الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الكآبة والذهان بعد إدمان الكحول؛ فبم تنصحوني؟

السؤال

بدأت مشكلتي قبل سنة وعدة أشهر في الغربة مع الضغوطات الدراسية والوحدة، بدأت في شرب الكحول بسبب الفراغ بكميات كبيرة تصل إلى 300 مل من الوسكي (40%) باليوم، واستمريت على هذه الحالة من صراع الشرب المستمر، وحالات التخمر عند الاستيقاظ قرابة الشهرين، وكل من قابلني قال عني alcoholic أي مدمن كحول، لكني كنت أكابر، ولم أصدق، إلى أن اقتربت الاختبارات، وقررت الانقطاع عن الكحول بشكل قاطع مفاجئ، وبعد تركي للكحول بيوم وجدت صعوبة عند النوم لاستماعي لأصوات من موسيقى، وبعض المشاجرات مع الناس (بداية الهلوسة) ولم أستطع النوم، وفي اليوم التالي ذهبت سهرانا إلى الجامعة، وبدأت أسمع كل من حولي ينطق باللغة العربية علما بأني في دولة أجنبية، وصوت شخص قام بتهديدي، وكنت أعتقد بصدقها، وأبلغت جهاز الشرطة، وأخبرت أصدقائي بالحادثة، وأخبرني الكل بحاجتي لمراجعة طبيب نفسي.

وفعلا ذهبت للطبيب وأخبرني أنها حالة نوبة ذهان أولية first episode psychosis ويجب أن أبدأ العلاج، بدأت بالتدرج في ثلاثة أيام جرعة 3 ملغم (ريسبيردال)، وبعد فترة أصبحت 4 ملغم، واستمريت قرابة 8 أشهر على هذه الحالات بدون أي نوبات ذهان، ولا هلاوس، ثم قام الطبيب بتخفيضها إلى 2 ملغم لمدة شهرين، والآن 1 ملغم، إلا أني خلال هذه الفترة عانيت من اكتئاب شديد أثر على دراستي، وعلى علاقاتي، فقرر الطبيب إعطائي دواء أبيليفي 15 ملغم Abilify من بداية إعطائي جرعة 1 ملغم ريسبيردال risperdal ، وأصبح لي على هذه الحالة قرابة 5 أشهر.

ولكني ما زلت أعاني من عدة مشاكل في بداية علاجي أبرزها الكآبة والرغبة في التخلص من حياتي، أحداث من الماضي تتكرر في رأسي وتحزنني وتبكيني، أحيانا أنظر لنفسي نظرة دونية، وأن جميع من حولي يستحقرني والكل ينظر لي بسخافة، ودائما ليس لدي شيء أضيفه لأحاديثهم، وتغيظني آراؤهم كثيرا ولا تعجبني كثيرا وأعارضهم أحيانا، وأسكت كثيرا ( أظن أنها بارانويا).

الزملاء والأصدقاء لاحظوا صمتي المستمر في الفترة الماضية علما أن من لاحظ وصارحني ليس لديه أدنى فكرة عن مرضي وعن أدويتي ..!! لا أرغب بالانقطاع عن الأدوية خوفا من تكرار حادثة الهلوسة.

طبيعتي السابقة : كنت هادئا، مشاركاً، سعيداً نوعا ما، لا أستحي كثيراً، اجتماعياً، مجتهدا في الدراسة.

أرجوكم أعطوني تشخيصاً دقيقاً لحالتي، وأعطوني نصائح كيف أتعامل مع طبيبي النفسي لأني أتورط كثيرا في الكلام معه، ولا أستطيع ترتيب كلامي كما جاء بالرسالة علما أني أثق فيه كثيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سمير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن الحالة التي أصابتك هي حالة ذهانية حادة مرتبطة بتناول الكحوليات بكميات كبيرة، ويظهر أن لديك استعداداً أصلاً للإصابة بمثل هذه الحالات الذهانية.

هذه الحالات يعرف عنها أنها تستجيب للعلاج بصورةٍ ممتازة جدًّا، خاصة بعد انقطاعك عن الكحوليات إن شاء الله تعالى، والفرصة عظيمة جدًّا أن لا يعود لك هذا الذهان الظناني.

ما تعاني منه من كدر وشعور بالكرب والحزن هو ظاهرة اكتئابية، والمكوّن الاكتئابي كثيرًا ما يأتي بعد تحسن النوبة الذهانية. هنالك علاقة معروفة جدًّا ما بين الذهان وعلاج الذهان والنوبات الاكتئابية، حوالي أربعين بالمائة من الناس قد يصابون بنوبة اكتئاب بعد أن يتم علاج الذهان، وأعتقد أن هذا هو الذي تعاني منه، وهذه الحالات تعالج بإضافة أحد الأدوية المضادة للاكتئاب، لكن هذه يجب أن يتم التعامل معها بحذر؛ لأن بعض أدوية الاكتئاب ربما تؤدي إلى تنشيط الفكر الذهاني، ولذا الطبيب دائمًا يحاول أن يوزن بين الاثنين، أن يُخرج المريض من الحالة الاكتئابية بإذن الله تعالى، وفي ذات الوقت لا يدفعه نحو القطب الذهاني.

عقار رزبريادون عقار جيد جدًّا لعلاج الحالات الذهانية، لكن يعاب عليه أنه لا يحسن المزاج كثيرًا.

الإبليفاي علاج جيد، لا يعتبر محسنًا للمزاج، لكنه دواء مضاد للذهان، وفي ذات الوقت يمكن أن يثبت المزاج؛ لأن بعض الناس لديهم تقلبات ما بين الاكتئاب وما بين الانشراح وهنا يعتبر الإبليفاي دواءً جيدًا.

الدواء الذي يعالج الذهان ويحسن المزاج بدرجة جيدة هو عقار سوركويل، والذي يعرف علميًا باسم (كواتبين) وهو دواء جيد وممتاز، فقط أحد عيوبه أنه ربما يؤدي إلى زيادة في النوم لدى بعض الناس.

أعتقد أنك في حاجة لتعديل العلاج الدوائي، والأطباء بالطبع لا يحبون أن تفرض عليهم أسماء أدوية معينة، لكن طريقة التفاهم مع طبيبك ليست صعبة أبدًا، اذهب إليه وكلمه حول الأعراض الاكتئابية الأساسية التي تعاني منها، وقل له (الحمد لله أني قد تحسنت كثيرًا فيما يخص النوبة الذهانية، لكن حدثت لي الآن هذه النوبة الاكتئابية وهي تسيطر عليَّ) وتطلب منه المساعدة، ربما يوافق على أن يعطيك السوركويل، وبجانبه ربما يضيف أحد مضادات الاكتئاب، أو ربما يتركك على نفس الأدوية وهي الإبليفاي والرزبريدال، ويقوم بإضافة أحد مضادات الاكتئاب مثل عقار سبرالكس مثلاً، وهو جيد جدًّا وفعال جدًّا، وإن شاء الله تعالى لن يدفعك نحو القطب الذهاني.

فإذن تواصل مع طبيبك، وناقش معه الأسس التي ذكرتها لك؛ فالأطباء دائمًا يحبون أن يسمعوا الكلام الطيب من مرضاهم، كما أن المرضى يحبون أن يسمعوا من الأطباء ما هو طيب؛ فاذهب إلى الطبيب، واشكره، وبشره بالتحسن الذي طرأ على حالتك فيما يخص الأعراض الذهانية، ثم حدثه بعد ذلك عن الأعراض الاكتئابية، وإن شاء الله تعالى سوف تجد منه الإنصات، والتقدير والاحترام، وسوف يتخذ القرار اللازم.

من ناحيتك: ليس هنالك أبدًا ما يدعوك للشعور بالسأم واليأس، فحالتك يمكن أن تُعالج وتعالج إن شاء الله بصورة فاعلة جدًّا، وأنت ما دمت قد أقلعت عن تناول الكحوليات هذا قرار ممتاز، وقرار يجب أن تحس بالرضى حياله وتكافئ نفسك من خلال هذا الشعور بالرضى، واسع لأن تجعل لحياتك قيمة جيدة، وذلك من خلال التواصل الاجتماعي، والاجتهاد في الدراسة، ومصاحبة الأخيار والصالحين من الناس، واتخاذهم نموذجًا وقدوة، وتقوى الله يجب أن تكون على رأس الأمر كله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر دودو

    شكرا لقد وجدت حلا لحالتي ايضا وابقوا على تواصل معنا اننابحاجتكم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً