الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صديقتي تعاملني بجفاء... فكيف أكسب ودها؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عمري 25 سنة، لدي صديقة أحبها كثيراً، وهي من أهلنا، وقد قدر الله أن تكون زوجة لأخي الوحيد، تعلقت بها كثيراً وحاولت إسعادها بكل الطرق وهي أيضاً، كان تبين لي أنني بالنسبة لها كنز، مع العلم أنها لا تؤمن بالصداقة كثيراً، ولا تهتم بذلك لما واجهته في حياتها، وعندها كبرياء عالٍ جداً، وثقة بالنفس، وأيضا لا تحب إظهار عواطفها لأحد، مع أنها تظهر للجميع أنها تهتم بهم وتحبهم، برغم أنها لا تتقبل بعض الأشخاص وتجاملهم مجاملة فقط، أما عندما تكلمني عنهم لا تطيقهم أبداً، وهذا الشيء أثّر في نفسي، بدأت أشك في صدقها معي وبأنني بالنسبة لها كنز غالٍ، لكنها لا تظهر لي اهتماما أو أنها حقاً تريد أن تكون صداقتنا دائمة للأبد، وهذا الشيء بدأ يغضبني، وبدأت أتغير عليها لأنها لا تبادر بشيء، حتى إذا أخطأت معي لا تهتم، لا تبادر برسالة، بكلمة، أما أنا عندما تزعل ألوم نفسي كثيراً وأذهب إليها وأتأسف لها، لكن بدأت ترد علي ردا قاسيا أشعر بأنني أظلم نفسي، مع أنني أعتبرها كنفسي.

أحب أن تكون صديقتي أختي نتعاون على الخير وتوجهني إليه، لكن بدأت أشعر أنني أذل نفسي كثيراً، لا أريد أن أخسرها، لكن كبرياءها هو سبب كل هذا! فهل طيبتي الزائدة تكون سبباً لكل هذا أم ماذا؟

بعد كل هذا لا أريد أن أتخلى عنها أبدا، فمهما كان فهي معنا في بيت واحد، ولا أستطيع أن أتخيل أن نكون غرباءً في بيت واحد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مي مي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فمرحبًا بك ابنتنا العزيزة في استشارات إسلام ويب.
نحن نشكر لك حرصك على إبقاء المودة والمحبة مع زوجة أخيك، وهذا دليل على رجاحة عقلك وحسن إيمانك، نسأل الله تعالى أن يزيدك هدىً وصلاحًا.

ونحن نحب أن نلفت انتباهك أولاً -أيتها العزيزة- أن الشيطان حريص على إيجاد البغضاء وقطع أواصر الود والألفة بين القلوب بين عموم المسلمين وبين الأقارب والأرحام على وجه الخصوص؛ ولهذا نتمنى أن تسدي على الشيطان كل محاولة يريد أن يوقع بينك وبين قريبتك العداوة والبغضاء، فهذا دأب الشيطان كما أخبر الله تعالى عنه في كتابه: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ} وكما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه (أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن رضي بالتحريش بينهم) فهذه أهم الوظائف التي يتولاها الشيطان ويقرب أتباعه منه بقدر نجاحهم في تحقيق هذا المقصود، والله عز وجل أراد منا أن نعيش متآلفين متحابين، وشبه المؤمن للمؤمن كالبنيان، وأنه كالجسد الواحد، والنصوص في هذا المعنى كثيرة.

وندبنا الشارع ودعانا إلى قطع وإزالة كل الأسباب التي قد تؤدي إلى الفرقة والاختلاف وتنافر القلوب، ودعانا بالأخذ بكل أسباب تقوية الود والمحبة بيننا، كالهدية، والسلام، ونحو ذلك من الأساليب التي تزيد محبة القلوب وتقوي رابطتنا بينها.

ومن ثم فإنا ندعوك إلى مزيد من القرب لقريبتك هذه، والمسابقة إلى العفو والصفح إذا أساءت إليك، وأن تبادري أنت بالاعتذار، فإن هذا لن يزيدك عند الله عز وجل إلا رفعة ومكانة عالية، وليس من الذل في شيء، فإن المؤمن ينبغي أن يذل لأخيه المؤمن، ولا يترفع عليه وإن أساء إليه، وقد وصف الله عز وجل المؤمنين بأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.

فلا تستجيبي لوساوس الشيطان التي تدعوك إلى إظهار العزة في مثل هذه المواقف، واعلمي بأن تواضعك لن يزيدك عند الله عز وجل إلا رفعة، وقد ندبنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن نعفو عن من ظلمنا ونعطي من حرمنا ونصل من قطعنا، فهذه الأخلاق العالية الرفيعة هي أخلاق المؤمنين التي ينبغي أن يتخلقوا بها على الدوام.

وكوني على ثقة بأن إحسانك إليها عندما تسيء إليك سيكسر ما تشعرين به أنت من الكبرياء فيها، وسيجرها إلى محبتك جرًّا، فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، كما أخبرنا الله تعالى في كتابه فقال: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} واحذري مما قد يحاول أن يزينه الشيطان أو يوسوس به إليك من إيحاءات بأنها متكبرة أو مترفعة أو أن يحاول إيهامك بأنها ليست صادقة، فالأصل في المؤمن السلامة، ولا يجوز للإنسان المسلم أن يسيء الظن بأخيه المسلم، كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).

فاحمليها على الظاهر، وتعاملي معها بما أبدت لك من حبها لك وحرصها عليك، وعامليها بذلك، فهذا خير لك ولها.

وأما ما ذكرتِ من كونها تجامل الآخرين فهذا شيء تُحمد عليه ولا ينبغي أن تُذم من أجله، فإن الله عز وجل لا يحب المجاهرة بالسوء، ولا يحب للإنسان أن يُظهر بغضه للآخرين حتى وإن كان يبغضهم، فحسن تعاملها مع الآخرين وابتسامتها في وجوههم وإن كانت بغير ذلك في حقيقتها، هذا أمر تُحمد عليه ولا تذم، وإذا وقعت في غيبتهم أو نحو ذلك فينبغي أن تتلطفي بها وتذكريها بحرمة غيبة المسلم، وهذا أسلوب نافع لك ولها.

نسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان ويقدره لك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً