الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما علاقة الحساسية الزائدة بالثقة في النفس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخواني الكرام القائمين على هذا الموقع الجزيل، وفقكم الله لما يحبه ويرضاه، وأدامكم على الخير.

أبدأ سؤالي ببسم الله تعالى.

أخي العزيز: أنا شاب عمري 22 عاما، وطالب جامعي متفوق، مررت بأيام صعبة جدا، بعدما تغربت عن أهلي لغرض الدراسة، مع العلم أنني لست مبتعثا خارج المملكة، ولكن الأجواء تغيرت فجأة.

باختصار شديد:
أنا معتاد على أن أحل مشاكلي بنفسي - بعون الله -، ومشكلتي قد حليتها وانتهت، والحمد لله حمداً كثيرا. والمطلوب في هذا السؤال هو: ما نوع هذه المشكلة التي مرت عليّ في هذه الفترة؟

كنت لا أقبل أي نقد، وأي نقد يؤثر فيّ، لا أدري هل هي حساسية زائدة أم الثقة قد اهتزت؟

مع العلم أنني معروف بالعقل والرزانة والسعادة ولله الحمد، ولكن لم أعد أتقن أي من صفاتي السابقة، فأحس أن تصرفي ليس عقلانيا حينما أواجه نقداً، وأواجه ارتباكا، وكأن الأنظار كلها تنظر إلي وترى فيّ عيباً.

كنت أصدق أي نقد يوجه لي، على الرغم من أنني أعرف أنني لست هكذا، ولكن الذي كان يرهقني كثيراً .. لماذا هذه التصرفات حلت بي؟ أنا لست هكذا منذ زمن!

ولله الحمد هي حالة مرت في مدة لا تزيد عن 6 أشهر تقريباً، وعدت على خير، وإنني الآن أعيش حياتي السابقة بكل سعادة، ولكن أريد أن أعرف ما الذي حل بي؟ على الرغم من أنني لا أستطيع أتذكر أحاسيسي التي مرت علي.

وهناك سؤال يدور في بالي، ما علاقة الحساسية الزائدة بالثقة في النفس؟ وما علاقة الثقة بالنفس في العقل؟ هل هناك علاقة أم لا؟

وأتأسف جدا على الإطالة، أشكركم على هذا الموقع الجميل جزيل الشكر.

وأنصح إخواني القراء والكتاب بالصدقة تصدقوا..

سؤال آخر:

هناك مشكلة أخرى مرت بي، وهي أكبر مشكلة مرت علي في حياتي.

إيماني بالله قوي جداً، فلا تجد في أي خلّة ولله الحمد.

أنا لا أستمع إلى الأغاني، ولا أترك الصلاة، أحافظ على النوافل، أحافظ على الاستغفار، وأعيش حياة مطمئنة، وفي يوم من الأيام عملت معصية ندمت عليها ندماً شديدا، وبعدها دخلني الشك في وجود الله - والعياذ بالله - والله إن عيني تريد أن تدمع من هذا التفكير الذي قد مر بي! على الرغم من أنني أجد ما يثبت وجود الله، وعلى الرغم من أنني أرى القرآن يحرق السحر بعيني، وهذا دليل قاطع، ولكنني أريد ان أؤمن بالله بدون أي شك، وبدون أن أبحث عن دليل، أريد إيمانا غيبيا، ولكن هذه الأفكار تراودني ما الحل؟

مع العلم أنني حلمت حلما فسره لي شيخا وإماماً بأنني سأكون في فضل وعزة وحكمة، وتكون لي سلطة مسيطرة على أعداء الإسلام، وسأمر على أيام يبتليني فيها الله حتى تتزلزل الأرض من تحتي! فهل هذا هو الابتلاء؟
وما رأيكم في هذه الأسئلة؟

أتمنى من فضيلتكم توضيح كل النقاط في أسئلتي؟ وما هي تلك الأيام التي مرت علي؟

مع العلم أنني شاب اجتماعي سعيد، كما أنني أستطيع دائما التأثير في الشخصيات الكبيرة لقضاء حوائج الناس ومساعدتهم.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والسلام ختام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا، وعلى أن شاركتنا ما يمرّ بك في حياتك، وشكرا على ثقتك بموقعنا.

بالنسبة للسؤال الأول، فاحمد الله تعالى أولا على أنك استطعت تجاوز ما كنت فيه، ونعم للحساسية الشديدة بالثقة بالنفس، فعندما نكون حساسين لانتقاد الآخرين، وما أكثرهم مع الأسف في حياتنا، فإن كثيرا من هذا النقد، والذي كثيرا ما يكون نقدا غير بناء، وكثير من الناس لا يحسنون آداب ومهارات تقديم النقد... فإن من شأن هذا النقد أن يحطم ثقتنا في أنفسنا، وكلما نقصت هذه الثقة كلما أصبحنا أكثر حساسية لانتقاد الآخر، وهكذا ندخل في دائرة معيبة، مزيد من الحساسية، فالمزيد من الآثار السلبية لانتقاد الناس... ومن هنا تدرك نعمة الله، وما بذلته من جهد من كسر هذه الدائرة المعيبة، وبحيث خرجت منها، فلم تعد تتأثر ذلك التأثير السلبي من انتقاد الآخرين، وهذا يشير إلى ارتفاع ثقتك في نفسك، ولله الحمد.

وسؤالك الثاني ربما ليس بعيدا أيضا عن السؤال الأول. فكلنا يخطئ، وكما قال الرسول الكريم "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" ولكن ربما بسبب الحساسية التي عندك، وإن كانت قد خفت قليلا، إلا أنه من الطبيعي والمتوقع أن بعضا من هذه الحساسية ما زالت موجودة، وليس هذا عيبا أو نقصا، لأننا في حياتنا نحتاج لبعض الحساسية للأمور المتعلقة بنا وللأمور المتعلقة بالناس من حولنا، وإلا فغياب هذه الحساسية يجعلنا على تواصل ضعيف مع الآخرين، فلا نقدر لا مشاعرنا ولا مشاعر الآخرين، ولك أن تتصور ما يمكن أن يحدث حينها.

وليس غريبا أن يشعر الإنسان بعد ذنب ارتكبه ببعض الوساوس التي تتعلق ببعض جوانب الإيمان، وببعض الشكوك، ولا يدل هذا على ضعف في الإيمان، طالما أن الأمر عبارة عن وساوس لا قدرة للإنسان على منعها، فمن طبيعة الوساوس أنها لا إرادية.

والغالب أن تأتي الوساوس حول شكوك في أعزّ ما عند الإنسان، فعند المؤمن المتدين قد تأتي الوساوس متعلقة بالدين والإيمان.

وهنا عدة نقاط يمكن أن تساعدك في التعامل مع هذه الوساوس:

• تكثر الوساوس عند الناس، وإن لم يتحدث عنها معظمهم لصعوبة الأمر، إلا أنها ليست بالأمر النادر.
• وهي ليس مؤشرا لفقدان العقل، كما يفكر بعض من يصاب بها.
• وهي ليس مؤشرا لضعف الإيمان، بل على العكس تماما.
• لا يفيد كثيرا مقاومة هذه الأفكار، وإلا فتزداد شدة، والأولى جعلها تأتي وتأخذ دورتها
• ويمكن أن تخفّ مع الوقت من نفسها.
• يمكن للعلاج الدوائي أن يخففها.
• ولكن يبقى العلاج النفسي السلوكي المعرفي هو الأكثر تأثيرا.

وأقول أخيرا، أنك وكما استطعت تجاوز الأمر الذي ورد في السؤال الأمر عن الحساسية والتأثر بانتقاد الآخرين، فهذا مؤشر جيد على أنك تستطيع تجاوز هذا الأمر أيضا، فما مكنك من الأول من صفات شخصية سيمكنك من الثاني.

وإذا لم تتحسن الأمور بعد فترة، وأزعجتك هذه الأفكار الوسواسية، فيمكنك استشارة طبيب نفسي قريب منك، ليؤكد التشخيص، ومن ثم يرسم لك سبيل المزيد من العلاج.

وفقك الله!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً