الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أتوب ...لكني أشعر أن توبتي ستكون غير مقبولة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً على هذا الموقع وأحسن إليكم

مشكلتي أني ارتكبت ذنوباً كثيرة في الماضي ومن الكبائر، والآن أريد أن أتوب وأصلي، لكن ينتابني شعور أن توبتي وصلاتي غير مقبولة، وأنني قذر، ولا يمكن أن الله يقبل توبتي.

أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فمرحبًا بك أيها الولد الحبيب والأخ الكريم بين آبائك وإخوانك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يتوب عليك.

نحن نشكر لك أولاً أيها الحبيب شعورك بعواقب ذنبك، والشعور بالحاجة إلى التوبة منه، فهذه بداية الخير بإذن الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل إذا أراد بعبده الخير هيأ له الأسباب، ومن هذه الأسباب شعورك بالتوبة والحاجة إليها، ولم يبق إلا أن تعلم أيها الحبيب بأن باب التوبة أمامك مفتوح، وأن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعًا، مهما عظمت هذه الذنوب فإنها تصغر بجانب عفو الله، فعفو الله أعظم، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}.

ولقد تاب الله عز وجل على من ركبوا موبقات الذنوب قبلك أيها الأخ الحبيب، فقد تاب على الذين كفروا وأشركوا بالله وعبدوا غيره، وشربوا الخمور وارتكبوا الفواحش، وقتلوا الأنفس البريئة وسرقوا الأموال، ووقعوا في الموبقات بأنصافها، تاب عليهم سبحانه وتعالى وقبل منهم توبتهم وصاروا أولياء لله أحبابًا له، ولا أوضح من حال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وأنت تعلم جيدًا مقامهم في الدين بعد الإسلام ومكانتهم عند الله وعند رسوله، فقد مدحهم الله عز وجل في كتابه وأثنى عليهم، وهذا كله كان بعد ارتكابهم لموبقات الذنوب وكبيرها، ومن أكبرها بلا شك ولا ريب الكفر بالله تعالى، ثم لما تابوا تاب الله عز وجل عليهم، فصاروا من أوليائه وأحبابه المقربين عنده، وأعد لهم جنات النعيم، وبُشّروا بالجنة وهم يمشون على هذه الأرض، فأي دلالة بعد ذلك أعظم على عفو الله تعالى وسعة رحمته من هذا.

أخبرنا الله تعالى في كتابه أيها الحبيب بأنه يغفر الذنوب جميعًا، وأنه يقبل التوبة من عباده، بل وأنه يبدّل سيئاتهم حسنات، وأنه يُحب التوابين، وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الله يفرح بتوبة العبد حين يتوب، ليس فرحًا لحاجته إلى هذا العبد فهو غني عن العالمين، ولكنه فرح الكريم الذي يريد أن يُكرم هذا التائب ويبوّئه المنازل العالية ويعطيه الثواب الجزيل، فأي ترغيب في التوبة أعظم من هذا؟

لا شك أيها الحبيب أن الأمر يحتاج منك فقط إلى قرار جاد واستعانة بالله سبحانه وتعالى وتوجه إليه، والندم على ما كان من الذنب منك، وأن تتذكر بأن هذه الذنوب إن لم تتب منها فإن الله عز وجل بالمرصاد لكل عاصٍ، وهو سبحانه وتعالى شديد العقاب كما أخبر عن نفسه في كتابه، فهو كما يُرغّبك في التوبة ويعدك بالعفو والمسامحة والصفح والثواب الجزيل، كذلك يتهددك بالعقاب الأليم والعذاب الشديد إذا أنت أصررت على هذا الدرب الذي أنت فيه.

فتذكرك لهذا كله، وأنه يمكن أن تندم حين لا ينفع الندم، هذا كله سيبعثك على التوبة بعثًا، وسيوجد في قلبك الندم على ارتكابك لهذه المعصية، فإذا ندمت على ما كان، وعزمت في قلبك على أن لا ترجع إليه في المستقبل، وأقلعت عنه في الحال، فهذه توبة، فإذا تبت هذه التوبة فإن الله عز وجل لن يردك خائبًا.

ومما يُعينك على التوبة والاستمرار عليها أيها الحبيب أن تبحث عن الرفقة الصالحة التي تعينك على الطاعة وتيسرها لك، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا في أحاديث كثيرة، ومن جملة ما قصّه علينا في هذا الباب قصة الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم جاء يبحث ويسأل هل له توبة؟ فلما دلُّوه على العالِم قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أمره بأن يتحول عن القرية التي هو فيها إلى قرية أخرى، قال: اذهب إلى قرية كذا فإن فيها أُناسًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله تعالى معهم. ثم مات هذا الرجل في منتصف الطريق لهذه القرية، وقصته مشهورة معروفة، تنازعته ملائكة العذاب وملائكة الرحمة، ثم حكم الله عز وجل بينهم عن طريق ملَك بأن يقيسوا بين المسافتين فوجدوه أقرب إلى القرية التي كان ذاهباً إليها بِشبر، فأخذته ملائكة الرحمة، وهذا يدلك على أن الإنسان قد يكون بينه وبين ساعات السعادة الأبدية لحظات وأنفاس فقط، فبادر وسارع إلى اتخاذ هذا القرار ما دامت فيك روح وما دام فيك عين تطرف وقلب ينبض، فبادر وسارع قبل أن تندم وقبل أن لا ينفعك الندم.

نسأل الله تعالى أن ييسر لك أسباب الخير كلها، وأن يأخذ بيدك إلى كل ما يحبه ويرضاه.

==============
لمزيد من الفائدة حول موضوعك راجع هذه الروابط:
16287 - 54902 - 254887 - 293842

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً