريدك أن تحصل على مجموع كبير حتى تكون متميزًا)، ونتكلم طبعًا عن فوائد التميز العلمي والآثار المترتبة عليه ( كونك أستاذًا في الجامعة أو كونك طبيبًا مشهورًا أو مهندسًا كبيرًا أو محاسبًا أو مدرسًا أو أيًّا كان الوضع الذي تريده وترغب في التخصص فيه)، نقول له ( هذه تحتاج منك إلى التفرغ، ونحن لسنا ضدك الآن في هذا التعلق، إلا أننا لا نريد أن نخسر كل شيء، لأنه لو قدر الله أنك لم توفق الآن في الدراسة فيستحيل أن نساعدك في الارتباط بها، فإذا أردت أن نساعدك ساعدنا وساعد نفسك، ومساعدتك لنفسك بأن تتفق مع هذه الفتاة أن تتوقف عن الاتصال معها نهائيًا حتى تنتهي مرحلة الدراسة تمامًا، ونحن نعرف أن الأمر سيكون صعبًا عليك، ولكن حتى تحصل عليها لا بد أن تبذل هذه التضحية).

أعتقد أن هذا نوع من المناورة، وإذا نجحنا فيه وحاول فعلا أن يتوقف عنها لفترة من الزمن ولو بسيطة سيشعر من خلال هذا التوقف أنه قادر على أن يتوقف عنها نهائيًا, هو الآن يتصور أنه يستحيل أن يتوقف عن الحديث معها أو قطع علاقته بها، ولكنه عندما الآن بنفسه وبرغبته هو وهي يتوقفان عن الكلام لمدة أسبوع، سوف يستعيد الثقة بنفسه، وسوف يقول بينه وبين نفسه ( بما أني توقفت هذه الفترة فمن الممكن أن أتوقف فترة أطول) وبذلك ستبدأ عملية التواصل تقل، وعملية الارتباط تضعف، وقد ينتهي العام الدراسي وقد نسيها تمامًا، أو على الأقل أصبحت بالنسبة له شيئًا محببًا ولكن ليس عاشقًا لها.

فأنا أرى أن تستعملوا هذه العملية المرحلية في العلاج معه، وتبينوا له (جميع الأسرة) بأنكم معه وأنكم لستم ضده ولكنكم تريدون ترتيب الأولويات، الأولوية الآن: امتحان الثانوية العامة والمذاكرة، والأمر الثاني: باعتبار أنك لن تتزوج الآن فمعنى ذلك أنك تحتاج إلى شيء من الصبر، حاول أن تركز الآن على الدراسة، وحاول أن تتميز، وممكن تضعوا شرطًا، على أن يقول والدك: إذا حصلت مثلاً على مجموع خمسة وتسعين أو تسعين بالمائة، فثق وتأكد أني سوف أساعدك في ذلك. وإذا لم تنجح فثق وتأكد أني لن أدفع لك درهمًا واحدًا لمساعدتك، لأن هذه الفتاة سوف تكون هي السبب في عدم توفيقك في دراستك.

إذاً من الممكن أن نعتبر حبه للفتاة حافزًا الآن بأن يُذاكر ويجتهد في المذاكرة، وأن نطلب منه أن يحصل على مجموع عالي وأن نعده بذلك. وإذا قلتم: هب أنه استطاع أن ينجح ويأتي بهذه الدرجات؟ أقول: هذه مسألة لكل حادث حديث، نحن الآن نريد فقط أن نخرج من هذا المنعطف الخطير، ونريد أن نخرج من هذه الزجاجة المغلقة، فإذا ما تم ذلك وأعتقد أنه لو جاء بمجموع عالٍ كبير سوف تشتد لديه الرغبة في أن يواصل التميز، وبذلك قد تقل عملية التعلق بينه وبين هذه الفتاة، عسى الله أن يغفر له، ونسأل الله أن يتوب عليه وأن يوفقه للصواب وأن يجعله من عباده الصالحين وأوليائه المقربين.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً