الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأثير ظروف الحياة على الحالة النفسية وكيفية تجاوزها

السؤال

تحية طيبة من القلب لكل العاملين في الموقع، وعلى مجهودكم الكبير في مساعدتنا نحن الشباب، وإعطائنا الاستشارات والتوجيهات التي تساعدنا على تخطي الكثير من مشاكلنا اليومية، داعياً الله أن يجعل عملكم في ميزان حسناتكم.

اسمي أيمن، عمري (21) سنة، طالب في الجامعة، مشكلتي أني أشعر بالضيق من نفسي ومن طريقة حياتي، أصبحت لا أحب الدراسة، ولا أحب الذهاب للجامعة، مع أن مستواي كان ممتازاً في الماضي، أصبح مستواي الدراسي يهبط، لدرجة أني رسبت السنة الماضية، ورسبت في الترم الأول هذا العام في جميع المواد، أصبحت مهملاً في دراستي، ولم أعد أهتم بها.

أصبحت لا أشعر بطعم الحياة، وأشعر بالملل بسرعة، وأيضاً أشعر بالضيق من حياتي العائلية، مع العلم أني لم أشعر بمعنى أن يكون لدي عائلة؛ لأن حياتنا العائلية مفككة منذ صغري، فأبي وأمي منفصلان، لا أعرف أمي جيداً، ولم أشعر بحنان الأم من قبل، كنت أعيش مع والدي وأختي الصغيرة إلى أن كبرت، مع العلم أني مغترب منذ الصغر، والآن أبي متزوج من امرأة أخرى.

أنا أحترم أبي لأنه تعب في تربيتنا وتعليمنا، ولم يقصر في حقنا بأي شيء، ولكن دائماً أشعر بالفراغ، وبعدم الأمان، لا أعرف ماذا أفعل في حياتي، مشاعري مختلطة ولا أفهم معناها، وأنا أعرف أن الماضي أصبح ماضياً والتفكير فيه لن يغير شيئاً.

هل ما أشعر به من ضيق في داخلي وعدم رغبة في الدراسة له علاقة بوضعي العائلي؟ وأنا أعرف أني لست الوحيد الذي يعاني من مشاكل أسرية، وأحمد الله على كثير من النعم التي أنعم علي بها.

ما هو تشخيص حالتي؟ وكيف أكون حياتي الخاصة بعيداً عن الماضي؟ وما الذي أحتاجه لكي أنجح في دراستي وأشق طريقي في الحياة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أيمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن رسالتك ليست بالطويلة أبداً فهي معقولة جدّاً، وذكرت فيها الجوانب المهمة من حيث الأعراض التي تشتكي منها، وحاولت أن تربطها بأسباب التنشئة وما واجهته من صعوبات، ربما تكون ناتجة من انفصال الوالدين.

أيها الفاضل الكريم: بالنسبة للحالات النفسية عامة حينما نتكلم عن الأسباب، نجد من الصعوبة أن تكون هنالك أسباب حقيقية، ولكن نستطيع أن نقول إن هنالك عوامل، وهذه العوامل قسّمها أهل الاختصاص إلى عوامل مهيئة، ويقصد بها التكوينات الغريزية والجينية والوراثية التي ربما تجعل الإنسان عرضة للحالات النفسية، وبعد ذلك تأتي العوامل الحياتية، وهذه بالطبع ربما تلعب دوراً في ظهور بعض الأعراض النفسية إذا كان الشخص أصلاً لديه الاستعداد للحالة النفسية.

إذن نستطيع أن نقول إن الظروف الحياتية ربما تكون عاملاً، ولكن ليس بالضروري أيضاً أن تكون العامل الرئيسي أو الوحيد؛ لأن كثيراً من الناس عاشوا تحت ظروف سلبية جدّاً ولكن تجدهم بفضل الله تعالى قد نجحوا في حياتهم، ومستوى التوازن النفسي والاجتماعي والوجداني لديهم ممتاز جدّاً.

إذن يا أخي الأسباب والمسببات والعوامل لا يُنكر وجودها، ولكن ليس من الضروري أن تكون موجودة أبداً، أو حتى إن وجدت ليس من الضروري أن يكون أثرها سلبياً.

هنالك دراسة أجريت في بريطانيا منذ سنوات طويلة، وهي دراسة يُشار لها كثيراً، أجريت في جنوب لندن، وهذه الدراسات تحدثت عن أهمية افتقاد الأم، إذ أن الطفل إذا لم يعش في كنف أمه وافتقدها لسبب ما قبل سن الحادية عشرة، ربما يكون عرضة لحالات من القلق والاكتئاب النفسي في المستقبل، لكن كما ذكرت لك ليس من الضروري أبداً أن يكون هذا هو الوضع دائماً.

أرجعُ إلى حالتك وأقول لك إن الأعراض التي ذكرتها كلها تشير أنك تعاني من درجة بسيطة إلى متوسطة مما يعرف بالقلق الاكتئابي، لديك أعراض قلق، لديك أعراض عسر مزاج، وشعور بالكدر والإحباط، وافتقاد الدافعية وضعف الإنتاجية، وهذه مؤشرات على وجود حالة القلق الاكتئابي البسيطة إلى المتوسطة كما ذكرت لك.

أهم شيء لأن يعالج الإنسان نفسه في مثل هذه الحالات أن يتخلص من الأفكار والمفاهيم السلبية، ويبني أفكاراً ومفاهيم إيجابية جديدة، وأنت لديك كثير من الإيجابيات، فأنت في بدايات الشباب، وهذه السن من المفترض أن تستمتع بقوتك الجسدية والنفسية فيها، وأن تكون منتجاً، ولديك أب يُقدرك كثيراً، وأنت تشكر له جهده التربوي، وحتى والدتك وإن بعدت عنك، ولكن لا أعتقد أنها قد قصّرت في حقك بما تستطيع، وأنت الآن أصبحت رجلاً لديك استقلالية واعتماد على الذات، وكل هذه يجب أن تكون منطلقاً لك من أجل أن تكون منجزاً وأن تكون مفيداً لنفسك وللآخرين.

أيها الفاضل الكريم: أنا حقيقةً يهمني أمر الدراسة في حالتك، وكذلك حياتك الخاصة والاجتماعية، أن تكون مستمتعاً بها، أن تكون مرتاحاً، أن تكون مسترخياً، أن تكون متفائلاً، أن تكون متواصلاً اجتماعياً، فهذه الأمور مرتبطة ببعضها البعض، أي المتطلبات الأكاديمية والدراسية، وكذلك الحياة بصفة عامة.

وأفضل وسيلة حقيقة لتغيير حالتك هي:

أولاً التفكير الإيجابي كما ذكرت لك.

ثانياً: أن تستشعر أهمية الأمور، والدراسة إذا أعطاها الإنسان حقها وتفهم أهميتها ووضع هدفاً نصب عينيه لابد أن يصل إليه، استشعار أهمية الأمور هي التي تحسن الدافعية لدى الناس من أجل الإنجاز، وكل عمل يتطلب النية، فالعبادات لا تصلح بدون نية، وبقية أمور الدنيا من عمل حتى وإن كان بسيطاً إذا لم تعقد النية على ذلك العمل لن تقدم عليه، وحين تنوي على عمل شيء معين تتحسن لديك الإرادة وينطلق الفكر، وتجد أن الدافعية قد أصبحت في أفضل حالتها.

ثالثاً: إدارة الوقت بصورة صحيحة، النجاح مرتبط بإدارة الوقت، وإدارة الوقت تعني أن تدير وقتك بصورة يكون فيه التوازن بين متطلبات الحياة الاجتماعية والشخصية والدراسية والترويح عن النفس، وأخذ قسط كافٍ من الراحة، فالإنسان حينما يدير وقته جيداً سوف يكون منتجاً، سوف يكون راضياً عن نفسه، لذا أنصحك أن تكتب جدولاً يومياً وتلتزم به، أو يمكنك أن تتعامل مع نفسك من خلال خارطة ذهنية، تثبت فيها الأنشطة التي يجب أن تقوم بها خلال اليوم، ومن ثم تأتي وتراجع نفسك في نهاية اليوم ما الذي أنجزته وما الذي أخفقتُ فيه، وهكذا، وتحاول أن تصحح المسار في اليوم الذي يليه، وهذه هي الطريقة الجيدة والمضمونة لأن يكون الإنسان منتجاً وفاعلاً.

رابعاً: ممارسة الرياضة مهمة جدّاً لأي إنسان خاصة في عمرك، فهي تحسن الطاقات النفسية والجسدية.

خامساً: عليك بالقدوة والنموذج الصالح في الحياة، اجعل دائماً علاقتك وصداقتك مع أهل الدين والصلاح والخير والناجحين من الناس.

سابعاً: كما تفضلت وذكرتَ، الماضي انظر إليه كتجربة وعبرة، والمستقبل انظر إليه بأمل ورجاء، والحاضر عشه بقوة.

وأخيراً: يُسعدني جدّاً أن أصف لك أحد الأدوية المتميزة في علاج القلق الاكتئابي، ولا شك أن الدواء سوف يحسن من دافعيتك، وسوف يجعلك إن شاء الله تعالى يحسن بالراحة النفسية الداخلية، وهذه يجب أن تستفيد منها من أجل أن تدير وقتك بصورة جيدة وأن تكون منجزاً.

الدواء الذي أود أن أصفه لك يعرف تجارياً باسم (بروزاك) واسمه العلمي (فلوكستين) وهو دواء معروف جدّاً، ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، واستمر عليها لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها كبسولتين في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

يتميز البروزاك بأنه دواء فعال، بأنه دواء مفيد، أسأل الله تعالى أن ينفعك به، وأرجو أن تأخذ بالنصائح والإرشاد السالف الذكر، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً