الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفكير وتهويل للأمور بلا مبرر، ما سببه؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أعلم حقيقةً هل أستطيع أن أوضح مشكلتي بالضبط لكن سوف أحاول، مشكلتي هي أني أعاني بعض الأحيان من مخاوف لا صحة لها، وتهويل الأمور، وأنا أعرف بعقلي أنها مخاوف لا صحة لها، حتى أني بعض الأحيان أضحك على نفسي لأني أوهمها بأشياء، أو بالأصح بأفكار طفولية, وفي اليوم التالي إذا بدأت يومي بشكل طبيعي - بدون ضغوط - أجلس وأضحك على نفسي بما فعلته بالأمس من أفكار ومن مخاوف لا صحة لها، ولا أعرف كيف أرهبتني تلك الأفكار الطفولية! ونادراً يحصل لي شعور بالهلع على لا شيء, فعندما أواجه ضغطاً نفسياً أتعرق وأصاب بالهلع وتأتي أمامي مواقف مؤلمة فتزداد الحالة, لكنها سرعان ما تنقضي, والجزء الأهم والمضحك أكثر أننا وكما تعرف مقبلون على العيد وتجمعات العائلة والأمور الاجتماعية الأخرى.

سابقاً وطول عمري الذي فات كنت أصب القهوة للأقارب كثيراً في المناسبات، لكن قبل عدة أشهر حصل لي موقف غريب، ارتعشت عند تقديم القهوة لأحد الضيوف، فتعجب وسألني: هل أنت بخير؟ قلت له بخير، وذهب اليوم وكأنه لم يحدث شيء، وبعد فترة بدأت الأفكار تأتيني والموقف هذا يمر علي مراراً وتكراراً في مخيلتي وبعدها - عند أي اجتماع - صرت أعجز حتى عن إمساك الكوب الذي يخصني، فما بالكم بالتقديم للضيوف! فصارت عندي عقدة، وبدل أن كنت أصل أرحامي وأهلي بدأت أقطعهم خوفاً من تقديمي القهوة لهم، وقد تعبت من هذه المشكلة والعيد اقترب فقلت لنفسي يجب أن أحل المشكلة قبل أن تتحول إلى عقده مزمنة لدي.

أرجو منك يا دكتوري العزيز إذا تضمن حلك للمشكلة علاجاً دوائياً أن تبين لي آثاره الجانبية؟ وهل إذا انقطعت عنه - إذا لم يفدني أو لم يحل مشكلتي - سيرجع الضرر أكثر ويصبح علاجاً مزمناً لي؟ أتمنى أن تكون الفكرة اتضحت.

أعتذر عن الإطالة، لكني لم أستطع الاختصار أكثر من ذلك، شاكراً ومقدراً لك دكتوري الفاضل, ودمت بصحة وعافية بإذن الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الشيء الذي أعجبني في رسالتك هو أنك قد عرضت مشكلتك دون أن تلجأ إلى تسميات أو تشخيصات، هذا مهم جدًّا؛ لأن بعض الإخوة يبدؤون رسائلهم بوضع تشخيص معين، فهنالك من يقول أعاني من رهاب اجتماعي، أو أعاني من وساوس، أو أعاني من اكتئاب، وهكذا, ونحن بالطبع نقدر آراءهم ومفاهيمهم، ولكن كثيرًا ما تكون هذه المسميات ليست دقيقة، بل ربما تكون ليست صحيحة، وهذا حقيقة يسبب إشكالاً كبيراً جدًّا فيما يتعلق بالصحة النفسية للإنسان.

أنت أحسنت بأنك قد عرضت المشكلة: أعراضها، بيئتها، الضوابط التي تثيرها، وهذا هو المهم جدًّا، لذا أقول لك إننا - إن شاء الله تعالى - نستطيع أن نساعدك كثيرًا؛ لأن ما أوضحته من معلومات يعتبر كافياً جدّاً لوضع التشخيص، وأود أن أقول لك إن حالتك تعرف بالمخاوف الوسواسية.

المخاوف الوسواسية هي: نوع من القلق النفسي تأتي للإنسان، هو نوع من الوساوس والهواجس والأفكار تكون سخيفة ويقتنع الإنسان بذلك، ولكنها مقرونة ببعض المخاوف، وأكثر المخاوف التي تأتي هي نوبات الهلع البسيطة أو المخاوف الاجتماعية مثل ما يحدث لك في بعض المواجهات أو المواقف التي تتطلب منك أداءً اجتماعياً معيناً، إذن الحالة بسيطة وعلاجها يكون بالتالي:

أولاً: أن تتفهم طبيعتها، لذا كنا حريصين أن نوضح لك التشخيص.

ثانيًا: هذه الحالات كثيرًا ما تكون حالات عابرة وليست مزمنة.

ثالثًا: من أفضل طرق العلاج التجاهل والتجاهل التام، وعدم مراقبة الذات، وتحقير الفكر السلبي حين يتسلط عليك.

رابعًا: يجب أن تعيش حياتك بصورة طبيعية, أنت ذكرت أنه ليست لك وظيفة، لكن الإنسان لابد أن يكون إما في مرحلة الدراسة أو تعليم وتعلم أو يكون في مجال العمل، فلا تترك نفسك بدون أحد هذه الركائز الأساسية فيما يخص التأهيل الاجتماعي والمهني للإنسان، هذه مهمة جدًّا.

من الضروري أيضًا أن تجعل حياتك فاعلة، أن تتواصل اجتماعيًا، تمارس الرياضة، تنخرط في الأعمال الخيرية مثلاً: الأنشطة الثقافية، كن حريصًا على الصلوات الخمس في المسجد مع الجماعة، صلة الرحم... هذه علاجات سلوكية كثيرًا لا نعطيها قيمتها الحقيقية، ولكننا في مجال علوم النفس والسلوك نعرف أن هذه ذات قيمة عالية جدًّا.

هذا هو الجانب الإرشادي الذي أود أن أوجه لك به، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به، وعليك بالتطبيق والتنفيذ.

الجانب الآخر هو العلاج الدوائي: وأقول لك إنه توجد علاجات - الحمد لله - طيبة ممتازة وسليمة وفاعلة، وأفضل دواء يناسب حالتك هو العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (زولفت) ويعرف تجاريًا أيضًا باسم (لسترال) ويعرف علميًا باسم (سيرترالين), والجرعة المطلوبة في حالتك هي أن تبدأ بخمسة وعشرين مليجرامًا – أي نصف حبة؛ حيث إن الحبة تحتوي على خمسين مليجرامًا – تناول هذه الجرعة ليلاً بعد الأكل، وبعد عشرة أيام ارفعها إلى حبة كاملة ليلاً، وهذه هي الجرعة العلاجية، وتعتبر جرعة بسيطة, استمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفضها إلى خمسة وعشرين مليجرامًا ليلاً لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء، وأنا على ثقة كاملة أن هذا الدواء سوف يفيدك كثيرًا، وأؤكد لك مرة أخرى أنه سليم وسليم جدًّا، وعليك بالتطبيقات السلوكية التي ذكرتها لك.

ننصحك بمراجعة هذه الاستشارات التي تتحدث عن العلاج السلوكي للرهاب: (269653 - 277592 - 259326 - 264538 - 262637 ) ففيها نفع كبير.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً