الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطورة الخضوع والاستسلام للوساوس

السؤال

السلام عليكم.

في الحقيقة اكتسبت ثقافة نفسية من خلالها يمكنني التعبير عن نفسي، فقد كانت البداية منذ مراحل الإعدادية، حيث اعترضتني بعض الوساوس القهرية، كصك الملابس بأسناني، وجلب الصور المقززة إلى خيالي، وأما في الثانوي فكان الوسواس في الصلاة والوضوء موجوداً، فقد كان لكل واحد منهما نصف ساعة من الزمن، وفي البكالوريا صرت أتوهم الإيدز وأمراض الأعصاب كباركنسون، وفي النهاية كانت الكلية التي دخلت فيها هي الهندسة المدنية بحلب، وباختصار: هناك الكثير من الوساوس التي اعترضتني خلال فترة الامتحان والمفاضلة.
عمري اليوم 20 سنة، ولدي خوف شديد من الفصام، فأنا أعاني من عذاب نفسي منذ خمسة أشهر تقريباً، وخلال هذه الفترة لا أذكر أن ساعة مرت دون ألم نفسي، واليوم صرت أصدق كل كلمة يلقيها شيطانيالإنترنتمثل: (الحياة وهم وكذب - ستتعذب - لن تعود كما كنت - ستمرض مرضاً مقززاً منفراً - ستتحول إلى كائن غير بشري ومقزز - أنت الآن كائن غير بشري ومقزز، والمرآة والكاميرا تريك خلاف الواقع، وأنت تسمع من الناس خلاف الواقع) أحس بأنها وساوس، لكني خاضع لها خضوعاً تاماً، ولا أملك لنفسي مبرراً يرفضها.
تهاجمني عدة تساؤلات تجعلني أقنط من المعالجة: من أين بدأ الكون؟ وما هي حدوده؟ وماذا بعد الحدود؟ ولماذا خلق الله الإنسان ثم يهتم به ويجعل الجنة والنار؟ وكثيراً ما يصادفني حدوث أشياء، فمثلاً أذكر فلاناً فأجده ماثلاً أمامي، وأرى الناس كلهم مهتمين بالأمر الذي أهتم به، ولو كان الموضوع خاصاً بي وليس عاماً, أقول كلاماً فأرى غيري من بعدي يقول نفس القول، مما زاد شكي بالواقع.
بالنسبة لمواد الجامعة، رسبت في واحدة وتفوقت بالثانية، أما الخمس الباقية فقد نجحت، لكني لا أشعر بمتعة الإنجاز بسبب: (الكمبيوتر الذي ترى فيه النتيجة يريك خلاف الواقع، إن قدراتك العقلية سوف تتدهور، ستعيش سبعين عاماً من الذل والعذاب، ستكون مجنوناً وسترد على الألسن كفكاهة).
أما السؤال الأخطر: (من أنا؟ ومن أكون؟ وعندما أتحرك من الذي حركني؟ وكيف أتحرك؟ وصارت الأحداث التي تمر في اليوم وكأنها حلم يجري في ثوان, صار الأرق يلازمني، وفي كل متعة يمكن أن يتمتع بها البشر أجد ما ينغصها علي من تقزز وكراهية.
كيف يمكنني أن أحيا بإنسانيتي كالبقية؟ وهل أنا مجنون أمام الله وأمامكم؟
لقد تناولت الفافرين بشكل عشوائي ثم تركته، ثم عدت إليه بانتظام، ثم تركته، أنا لا أريد عقاقير عصبية، فأنا مستعد بالقيام بأي عمل مهما صعب، لكني لست مستعداً لأن أتناول عقاراً عصبياً واحداً.
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فلا شك أن رسالتك واضحة جدّاً، وقد حملت تفاصيل دقيقة جدّاً عن طبيعة الوساوس التي تعاني منها، وأنا أريد أن أؤكد لك وبما لا يدع مجالاً للشك أنك تعاني من وساوس قهرية، أو ما يسميه بعض الإخوة بالاستحواذ القهري؛ لأن هذه الأفكار أفكار دقيقة عميقة متشعبة متصلة مع بعضها البعض، ولا شك أنها تسبب ألماً نفسياً للإنسان.
أخي الكريم: هذه وساوس قهرية، ليس هنالك أبداً ما يشير أنك تعاني من مرض الفصام، والجدلية القديمة والنقاش الذي دار حول العلاقة بين الوساوس والفصام قد حُسم، وهو أنه لا علاقة بين الاثنين، الوساوس القهرية تعتبر من أمراض العصاب، أي من أمراض القلق، وأمراض الفصام تعتبر من الأمراض الذهانية أي الأمراض العقلية، هذا هو التوجه العلمي الصحيح، فيجب أن تقتنع أن هذه وساوس قهرية.
بالنسبة لما ذكرته حول أنك لا تجد مبرراً لرفضها، هذه نقطة مهمة جدّاً من الناحية العلمية، بعض الناس حين تبدأ لديهم الوساوس يقاومها ويحس بقلق حيالها، وهذا هو الأمر الصحيح، لكن تجد البعض حين تكثر عليه الوساوس وتستحوذ عليه يفقد قدرته على مقاومتها، وفقدان القدرة على المقاومة ربما تجعل الإنسان يقترب قليلاً أو كثيراً من هذه الوساوس، ويجد أنه لابد أن يقبلها أو لا يرفضها، ويتحول استبصاره من استبصار مقاومة إلى استبصار شيء من القبول أو الرضوخ لهذه الوساوس، أو على الأقل النظر إليها نظرة حيادية، أي ما بين الرفض وبين القبول.
أيها الفاضل الكريم: أنا حقيقة أُعجبت برسالتك وبتفاصيلها الجميلة، ولكن حزنتُ كثيراً لقرارك أنك لن تتناول أي عقار؛ لأنه بصدق وأمانة هذا النوع من الوساوس لا يمكن أن يعالج إلا من خلال تناول الأدوية مع الوسائل العلاجية الأخرى، من تعديل في السلوك، وتحقير للفكرة وتجاهلها والعمل بضدها، لكن هذه الوساوس متشعبة، هذه وساوس متداخلة، هذه وساوس مؤلمة للنفس، هذه الوساوس من الواضح أن كيمياء الدماغ – وأعني بذلك التغير في المادة التي تعرف بالسيروتونين – هي التي تحرك هذه الوساوس.
أخي خالد: بمنطق بسيط جدّاً، الإنسان إذا عرف علته وعرف دواءها فلابد أن يتعالج، فالعلاج نعمة، والعلاج بسيط والأدوية الآن سليمة جدّاً وفاعلة جدّاً، فنصيحتي لك هي أن تقبل تناول الدواء، وأن تلتزم بالجرعة؛ لأن الوساوس أيضاً لا تستجيب لجرعات صغيرة أو لمدة قصيرة للعلاج، هنالك شروط علاجية وهنالك قوانين علاجية لابد من اتباعها.
من الأفضل بالطبع أن تذهب وتقابل الطبيب النفسي، والطبيب سوف يشرف على علاجك، وسوف يصرف لك الدواء المناسب، وسوف يساعدك أيضاً من خلال الآليات السلوكية، والتي لا أعتقد أنها سوف تساعدك وحدها، هذا مهم جدّاً، فلا تحرم نفسك من نعمة الدواء ونعمة العلاج، وهذه أسباب، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.
الفافرين دواء جيد، ولكنه يتطلب الصبر، ويجب أن تُرفع الجرعة بالتدرج حتى تصل إلى ثلاثمائة مليجرام في اليوم، والتي لابد أن تكون عليها لمدة ستة أشهر، مع الالتزام القاطع بها، ثم بعد ذلك تخفض تدريجياً، ويجب أن تظل على الجرعة الوقائية، والتي يجب أن لا تقل عن مائة مليجرام لمدة عام كامل على الأقل، وفي مثل حالتك هذا النوع من الوساوس لابد أن يدعم بدواء آخر يعرف باسم (رزبريادون) وجرعته واحد مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم ترفع بعد ذلك إلى اثنين مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم واحد مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم يتم التوقف عن الدواء.
الرزبريادال دواء مساعد، أثبتت جميع الأبحاث أنه ذو قيمة علاجية كبيرة حين تم تناوله مع الأدوية المضادة للوساوس، والتي من أفضلها الفافرين، وكذلك البروزاك أيضاً من الأدوية الفاعلة والممتازة جدّاً، واسم البروزاك علمياً هو فلوكستين، وجرعته هي أن تبدأ بكبسولة واحدة لمدة أسبوعين، ثم ترفع إلى كبسولتين في اليوم، وبعد شهر ترفع إلى ثلاث كبسولات، وهذه هي الجرعة العلاجية والتي يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم تخفض إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.
من الضروري أن يكون تناول البروزاك بعد تناول الأكل، وبالطبع إذا كان اختيارك هو البروزاك فأنت لست في حاجة إلى الفافرين، ولكن لابد أن تتناول الرزبريادون معه.
أيها الفاضل الكريم: هذا هو الذي أنصحك به، هو أن تعالج نفسك دوائياً وسلوكياً، وأن لا تهمل نفسك، والعلاج متيسر وموجود وسهل، وغير إدماني وغير تعودي.
أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً