الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أكاد أجن من الأفكار المتسلطة علي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أيها الأفاضل أتمنى، وأرجو من الله أن أرى الإجابة الشافية منكم، والشكر لله بأن يسر لي التواصل معكم.

أنا فتاة عمري 22 عاما، أرسلت لكم من قبل أني فعلت ذنبا في طفولتي، وقد اجبتموني بأنني لن أحاسب عليه، وعلي بكثرة الاستغفار، وحين أتى رمضان بدأت بالطاعات، وأصبحت محافظه على صلاتي، والله شعرت بلذة الإيمان إلى آخر العشر الأولى، ثم بعدها داهمتني بعض الأفكار الوسواسية عند قراءة القرآن وأكاد أجن منها، وكلما انتهيت من فكرة تأتي فكرة أخرى فأكاد أجن.

ولدي تساؤلات كثيرة حول القرآن، على أنني من قبل لم أكن أسأل، كنت أقول سبحان الله وأصمت لأنني أعرف بأنه كلام الله، أما الآن فأنا أصلي بلا خشوع، وكلما سمعت عن معجزة أقول في نفسي من الأحاديث التي أكاد أن أجن منها، بدأت أكره نفسي، وأقول أنني لا أستحق أي شيء، مع أنه كان هدفي الدعوة إلى الله بحكم تخصصي، لكني الآن مع بداية السنة تحمست قليلا، وعندما اسستسلمت للوسواس أصبحت لا أهتم لا بدراسة ولا بشيء وأقول لماذا الناس تهتم بدراستهم وجميع حياتهم؟

وكلما أعطاني الأهل مالا أطلب القليل منه على أنني لا أستحقه مثل باقي الفتيات لأنني تذكرت الماضي الذي فعلته رغم نسياني له في رمضان، وأن الله سيغفر لي، ولكن الآن أقول من المفترض أن لا أقابل أحدا، وأن جلو سي في البيت أفضل.

والآن ما هي إجابتكم لي، فأنا الآن أفقد غيرتي على ديني، لم أكن هكذا حتى حين كنت أؤخر الصلاة، أيضا لم أكن هكذا، والله كنت أدافع، وأنصح الفتيات بأن يتركوا كل معصية كالنمص، وأعياد الميلاد، وأيضا أعاني من الرياء، فقد فعلت مرة شيئا بقصد الناس، ولكن كيف أبعد عنه، وأن يكون كل شيء لله.

لا أعلم ماذا حل بي!؟ توالت علي الأفكار، وبدأت أجن، أحيانا أجلس مع الناس، وأفكر بشيء آخر.

كرهت نفسي، لم أعد أرى الحياة من منظور الجمال والبساطة، وكان لدي ثقة بالله في جميع أموري، وأقول بأن كل أمر خيرة واختبار، والآن لم تعد ثقتي عميقة كما كنت من قبل بأن الله سيشفيني من الوسواس الذي داهمني من فترة.

قبل عدة أسابيع كنت أبكي على مقاطع دعوية، ولكن الآن مع مرور أكثر من أسبوع لم تنزل مني دمعة، والقرآن لا أبكي عند سماعه فأنا الآن في مصيبة.

تارة أتذكر الماضي، وتارة الرياء، وتارة الأفكار، وأريد أن تكون أعمالي لله كلها.

فما نصيحتكم؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فبداية أريد أن أؤكد لك حقيقة مهمة جدًّا، وهي: أن الوساوس القهرية تصيب الناس في أعز ما يملكون، والدين هو أعز ما نملك، فأرجو أن تهوني على نفسك، والوساوس هي أفكار أو أفعال أو طقوس أو خيالات ذهنية أو صورٍ ذهنية نمطية، وهي بالطبع سخيفة مستحوذة وتفرض نفسها على الإنسان.

الوساوس الدينية من النوع الذي أصابك تعالج عن طريق الأدوية، والأدوية مهمة جدًا، والعلاج الثاني هو أن تلفظ هذه الأفكار الوسواسية دون أن تُناقش؛ لأن إخضاعها للنقاش أو للمنطق سوف يزيد منها، لذا تحقّر، قولي لنفسك (هذا وسواس حقير، لن أهتم به أبدًا، لن أرد عليه) وترفضيها رفضًا قاطعًا وأكيدًا، لكن إذا شرعت في تحليلها ومخاطبتها وإخضاعها للمنطق فالوساوس تتحول وتتحور وتولّد وساوس جديدة في مثل هذه الحالة.

فلا تذهبي وراء الفكرة، ولا تشرحي الفكرة، وإنما حقريها .. هذه نصيحتي لك.

شعورك بالذنب حول ما مضى أعتقد أن هذا الأمر يجب أن تتركيه خلف ظهرك تمامًا، والله سبحان قال في كتابه (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) حتى الشرك بالله تعالى يغفره الله تعالى، قال الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف}، وقال تعالى: {إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أُخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم}. هذه حقيقة كافية جدًّا ويجب أن تأخذي بها.

أنا أفضل أن تذهبي إلى الطبيب النفسي حقيقة من أجل الجلسات العلمية النفسية، وكذلك العلاج الدوائي. هذا ما أتمناه وأنصح به.

أما إذا كان ذلك غير ممكن فأقول لك الدواء مهم، والدواء سوف يساعدك إن شاء الله تعالى في رد هذه الأفكار.

أفضل دواء لعلاج حالتك هو العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (بروزاك) واسمه العلمي هو (فلوكستين) تبدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة، وقوة الكبسولة هي عشرون مليجرامًا، تناوليها يوميًا بعد الأكل لمدة شهر، بعد ذلك اجعليها كبسولتين في اليوم.

استمري على هذه الجرعة لمدة شهرين، ثم ارفعيها إلى ثلاث كبسولات يوميًا، تناوليها كبسولة واحدة في الصباح وكبسولتين مساءً، واستمري على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضيها إلى كبسولتين يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم توقفي عن تناول الدواء.

البروزاك ليس إدمانيًا وليس تعوديًا، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، وفعاليته في علاج الوساوس القهرية معروفة ومشهودة ومضمونة إن شاء الله تعالى، كما أنه دواء فعال محسّن للمزاج ومحسّن للدافعية، ويعرف أن حوالي ستين بالمائة من مرضى الوساوس القهرية يصابون باكتئاب نفسي مما يقلل من طاقاتهم النفسية والجسدية ورغبتهم في أداء الأشياء، وهذا ربما يكون قد أصابك منه شيء، فتكاسلك نحو الصلاة ربما يكون ناشئًا وناتجًا من المزاج الاكتئابي، لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون هذا التكاسل من الشيطان، فلا تدعي له ثغرة يدخل منها أبدًا، جاهدي نفسك في هذا السياق، أدي صلاتك، أغلقي على الشيطان كل المنافذ، وإن شاء الله تعالى الدواء سوف يساعدك كثيرًا في التخلص من هذه الوساوس وكذلك تحسين مزاجك.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنت لديك ميزات كثيرة جدًّا يجب أن تتذكري هذا. أنت في بدايات سن الشباب، أمامك الكثير الذي يمكن أن تقومي به. عيشي الحياة بقوة والمستقبل بأمل ورجاء، وأقول لك بأنك لا تعانين من الرياء أبدًا، هذه فكرة وسواسية سخيفة تسلطت عليك، وما هو سخيف يجب أن نحقره ولا نعتبره، وأكرر لك مرة أخرى: الوساوس القهرية ذات الطابع الديني لا تناقشيها، حقّريها، لا تشرحيها، لا تذهبي وراء الفكرة أبدًا، وأكرر مرة أخرى أن الدواء سوف يحمل لك بشريات كثيرة، لكن عليك أن تلتزمي بجرعته التزامًا قاطعًا، والتحسن إن شاء الله تعالى يبدأ بعد أربعة أسابيع من بداية تناول الدواء.

اجعلي لحياتك معنىً، أديري وقتك بصورة صحيحة، ركزي على دراستك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد والصحة والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب nicole

    إن بعد العسر يسر

  • الجزائر نور

    اختي انا ايضا اعاني من نفس حالتك تقريبا واتمنى من الله ان يمنحنا الراحة والطمانينة ويبعد عنا هذه الوساوس

  • الكويت يوسف

    ما اعظمك يا ربي الله رحيم غفور

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً