الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نعالج والدي من الشخصية الظنانية التي تحاصره؟

السؤال

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

المشكلة تخص والدي، حيث أنه يتعامل مع الناس بتعالٍ وكبرياء، وتوجد لديه ضلالات، مثل أفكار العظمة وتوهم القوة والغرور الزائد، وارتفاع الصوت، هذا خارج المنزل، أما داخله فلا يحب أحداً مهما كان، سواء زوجته أو أحد أبنائه، ويتضايق من زيارتهم له، وبما أنه رجل البيت يمنع والدتي من زيارة أولادها، أو التعامل مع الأقارب، ويشك في جميع الناس بأنهم يخونونه ويدبرون له الخطط، ولا يحب أحداً من إخوته، ودائماً يتكلم عنهم بطريقة لا تمت للأخوة بصلة، ويقول إنهم يغارون منه، لأن حالته المادية أفضل منهم، ويقول إنه يكره الكذب والكذابين، وفي نفس الوقت لا يتكلم الصدق أبداً، ويدخل نفسه فيما لا يعنيه، ويسمع ما لا يرضيه، ويتهم الآخرين بالأنانية وكرههم له، ودائماً يختلق المشاكل مع الجيران على أسباب تافهة.

منذ فترة أخذته عند دكتور أعطاه علاجاً ولم يستمر عليه سوى يوم واحد، والآن يرفض الذهاب إلي الدكتور أو أخذ العلاج، فالرجاء تفسير حالته، وما هو العلاج النافع لهذه الحالة؟ وآسف على الإطالة، وعسى الله أن يهدينا إلى أحسن الأقوال والأعمال، وأشكر لكم جهودكم، عسى الله أن يجعلها في موازين أعمالكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ yousef حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فبالطبع أنا آخذ كل ما ورد في رسالتك بكل موضوعية ومصداقية، والذي دفعني لأن أقول هذا هو القانون أو العُرف الطبي النفسي المعروف، هو أن لا نشخص حالات لم نقم بفحصها، لكن بالطبع ليس هنالك وسيلة لأن نقوم بالتواصل مع والدك، وفي نفس الوقت ما ورد في رسالتك هو بالدقة والترتيب والتنغيم الذي يجعلني أكون على درجة عالية جدّا من اليقين أن هذا الأخ الفاضل - أي والدك - يعاني بالفعل من حالة نفسية.

الذي يظهر لي أنه يعاني من درجة مما يسمى بالاضطرابات البارونية، أو الاضطرابات الظنانية، وهي نوع من الشكوك يصفها البعض بالضلالات، ويصفها البعض بضلالات التلميح، ولها مسميات كثيرة جدًّا.

هذه الحالة في بعض الأحيان تكون حالة مرضية عقلية ذهانية، وفي بعض الأحيان تكون متعلقة بالشخصية، أي أن شخصية الإنسان تحمل هذه السمات الظنانية والشكوك، وتكون هذه صفات ملازمة للإنسان، وحين نسترجع ذاكرتنا لابد أن نكون قد قابلنا مثل هؤلاء الناس في حياتنا، فهؤلاء لا يعتبرون مرضى بالمعنى والمعايير الطبية النفسية، لكن نقول أن لديهم علة في شخصياتهم ونسميها بالشخصية الظنانية أو البارونية، وفي كثير من الأحيان يصعب التعامل معهم، ومن الصعوبة جدًّا إقناعهم بأهمية ونفع العلاج وجديته، لكن في بعض الأحيان تصل الحالة وتتطور وتكون هذه الأفكار الظنانية بالقوة والشدة والثبات والاستمرارية لا يمكن أن نخضعها لأي نوع من المنطق، ولا يجدي الحوار مع صاحبها، وهذه هي الخلفية العلمية لمثل هذه الحالات.

والدك - عافاه الله وشفاه - أعتقد أنه يعاني من درجة من هذه الحالات الظنانينة، وهذه الحالات تستجيب للعلاج بصورة ممتازة جدًّا، فهنالك أدوية طيبة وفاعلة وقليلة الآثار الجانبية، منها عقار يُسمى تجاريًا باسم (زبركسا) واسمه العلمي هو (أولانزبين)، ودواء آخر يعرف تجاريًا باسم (رزبريدال) واسمه العلمي هو (رزبريادون)، ودواء ثالث يعرف تجاريًا باسم (سوركويل) واسمه العلمي هو (كواتبين) وهنالك دواء رابع يعرف تجاريًا باسم (إبليفاي) واسمه العلمي هو (إرببرازول).

هذه كلها أدوية فاعلة وممتازة وحديثة، ومن الأدوية القديمة لا ننسى الدواء الذي يسمى تجاريًا باسم (استلازين) واسمه العلمي هو (ترايفولزين) هذا الدواء ساعد الناس كثيرًا منذ ثلاثين أو أربعين عامًا، الآن لا نستعمله كثيرًا نسبة لوجود الأدوية الحديثة، لكن فعاليته لازالت معتبرة.

فالذي أنصح به هو أن يتقدم شخص واحد من الأسرة أو صديق للأسرة، صديق للوالد، ويتفهم معه، ويجب أن لا يتدخل جميع أفراد الأسرة، وحين يكون مزاجه طيبًا يتم حواره بصورة منطقية ولطيفة، ويُذكر له أننا نلاحظ أنك - الحمد لله – بخير، ولكن في بعض الأحيان كأنك تصاب بنوع من الإجهاد النفسي الذي يؤثر عليك وقد يؤدي إلى نوع من الاكتئاب البسيط، لماذا لا نذهب لأحد المختصين من الأطباء النفسانيين الثقات، ونستمع إلى نصحه وتوجيهه، إذا قام بإجراء فحوصات لك هذا أمر جيد ومفيد، وإذا قام بإعطائك دواء - إن شاء الله تعالى - يجعل الله لك فيه خيرًا كثيرًا.

هذا أخي الكريم هو المنهج المقبول، وكثير من المرضى يرفضون العلاج في بداية الأمر، بعد ذلك تجدهم يقتنعون بتناوله، وبعد أن يحسوا بفائدته يكونون أكثر قناعة بالاستمرار فيه، وهؤلاء الناس الذين يعانون من هذه الأفكار الظنانية نحن كثيرًا ما نظن خطأ أنهم في حالة ارتياح، أبدًا، هم يتألمون نفسيًا، لكن هذا لا ينعكس من خلال تصرفاتهم.

أخي الكريم: أنا أشكرك على مبادرتك واهتمامك بأمر والدك، وهذا واجب، أسأل الله تعالى لك الأجر، وأرجو أن تتم المشوار، أرجو أن تكمل رسالتك بأن تبحث عن الشخص الذي يمكن أن يقنعه، والشخص صاحب التأثير في بعض المرات يكون شخصًا ضعيفًا جدًّا في نظر الآخرين، فقد شاهدت آباء قام أطفالهم بإقناعهم بأهمية العلاج، فابحث أيها الفاضل الكريم عن الشخص المؤثر، ربما يكون إمام المسجد، ربما يكون صديقًا للأسرة، ربما يكون أحد أفراد الأسرة، لكن أنا لا أنصح بالتدخل من جميع الناس، هذا يجعل المريض في حالة من التوجس وزيادة في الشكوك وعدم الطمأنينة.

أسأل الله تعالى له العافية والتوفيق ونشكرك مرة أخرى على اهتمامك بأمر والدك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً