الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أصل إلى الاستقرار مع زوجي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا امرأة متزوجة منذ شهرين، تزوجت على أمل ومفهوم أن الزواج سكن ومودة ورحمة، وأن يرزقني الله ذرية صالحة، خاصة وأنا مدركة أني في سن حرج ربما تقل فيه نسبة الإنجاب.

في البدء تأخرت في زواجي لظروف العمل، لأني من أسرة بسيطة، وكانت الأولوية أن أعمل وأعيل الأسرة، وبالتالي علي أن أؤجل الزواج والإنجاب طالما أني صغيرة في عمري، لكن لم تسهل ظروفي، وسرقني الوقت، أعتقد أن اللوم يقع علي وحدي، وهذا الوضع نتج عن خياراتي وقناعاتي، لذا تحملت اللوم وسأتحمل تبعاته.

الآن أنا متزوجة، وتعقدت ظروفي المادية والمهنية أكثر وأكثر، ولكني الآن واعية لأولوياتي، وهي أني لا بد أن أستقر مع زوجي الذي يحبني وأحبه، وأيضا بداخلي اشتد نداء الأمومة، وأعرف إذا لم يكن الآن علي التفكير بالإنجاب فلن يكون متاحا ذلك أبدا بعد الآن.

لكن من جديد لا مال ولا عائد يكفينا، وزوجي لن أراه إلا في الإجازات أو المناسبات، ممكن 15 يوما كل سنة إلى أن يتحسن وضعي المادي، ويحصل نوع من الاستقرار المادي، لأتمكن من السكن والاستقرار مع زوجي.

زوجي متزوج، وله أبناء، وبوضع مادي بسيط لن يكفينا، ويعيش ببلد أوروبي لا يعترف ولا يقبل بوجود الزوجة الثانية، وأنا الآن ببلد أوروبي آخر غير البلد الذي يعيش فيه زوجي بغرض الامتحانات والبحث عن عمل، وهذا يتطلب فترة طويلة.

يتملكني حزن غريب، نسبة لظروفي الغريبة، وبالفعل فأنا مشتتة بين خيارات صعبة، خيار أن أقبل بهذا الوضع إلى أن يجعل الله لي مخرجا بإيجاد عمل مستقر في أي بلد عربي أو أوروبي لأتمكن من العيش.

فكرة الزواج حقيقة واقعة، لذا أصبح زواجي واستمراره واستقراره مرهون بوجود عمل ووضع مادي كافي، والآن أحاول إيجاد عمل في أوربا وفي بلاد عربية مثل قطر والإمارات (حيث أنني صيدلانية).

أحيانا أفكر، هل كان اختياري سليما؟ ولماذا لم أختر رجلا متفرغا لي، تسمح ظرفه أن أعيش معه أو يعيش معي وأحقق معني السكن والمودة والرحمة، وزيادة الأمل في أن أكون أما.

ولم أفكر في حياتي في أن يكون زوجي ثريا، ولكن لا أعرف كيف يمكن أن نجتمع، وأن تهدأ نفسي وألا يهددني شبح الفراق، ولا يرهقني حسابات وثمن الاستقرار.

وكلمة حق تقال لم يبخل زوجي علي، ولم يتأخر علي، بالرغم من وضعه المادي البسيط، لكن من جديد ظروفي جدا عصيبة وغريبة، ويتملكني وهم أن الطلاق واقع لا محالة، وأن زواجنا ليس أبديا كما تنبأ له الجميع.

إذن من جديد علي البحث عن عمل، ووضع مادي مستقر، وأخشى من جديد أن يكون الثمن غاليا، وهو أني في زحمة البحث عن وضع مادي جيد أن يضيع العمر، وتضيع أمومتي ويضيع كل شيء.

أتساءل: لماذا البحث عن الاستقرار مكلف ومضني ومتعب؟ ولماذا يحتاج عشرات السنين؟

أمي وأبي وأخواتي ما زالوا يعتمدون على راتبي وهو غير كاف، وزوجي يري أن أتوقف عن الصرف عليهم حتى نستعين براتبي في مواجهة الحياة.

وفعلا نحن بحاجة لراتبي، لكن رأيت أن الأولوية في راتبي لأبي العجوز وأمي، مما جعل زوجي في حالة شجار معي، وأني لم أضعه في أولوياتي، وأني غير مهتمة بتأسيس حياة مستقرة معه.

أنا حزينة! ولا أعرف كيف أحدد الأولويات؟ وكيف نصل لحد الكفاية؟ وكيف أعرف معنى الاستقرار.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لدانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

أهلا بك أختنا الفاضلة في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن ييسر لك الخير التام.

أختنا الفاضلة: إن ما تعانيه من ألم هو ما يعانيه جميع الناس، لكن باختلافات قائمة، فالدنيا دار ابتلاء وكدر، والعاقل هو من ينظر إلي ما أنعم الله عليه بجوار ما ابتلاه الله به ليشعر بشيء من الراحة، فمثلا هذه المعاناة يحوطها كثير من النعم، نعمة الإسلام، نعمة العافية من الأمراض التي لا علاج لها، وقد ابتلى الله بها بعض الناس، نعمة العقل، نعمة التعليم، وأنا هنا فقط أضرب أمثلة وأنت أدرى الناس بما أنعم الله عليك، فتذكري بجوار البلاء النعم، هذا أولا.

ثانيا: يجب عليك أن تشكري الله عز وجل، وأن تمدحي نفسك بما قمت به من واجب تجاه والديك، فإنه لأمر جيد أن تنفقي على أهلك، وأن تكوني سببا في تحمل تكاليف أعبائهم الحياتية، واعلمي أن رضا الوالدين عنك هو أثمن ما يجده المرء في حياته، مع العلم أن هذا المال هو مالك ولا يحق له شرعا أن يمنعك من صلة أهلك ماديا من مالك، سيما وقد ذكرت كبر سنهما وحاجتهما إليك، ولا يجوز لك لا شرعا ولا عرفا تركهما والحالة تلك، فبارك الله لك في والديك وزادك الله حرصا على برهم.

ثالثا: نحن نؤمن أن الأمور تسير بقدر الله عز وجل وهذا ما يجعل الأمور في يديه سبحانه، هو يدبر الأمر كيف يشاء، وفائدة ذلك أن العبد في النعم متعبد كما في البلاء كذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير : إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" فالحمد الله على ما أنعم، ونسأل الله أن يصبرنا على البلاء، وأن يجعل لنا فيه مخرجا.

رابعا: ذكرت أنك تفكرين بين خيارين أن تتزوجي رجلا متفرغا لتقيمي أسرة وتقيمي مع زوجك، وفي الحقيقة كان لا بد من التفكير بروية قبل الإقدام على الزواج، أما بعد الزواج فينبغي أن يكون التفكير منصبا حول كيفية تأسيس بيت مستقر، وآلية ذلك، وأتصور أن هذا الأمر فيه يسر، خاصة وقد ذكرت أن الزوج يحبك، ويخاف عليك، وهذا أمر جيد، سيما إذا كان الزوج من أهل التدين والخوف من الله عز وجل.

خامسا: إن أدركت أيتها الفاضلة أن طريق الاستقرار أضحى صعبا، وأن المدة التي يتواصل فيها الزوج معك لا تكفي، فيمكن مراجعته في ذلك، والاتفاق على آلية تمكنكم من العيش بصورة أفضل.

سادسا: تحدد الأولويات بناء على ما يقربك من الله عز وجل أولا، وما تصلي به رحمك وتستقر به حياتك، والاستقرار الحقيقي والاطمئنان الكامل في القرب من الله والرجاء فيه (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

ليس معنى ذلك ترك التخطيط للدنيا، بل على العكس يأمرنا الإسلام بالإتقان في كل أمر بدأنا فيه ونريد خاتمته، ولكن وفق المعايير والضوابط الإسلامية، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

سابعا: أرجو منك أيتها الفاضلة أن توثقي صلتك بالله أكثر، وأن تستخيري الله في كل عمل تعملينه، وأن تستشيري أهل الفضل، وعندكم في أوروبا مراكز إسلامية تستطيعين أن تتواصلي معهم، وأن تتشاوري، فلا خاب ولا ندم من استخار أو استشار.

وفي الختام نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك وأن ييسر لك الخير حيث كان، وفقك الله لما يحبه ويرضاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا ابومازن

    عجبتني الإجابة في المنطق والسرد الوافي

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات