الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصلى الفجر جماعة في المسجد ولا أحس بالبركة ... فما سبب ذلك؟

السؤال

يقول صلى الله عليه وسلم " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله " أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

كثيرا ما أجد يومي سيئا للغاية عندما أصلي الفجر بالمسجد، ولا أحس بالبركة سواء أصليت بالمسجد, أم لم أصل بالمسجد، ودائما يحصل معي ذلك، وليس مرة أو اثنتين, أو ثلاث.

أعرف أنك ستقول لي هذا من الشيطان حتى يمنعك من الصلاة، لكني غير مقتنع بذلك إلا بدليل عقلي، أو نقلي؛ لأني صعب الاقتناع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عابد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فمرحبًا بك -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

مما لا شك فيه أن طاعة الله تعالى سبب لكل خير، وأن معصيته سبحانه وتعالى سبب جالب لكل شر، وهذه الحقائق أخبر الله تعالى بها في كتابه، وهو أصدق من قال، فقد قال سبحانه وتعالى: {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.

فالنعيم والسعادة لا تجدها إلا في طاعة الله، والحياة السعيدة لا يمكن أن يحصل عليها المرء على حقيقتها إلا حين تعرف هذه النفس ربها, وتأنس بذكره, وتشتغل بطاعته، وما لم يحصل للإنسان على ذلك فإنه يبقى معذبًا شقيًّا؛ لأن النفس تبحث عن شيء فطرت على محبته ولم تجده، وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا}.

فهذه الحقائق -أيها الحبيب- لا تقبل التشكيك؛ لأنها من إخبار من يعلم هذه النفس وما تنطوي عليه، وهو أعلم بما يسعدها وما يُشقيها، فقد قال سبحانه: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.

وقد جرب الموفقون هذا الطريق فوجدوه طريق الأنس, واللذة, والفرح, والسعادة، وأخبارهم – ولله الحمد – كثيرة متواترة ملئت بها كتب التاريخ، وتحدثوا عن أنفسهم بما يجدونه من الفرح والسعادة مع كون الواحد منهم لا يجد ما يأكل، فقد كان الواحد منهم يَبُلُّ كسرة الخبز بالماء ليأكلها آخر النهار وهو يقول: (لو كان أهل الجنة يعيشون كما نعيش إنهم لفي عيشٍ طيب).

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يعيش حياة هانئة سعيدة, ويمر الإنسان في بيته فلا يجد في بيوته كلها إلا الماء.

فهذا مما لا شك فيه, ولا يتخلف -أيها الحبيب-، وقد جربه قبلك ما لا يُحصى من الخلق، ولكن هذا إنما يكون عندما تعرف النفس ربها معرفة حقيقية، وتشتغل بذكره ومناجاته، فهناك تجد اللذة والسعادة والطمأنينة التي وعد بها ربنا سبحانه وتعالى من اشتغل بطاعته.

ولا نفهم نحن ما الذي فهمته أنت من هذا الحديث، حتى تظن أن ما حصل على خلافه؛ فإن الحديث يُخبر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم – بأن الله تعالى يهُدد ويتوعد من يتعرض لمن صلّى الفجر بسوء، فهذا الحديث موجه للخلق أن من صلى صلاة الفجر فإنه قد أخذ أمانًا من الله تعالى، فلا تتعرضوا له بسوء، ومن تعرض له بسوء؛ فإن الله عز وجل سيطالبه بنقضه بهذا الضمان والعهد والذمة التي أعطاها الله عز وجل لمصلي الفجر، وإذا طالب الله عز وجل عبدًا؛ فإن هذا العبد لا يستطيع الفرار، ولو لم يكن إلا أن يلقاه يوم القيامة فيكبه على وجهه في جهنم -والعياذ بالله-.

فهذا الحديث فيه تهديد لمن يحاول التعرض بسوء لمن صلى الفجر، وأن من فعل ذلك فإن الله عز وجل له بالمرصاد سيطلبه بذلك، ولو أمهله وأخره إلى يوم القيامة فإنه سيأخذ منه هذا الحق في ذلك اليوم, هذا إذا تعرض لمن صلى الفجر بغير حق، أما إذا تعرض له بحق كأن يقتص منه في مظلمة؛ فهذا غير داخل في هذا الحديث.

فلا ينبغي إذن -أيها الحبيب- أن تحمّل النصوص النبوية أو النصوص القرآنية ما لا تحتمل من المعاني، ثم إذا عرض لك مكروه رجعت باللوم على هذه النصوص فإنها صادرة عن من لم ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، والعاقل -أيها الحبيب- إذا رأى المكروه ينبغي أن يتفقد أحواله، فربما أصيب بسبب ذنب من ذنوبه، أو قد يكون ما أُصيب به ابتلاء من الله تعالى له, وامتحان؛ فإن لله عز وجل الحكمة البالغة فلا يُقدر على عبده المكروه إلا لحكمة، ومن هذه الحكم أن يرفع درجته أو يطهره من ذنوبه، ونحو ذلك من الحكم؛ فإن كل ما يُقدره الله تعالى خير باعتبار مآلاته ونهاياته.

نسأل الله تعالى أن يريك الحق حقًّا, ويرزقك اتباعه، وأن يثبتك على الهداية, والطريق المستقيم.

ونوصيك -أيها الحبيب- بالمحافظة على الصلوات -لاسيما صلاة الفجر- في جماعة المسجد، فأكثر من الصالحات, وسترى آثار المواظبة على هذه الصلاة, وعلى غير ذلك من الأعمال الصالحة بركة في عمرك ووقتك.

نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً