الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس الموت يحاصرني ولا يجعلني أهنأ بحياتي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم بداية على هذا الجهد الرائع.

دكتوري العزيز: عمري (29) سنة، و مشكلتي كالتالي: أنا دائماً أفكر أن شيئاً ما سوف يحدث لأمي، وأنا متعلق بها لدرجة كبيرة، لأنها هي التي ربتني بعد وفاة أبي عندما كان عمري 12 سنة فقط، ودائماً توجد أفكار سوداء برأسي أنني سوف أموت، وأنه سوف تصيبني جلطة، ولهذا السبب تراني دائماً أعمل تخطيط قلب وإيكو لقلبي، وتظهر النتيجة - بحمد الله - جيدة وطبيعية، وأحياناً عندما أقرأ عن أعراض الجلطة تنتابني آلام في الصدر، وأشعر بأنها سوف تصيبني الآن، أو عن أعراض أي مرض آخر، ناهيك عن الأفكار السوداوية التي تأتيني بالنسبة لأمي، حيث اني لا أتخيل الحياة من دونها.

أبي توفي بسبب سرطان الرئة، وأنا مدخن، ودائماً أقول أنني سوف أموت مثل أبي، لأني أحمل جينات منه، لا أستمتع بأي شيء بالحياة أبداً، لا يوجد سلام داخلي، ودائماً متوتر وأعض على أسناني أثناء نومي، ولكنني لا أحس بشيء، وأمي وزوجتي تقولان لي أنك تعض على أسنانك.

حياتي مضطربة جداً ومخيفة، أنا دائماً خائف ومضطرب وسوداوي، أتوقع السوء دائماً، اليوم صباحاً ذهبت في حالة إسعاف إلى المستشفى، لأنني شعرت بوخزات في الصدر، وعملوا لي تخطيط قلب ولم يظهر شيء، بعدها ارتحت وذهبت للنوم كالطفل الصغير ونمت بعمق.

دكتور: أرجوك ساعدني، فأنا دائماً بحاجة لإثبات أن الأمور جيدة حتى أطمئن وأعيش حياة سعيدة ! علاقتي الزوجية بدأت تتأثر بكل شيء، حيث أن زوجتي تقول لي أن كل أمراضي العضوية ناتجة من عقلي، أنا أعرف ذلك ولكن لا أستطيع فعل شيء، أحياناً عندما تكون حالتي مستقرة أحاول عمل أي شيء قد فعلته بالماضي ومضى عليه أيام أو شهور، كأن أتمشي في شارع أو أشرب قهوة في مكان محدد، أو حتى غسل الصحون والكاسات، لأن هذا العمل يشعرني بشيء من الأمل، وأنه سوف يعطيني مزيداً من الأيام لأنني قد فعلته مسبقاً ومازلت على قيد الحياة!

ملاحظة: عشت طفولة تعيسة، حيث أنني نشأت بعائلة مطلقة، كثيرة المشاكل، تعرضت لحالة اغتصاب عندما كنت صغيراً، ولكن لا أظن أنها السبب، لأنني نادراً ما أتذكرها، وأنا غير حقود على الشاب الذي فعل هذا الشيء، ولا أحزن لتعرضي لهذه الحالة، لأنه يوجد مثلي ملايين من البشر الذين تعرضوا لهذه الحالة في الطفولة، وتوفي والدي عندما كنت في الثانية عشرة من عمري.

ماذا أفعل؟ أفدني عافاك الله، وجعلها في ميزان حسناتك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن كل ما تعاني منه من أفكار ومخاوف تحمل الطابع الوسواسي، فأنت لديك نظرة تشاؤمية حول المستقبل، ولديك مخاوف مرضية، ولديك تفكير وسواسي جدًّا حول الموت، هذه الأعراض هي أعراض نفسية وجدانية، أولاً تعالج من خلال أن تبحث وتتمعن في هذه الأفكار السلبية وتضع الفكرة المقابلة والمخالفة لهذه الفكرة السلبية، أنت حين تتحدث عن المرض هنالك صحة، وحين تتحدث عن اضطرابات العلاقات الأسرية هنالك الأسرة المستقرة، وحين تتحدث عن عسر المزاج فهنالك الانشراح والطمأنينة، إذن لا تفرض على نفسك الفكر السلبي، وهذا هو الأساس فيما ينتابك من كدر وحزن ووساوس.

المؤمن مطالب بأن يتوكل على الله تعالى، والتوكل يعني العمل والأمل، لا يعني التقاعس أبدًا، وبالنسبة للخوف من المرض فالإنسان يسعى ويجتهد في أن يكون في صحة جيدة وسليمة، وذلك من خلال التغذية السليمة وممارسة الرياضة، وتقليل الضغوطات والاحتقانات النفسية، وفي حالتك لابد أن تتوقف عن التدخين، لأن مضار التدخين معروفة، وتخوفك من سرطان الرئة يجب أن يكون دافعًا حقيقيًا لك أن تتوقف من التدخين، الإنسان لابد أن تكون لديه ضوابط على نفسه.

الخوف من الموت انظر إليه من منظور أن الخوف منه لا يعجل منه، والآجال والأعمار بيد الله تعالى، والخوف من الموت يجب أن يكون دافعًا لأن يعمل الإنسان من أجل ما بعد الموت.

الفكر الوسواسي دائمًا يصد بتحقيره، فمثلاً فكرتك حول أن شيئًا ما سوف يحدث لوالدتك، هذه فكرة قلقية تتسم بالطابع الوسواسي، حين تأتيك مثل هذه الفكرة اسأل الله تعالى أن يحفظ والدتك، وأن يعطيها الصحة والعافية، وأن تكون بارًا لها، هذا فكر جميل فكر طيب، يستبدل هذا الفكر التشاؤمي بالفكر الإيجابي.

أنت في حاجة لأن توقف التردد على الأطباء بكثرة، لكن في نفس الوقت قم بإجراء طبي سليم وهو أن تراجع طبيب الأسرة مثلاً أو طبيب الأمراض الباطنية مرة واحدة كل ستة أشهر، وذلك من أجل أن تحس وأن تشعر بأنك تحت المراقبة والمتابعة الطبية.

نظم وقت وخذ قسطًا كافيًا من الراحة، ولابد من ممارسة الرياضة، لأن الرياضة من الأسس الرئيسية لحفظ الصحة، فالأمر في غاية البساطة أيها الأخ الفاضل الكريم.

الجزء الذي ذكرته حول الطفولة وما تعرضت له من امتهان جنسي، أعجبني جدًّا حقيقة تصورك ومحاولتك لتناسي هذا الأمر، وأنت لا ذنب لك فيه، والآن الحمد لله أنت مكتمل الرجولة ولديك أسرو، أما فيما وصفته بأن طفولتك كانت تعيسة لأنك نشأت في عائلة غير مستقرة، فهذا أيضًا أمر قد انتهى، ولا يجب أن يكون مبررًا لك الآن لأن تعيش في شيء من الاكتئاب والتوتر، فأنت الآن - الحمد لله - رجل لك كينونتك وشخصيتك ومقدراتك، وأنت الآن تربي، انتقلت من مرحلة مُربَّى إلى مرحلة مُربِّي، وهذا من فضل الله تعالى عليك، إذن النظرة الإيجابية دائمًا تساعد الناس في تحسين أمزجتهم، فكن على هذا المنوال.

النصيحة الأخيرة هي أن تتناول أحد الأدوية المضادة للمخاوف والوساوس، ومن أفضلها العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (زولفت) أو يعرف تجاريًا باسم (لسترال) ويعرف علميًا باسم (سيرترالين) وربما يوجد في سوريا تحت مسميات تجارية أخرى. ابدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا، تناولها ليلاً بعد الأكل لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها حبتين في اليوم – أي مائة مليجرام – يمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة في المساء، أو بمعدل حبة صباحًا ومساءً، استمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة مساءً لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء، هذا دواء ممتاز، وهو مضاد للمخاوف والوساوس والقلق والاكتئاب، ومحسن للمزاج، وغير إدماني.

ولمزيد من الفائدة يمكنك الاطلاع على الاستشارات حول علاج الخوف من الموت سلوكيا / رجال: (261797 - 272262 - 263284 - 278081).

أسأل الله تعالى أن ينفعك بما ذكرنا، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً