الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتئاب الناتج عن الوساوس القهرية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيراً على ما تقومون به من جهود جبارة.
دكتور محمد! حفظك الله.

أعاني بداية من الوساوس القهرية مع بعض الأفعال القهرية، وأظن أنها هي التي سببت لي الاكتئاب بجانب التفكير بكل شارده وواردة، والوقوع في أسر ماضي الشيطان الظالم أعاذنا الله منه ومن وساوسه.

حاولت يا دكتور! أن أجد عيادة نفسية أو طبيباً نفسياً يشخص حالتي تشخيصاً دقيقاً، ولكن لم أجد، وقرأت عن الوساوس القهرية فوجدتها في نفسي كلها، لدرجة أنني وصلت -والعياذ بالله من الشيطان الرجيم- للتشكيك فيما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم بالدين وأمور جعلت من بعض الناس ملاحدة، حتى بدأت أقرأ في كتب الفلسفة الإسلامية لأعرف الله سبحانه وتعالى على يقين.

وقرأت عن الاكتئاب فأنا مكتئب منعزل صعب الاندماج مع الناس نوعاً ما، ولدي برود أمام الناس، لدرجة أنني أحياناً لا أنطق كلمة واحدة طول الاجتماع، عصبي سريع الاستفزاز، أي شيء يستفزني، وإن أردت أن أتخذ قراراً لأمر ما فهي المعاناة بعينها.

وقرأت عن الرهاب فأنا خجول جداً خجلاً لا يتفق مع عمري الحالي.
في الزواج وساوس أخرى وصلت إلى أنني لا أطيق من زوجتي أي شيء، وإنما مشاجرة، لدرجة أنني أحياناً لا أستطيع أن أحصل على حقي، أي شخص ينظر إليّ أشك أنه يريد المشاجرة أو قصده الانتقاد أو بصراحة قد يريد النظر إلى زوجتي! فأنا غيرتي مرضية وشديدة، فتزيد نبضات قلبي بشكل ملحوظ، وارتباك وتلعثم، وكما تعلم يا دكتور قد تحصل بعض المواقف التي تحتاج إلى حزم، أعاني من تشتت الذهن، وعدم الثقة بالنفس.

أخذت قبل فترة البروزاك وأوقفته لما أصابني من يأس وأنه غير مفيد، ثم الساليباكس وأوقفته ولم أستمر على أي منهما لمدة شهر أو شهر ونصف، وأحسست برعشة في الأطراف وتوتر، والميزة الوحيدة في البروزاك أنه قلل من نومي؛ لأني أنام أحياناً لساعات طويلة نوماً أشبه بالإغماء، فهل هناك ما هو قريب من البروزاك ولا توجد له أعراض جانبية ولا يزيد الوزن مثل الفافرين أو الأنافرانيل؟ لم أجرب هذين الدوائين، ولكن قرأت عنهما.

أتمنى منك يا دكتور! الاهتمام بأمري ولك مني الدعاء، أريد منك برنامجاً سلوكياً أقوم به.

وشكراً لكم، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فأنت لديك شيء من القلق النفسي، ولديك أيضاً شيء من الوساوس والخوف الاجتماعي، وهذه كلها متداخلة، ولا تدل على تشخيصات متعددة، إنما هي حالة واحدة متداخلة كما ذكرت لك، ويعرف عن الوساوس والقلق والتوتر والمخاوف أنها تؤدي إلى شعور بالإحباط، تؤدي إلى شعور بالكدر، وهذا نعتبره من الاكتئابات الثانوية، وليس اكتئاباً أساسياً، وبفضل الله تعالى فيما يخص العلاج الدوائي توجد الآن أدوية تعمل للتخلص من جميع هذه الحالات، ومن جميع هذه الأعراض، وهذا فضل من الله تعالى.

أخي الكريم! أنا أريدك أن تثق ثقة تامة في أن الأدوية مفيدة بإذن الله تعالى، والأدوية تتطلب الصبر؛ لأن فعاليتها من خلال الاستقلاب والبناء الكيميائي قد تستغرق وقتاً، يُذكر في كتب الطب أن هذه الأدوية تبدأ فعاليتها بعد أسبوعين، ولكن نعرف أن هنالك من لم يستفد من هذه الأدوية إلا بعد ثلاثة أو أربعة أشهر، فعليك بالصبر، وفي نهاية الأمر سوف تنتصر إن شاء الله تعالى.

لدي اقتراح أولي، وهو أن تتناول البروزاك مرة أخرى؛ فالبروزاك دواء مفيد جدّاً، ويزيد من الطاقات النفسية والجسدية، لكن هذه المرة نضع نوعاً من الترتيب الذي يعدل لك من فعاليته، ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة بعد الأكل لمدة أسبوع، وبعد ذلك ارفعها إلى كبسولتين، وفي نفس الوقت ابدأ في تناول دواء آخر يعرف تجارياً باسم (فلوناكسول) واسمه العلمي هو (فلوبنتكسول) تناوله بجرعة نصف مليجرام صباحاً ونصف مليجرام مساءً -أي حبة صباحاً وحبة مساءً -.
الفلوناكسول من الأدوية الداعمة جدّاً لفعالية البروزاك، كما أنه يزيل القلق والتوتر، وهو سريع الفعالية جدّاً وغير إدماني وغير تعودي.

استمر على جرعة الفلوناكسول لمدة ثلاثة أشهر، بعد ذلك خفضها إلى حبة واحدة في الصباح لمدة شهرين، ثم توقف عن تناوله.

أما بالنسبة للبروزاك فأقول لك أن الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك هي كبسولتان في اليوم، وهذه يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم يمكنك أن تتوقف عن تناول الدواء، هذا هو الاقتراح الأول والذي أفضله.

أما الخيار الثاني وهو أيضاً لا بأس به، فهو أن تتناول عقار فافرين؛ لأن الفافرين لا يزيد الوزن، كما أنه لا يؤدي إلى أي نوع من الصعوبات الجنسية، وجرعته المطلوبة هي أن تبدأ بخمسين مليجراماً - حبة واحدة - تناولها ليلاً بعد الأكل، ولابد أن يكون تناول هذا الدواء بعد الأكل لأنه قد يسبب عسرا بسيطاً في الهضم لدى بعض الناس خاصة في الأيام الأولى، وبعد عشرة أيام ارفع الجرعة إلى مائة مليجرام، وبعد شهر ارفعها إلى مائتي مليجرام، يمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة ليلاً أو تتناولها بمعدل مائة مليجرام في الصباح ومائة مليجرام في المساء، ومائتي مليجرام تعتبر جرعة علاجية معقولة جدّاً لحالتك، علماً بأن الجرعة العلاجية القصوى هي ثلاثمائة مليجرام في اليوم، ولكن لا أرى أنك في حاجة لهذه الجرعة.
استمر على جرعة المائتي مليجرام يومياً لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفض الجرعة إلى مائة مليجرام لمدة أربعة أشهر، ثم إلى خمسين مليجراماً يومياً لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
هذا بالنسبة للفافرين إذا كان هو الخيار الذي سوف تختاره، هذه الأدوية طيبة ومفيدة، لكن الذي أحتم عليه هو ضرورة أن تصبر عليها، وأن لا تيأس، وأن تدعو الله تعالى أن يجعل لك فيها خيراً، ويا أخي الكريم: لابد أن تتمسك بالآليات العلاجية الأخرى، ادفع هذه الوساوس، حقرها، لا تهتم بها أبداً، الخوف والرهاب ناقش نفسك (ما الذي يجعلني أخاف؟ ما الذي يجعلني لا أكون مقدماً ومتواصلاً مع الآخرين؟ أنا لستُ بأقل منهم) الاكتئاب ادفعه بالتفكير الإيجابي، لا تجعله يسيطر عليك من خلال التفكير السلبي ومشاعر الإحباط.
عليك بممارسة الرياضة، الرياضة فيها خير وذات فائدة كبيرة جدّاً، أكثر من تواصلك الاجتماعي، وكن فعالاً في عملك، هذا كله يساعدك في علاج هذه الحالة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً