الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم الشعور بالأمان وما يترتب عليه من سلوكيات لدى الطفل

السؤال

جزيتم كل خير على جهودكم المبذولة في هذا الموقع.
أنا أم لطفل في السادسة من عمره، تميز بذكائه منذ عامه الأول، وسلوكه الهادئ، ومنحه الله ذاكرة قوية تمكنه من سرعة الحفظ مع التركيز؛ مما ساعده في البدء بحفظ بعض السور القرآنية -ولله الحمد-.
بدأت مشكلته الأولى بعد أن أتم عامه الثاني، فقد بدأ بالتلعثم والتأتأة، وذلك بعد أن قمنا بتغيير مكان الإقامة إلى مكان لا يوجد فيه الكثير من الأطفال, راجعت أخصائية نطق، وأخبرتني أن التأتأة أمر طبيعي لمن هم في سنه، وأنها ستزول بعد أن يتم الخامسة، وأنا ألاحظ أنها قد تلاشت بنسبة (95%) في أغلب الأوقات، لكنها تعود للظهور في الأوقات التي يعاني فيها من مشكلات نفسية، وهذه هي المشكلة الأهم والتي تؤرقني كثيراً.
في العام الماضي بدأت تظهر عليه علامات حب القيادة والرغبة في السيطرة، لا يحب أن يلعب مع أي مجموعة ممن هم في سنه، إلا إذا تمكن من السيطرة عليهم وفرض أوامره عليهم, وإلا سينفجر في البكاء ويجلس وحيداً، ولو اقتضى الأمر أن يقضي وقته على هذه الحال، حاولت أن أعلمه مبادئ اللعب والمشاركة، لكنني لم أنجح في مساعدته على ما يبدو, وكنت مقتنعة أن هذه الصفة مرافقة لمرحلته العمرية، وأنها ستزول بعد أن يكبر.
الآن بدأ يعاني في المدرسة بسبب هذه المشكلة، وبدأ يكره المدرسة؛ لأنه يظن أنه لا يوجد من يحبه من أصدقائه ولا يوجد من يحب اللعب معه! حاولت أن أتحاور معه وأقنعه بضرورة تغيير طريقته في التعامل مع أصدقائه، لكن دون فائدة، ومعلمته تخبرني أنه اجتماعي والجميع يحبه، ولكنه مصر على عكس ذلك.
الحمد لله هو من المتفوقين في المدرسة، لكنني بدأت ألاحظ في الفترة الأخيرة أن مستواه بدأ يتراجع بسبب المشكلة السابقة الذكر, وبسبب كثرة حركته التي بدأت حديثاً في الفصل، وعدم رغبته في التركيز مع المعلمة أثناء الشرح.
البارحة اكتشفت شريط فيديو قام هو بتصوير نفسه فيه والحديث عن نفسه، كان يتحدث عن كرهه للمدرسة، وأنه يشعر بعدم وجود من يحبه، وقال: (أنه مجرد فاشل) أثرت علي هذه الجملة كثيراً؛ لأنني دائماً ومنذ صغره أوضّح له كم نحبه وكم أنا فخورة به، وأنه متميز وناجح.
أود أن أوضح أن أسلوبي في التعامل يميل إلى التحاور معه والإقناع، لكنني ألجأ في بعض الأحيان إلى التوبيخ، وأحياناً الضرب، ومع هذا أشرح له سبب توبيخي له، وأن العقاب كان للسلوك الخطأ وليس لذاته, والده يميل إلى شتمه وإصدار بعض الصفات الخاطئة، لكنني دائماً أدفعه إلى تصحيح خطئه معه، وتفهيمه أنه لا يجوز أن نبرمجه برمجة سلبية.
أرجو أن تفيدوني في كيفية التعامل مع صغيري, هل يجب عرضه على طبيب نفسي؟
لا أود له أن يكبر وفي داخله أي هذه المشاعر, خصوصاً أنني أصبحت على ثقة أنه يخفي الكثير في داخله ولا يفصح عنه بعد تجربة الشريط المصور.
أشكركم كثيراً وآسفة على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فداء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن هذا الطفل - حفظه الله تعالى - يفتقد الأمان؛ لذا بدت عليه التغيرات السلوكية التي ذكرت، وكراهيته للمدرسة غالباً يكون فيها جزء مما نسميه بقلق أو بخوف الفراق، هو يريد أمان البيت، حتى وإن كانت هنالك صعوبات بالنسبة له، ومثل هذه الحالات يتم التعامل معها عن طريق التحاور - كما ذكرت - وهذا أمر جيد، ولكن بالطبع منهج الضرب هو منهج غير سليم، وأن يقوم الوالد بشتمه هذا أيضاً خطأ جسيم.
هذا الطفل لديه مقدرات، يحب أن يقود ولا يقاد، ولابد أن نشبع رغباته بطريقة ما:
أولاً: يجب أن نعطيه كينونته، يجب أن يشعر بأهميته في الأسرة، هذا أمر مهم جدّاً، يُعطى بعض المهام دائماً، ويقارن بينه وبين إخوته إذا كان لديه إخوة، أعطوا هذا الطفل مهمة وأعطوا أخته أو أخاه الآخر مهمة أخرى، ويجب أن تكون مهمته أصعب قليلاً، وهنا يمكنك أن تلجئي إلى أسلوب التحفيز لكليهما، مع التركيز عليه، فهذا يعطيه شيئاً من الاعتبار.
بالنسبة لموضوع التوبيخ، قد يكون منهجاً تربوياً، لكن يجب أن يكون التركيز أكثر على الإثابة كما ذكرنا، وأرجو أن تطبقي معه طريقة النجوم، هذا طفل ذكي ومقتدر، وإذا طبق أسلوب النجوم معه بصورة صحيحة سوف يكون مفيداً بالنسبة له.
ثانياً: الطفل مهما كان لديه بعض المشاعر العدوانية حيال الأطفال الآخرين، لكن لابد أن تتاح له الفرصة لأن يلعب ويتفاعل مع الأطفال الآخرين، فالطفل يتعلم أكثر من أقرانه.
ثالثاً: هنالك أمر مهم جدّاً وهو التجاهل، حين تبدو من هذا الطفل بعض التصرفات السلبية، أرجو أن يتم تجاهلها بقدر المستطاع.
وسيلة أخرى مهمة جدّاً، هي أن تلاعبي طفلك، وأن تنزلي إلى مستواه، وهنالك ما يعرف بالسيكودراما أو العلاج عن طريق التمثيل، ضعي تمثيلية بسيطة، قومي بصياغتها، دعيه يلعب دوراً معيناً، وأنت أيضاً العبي دوراً آخر، واجعليه يستمتع من خلال هذا الدواء الذي يلعبه، هذا أيضاً مهم جدّاً.
بالنسبة لزيادة الحركة إذا كانت فعلاً لدرجة مزعجة أعتقد أنها يجب أن تقيم بواسطة المختص؛ لأن زيادة الحركة تؤدي إلى تشتت التركيز، وتؤدي إلى انفعالات سلبية وشعور بالغضب الداخلي لدى الطفل، وربما تولد لديه العناد، فهنا إذا شعرت فعلاً أنه توجد زيادة في الحركة يجب أن يقيم بواسطة الطبيب النفسي المختص في الطب النفسي في الأطفال، وليس كل طبيب نفسي، وهذه الأمور ربما تكون عارضة، وتنتهي - إن شاء الله - في مرحلة عمرية قادمة.
بالنسبة لدور الشريط المصور، لاشك أنها تجربة متعلمة، والطفل اكتسب هذه المقدرة من جهة ما، والخبرات السلبية يمكن أن تحول إلى خبرات إيجابية، دعيه مثلاً يسجل شريطاً آخر دون أن تشيري كثيراً إلى ذلك الشريط، دعيه يسجل شريطاً آخر يتكلم عن بطولات، يتكلم عن إنجازات، يتكلم عن أي موضوع آخر يحمل معاني طيبة ونبيلة ومحفزة للطفل، يجب أن يتم استبدال هذه المشاعر السلبية بمشاعر إيجابية من خلال استعمال نفس الوسيلة، وهي تجربة الشريط، ولكن بالطبع يكون المحتوى مغايراً جدّاً.
سيكون أيضاً من الجيد إذا قمت ببعض الجلسات الأسرية، اجتماع أسري مرة أو مرتين في الأسبوع، ويرأس هذا الاجتماع أحد أفراد الأسرة، ويمكن أن نؤكد على الطفل ليرأس أحد هذه الاجتماعات، هذه الاجتماعات تطرق فيها أمور خاصة بالأسرة، بالطبع أن نلاحظ المراحل السنية لكل طفل، ولكن يجب التركيز على هذا الطفل، هذا هو الذي أراه.
أسأل الله له التوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً