الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطأ البعض في تصوره أن تدهور حاله الاقتصادية والاجتماعية بسبب التزامه وأخلاقه الحسنة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

عمري 31 سنة، من عائلة بسيطة جداً، أحب الخير لكل الناس، ولا أحب إيذاء حشرة، وكنت أداوم على صلاتي، كما عزمت أن أنشئ موقعاً لإعجاز القرآن بثلاث لغات، وأن أختم القرآن، حاولت أن أصلح حياتي وحياة عائلتي وأتزوج وأنشئ أسرة مبنية على حب الله وغير ذلك، لكن جرت الأمور عكس ما أردت، وخدعني أقرب الناس لي، وهم يصلون ويذكرون الله، وعندما تتصل على هاتفهم النقال تسمع دعاء القنوت في رنة الانتظار، لكي يوهموا الغير بمدى تقواهم وإيمانهم.

اليوم أنا بدون عمل ومدان، والغريب زاد علي المرض، وطلبت المساعدة باسم الأخوة الدينية فلم يستجب لي أحد، وأخذت منذ يومين قراراً، قررت أن أصبح مثل هؤلاء، بدون رحمة أو شفقة، كما قررت أن أترك الصلاة لأنها تمنعني من التغيير، المهم لن أكون منافقاً أصلي وأنافق مثل هؤلاء، وصراحة إن كان هذا بلاءً لأنني رجل طيب وأخاف الله دائماً - كما قال لي أحدهم - فلن يكون الأمر كذلك من اليوم فصاعداً، أطلب منكم معروفاً، منذ أن بدأت أصلي وأنا أدعو الله، وأموري تزداد تدهوراً، لهذا أطلب منكم أن تدعوا لي بأن تتحسن أوضاعي، وأن أحقق مبتغاي، وذلك في أقل ما يطلبه شاب أكان مسلماً أم لا، هذه هي المساعدة التي أطلبها منكم، الدعاء.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إلياس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فمرحباً بك أيها الحبيب في استشارات إسلام ويب بين آبائك وإخوانك، ونسأل الله تعالى أن يشفيك من مرضك وأن يفرج عنك كربك.

لا شك أيها الحبيب بأننا أدركنا جيداً أنك شاب تحمل في طياتك خيراً كثيراً، نحسبك كذلك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدىً وصلاحاً وتقىً، ودلائلنا على هذا كثيرة، منها هذه الاهتمامات الرائعة التي كنت تطمح في تحقيقها والوصول إليها في تقوية إيمانك وخدمة دينك.

ومن هذه الدلائل أيضاً بغضك لسلوك الإنسان ذي الوجهين الذي يتحلى بخلق في وقت وبضده في باطنه، وهذا دليل على أنك تبغض هذا النوع من الأخلاق المنافية لكمال الدين وتمام الإيمان.

ومن هذه الدلائل على الخير فيك أيها الحبيب مشاورتك لمن تثق فيهم دينياً، فأنت لم تُرسل إلينا إلا لثقتك فينا، وهذه الثقة منشأها ما تظنه فينا من التدين والصدق وحب الخير للناس، وثقتك في هذا النوع من الناس دليل أيضاً على وجود الخير في نفسك.

ومن هذه الدلائل أيضاً حرصك على طلب الدعاء.

فكل هذه الأمارات وهذه الدلائل أيها الحبيب دالة على أنك إنسان خيّر وفيك قدر إن شاء الله من الصلاح والاستقامة، ولهذا نحن على ثقة بأن الشيطان حريص على أن يصرفك عن هذا القدر من الخير الذي ساقك الله عز وجل إليه، فيعمل عدوك جاهداً على أن يُوقع في نفسك ما يُبغّض إليك سلوك الطاعة وطريق الاستقامة ويُرغبك بقدر طاقته في سلوك الطريق المضاد، ونحن نأمل إن شاء الله أن تكون عاقلاً حازماً مدركاً للمصالح على حقيقتها والمفاسد على حقيقتها، فتسلك الطريق التي تؤدي بك إلى السعادة الحقيقية.

ولهذا نحن نوصيك أيها الحبيب بوصايا، أول هذه الوصايا:

1) أن تدرك يقيناً بأن من يُقدّر عليك المصائب إذا نزلت بك مصيبة من مرض أو حاجة أو نحو ذلك، من يُقدر عليك هذه المصيبة هو أرحم بك من نفسك ومن أبيك وأمك، وهو الله سبحانه وتعالى، وسع كل شيء رحمة، وأنه سبحانه وتعالى لا يقدر عليك هذا المكروه الذي تكرهه إلا لما يريده سبحانه وتعالى لك من الخير من ورائه لكنك قد لا تدرك هذا الخير، وقد تكون غافلاً عنه، ولهذا ينبهنا الله تعالى في كتابه إلى هذه الحقيقة فيقول: ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ))[البقرة:216].

فما ينزل بك من البلاء وما ينزل بك من الضيق قد ابتلي به من هو خير منك وأحب إلى الله سبحانه وتعالى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد ابتلي بأنواع من الابتلاءات، والأنبياء من قبله كذلك، واقرأ القرآن بتدبر ستجد أن بعضهم أُصيب بالمرض في نفسه وفي أبناءه، وبعضهم شُرد من وطنه، وبعضهم قُتل، إلى غير ذلك من أنواع الابتلاءات، مع أن هؤلاء القوم هم أحب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم) ابتلاهم لماذا؟ ليرفع درجاتهم عنده في الآخرة، فإن الإنسان قد تكون له منزلة في الجنة لا يبلغها إلا ببلاء يُقدره الله عز وجل عليه فيصبر فينال تلك الدرجة، وبعضنا يُبتلى من أجل أن يُكفّر عنه ذنوبه وسيئاته.

فأي بلاء يُقدره الله عز وجل عليك أعلم جيداً بأنه تقدير الرحمن الرحيم، من هو أرحم بك من نفسك، وأنه لا يُقدره عليك إلا لخير يريده سبحانه وتعالى بك، فإذا أدركت هذه الحقيقة وتذكرتها على الدوام هانت عليك المصائب مهما عظمت.

2) ثم نوصيك ثانياً أيها الحبيب بأن تدرك بأن السعادة التي تبتغيها والاطمئنان الذي تريد الوصول إليه لن تصل إليه إلا بسلوك هذا الطريق الموصل إلى الله تعالى، فإن الحياة الطيبة بيد الله لا يستطيع أحد أن يمنحك هذه الحياة وأن يرزقك السعادة إلا الله، والله عز وجل قد وعد ووعد الله لا يتخلف، وعد أهل الصلاح والاستقامة والتدين الصحيح، وعدهم سبحانه وتعالى بالحياة الطيبة، قال: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً))[النحل:97].

3) ثم عليك أن تدرك – ثالثاً – أيها الحبيب: أن بعض الناس إذا انحرفت أخلاقهم فأظهروا للناس وجهاً وأبطنوا خلاف ذلك فإن هؤلاء ليسوا حجة على دين الله نترك الدين من أجلهم ويصير تديننا ردود فعل لتدينهم، فإننا مأمورون بالقيام بفرائض الله سبحانه وتعالى علينا وقد بيّن لنا سبحانه وتعالى بياناً شافياً الطريق الذي تُرضيه والطريق الذي توصل إلى سخطه، ثم بيّن لنا سبحانه وتعالى بأن كل واحد منا سيجازى على عمله القليل منه والكثير، قال سبحانه: ((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ))[الأنبياء:47] وقال سبحانه وتعالى: من عمل صالحاً ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا))[فصلت:46].

فلا تسمح للشيطان بأن يتسلل إلى قلبك فيوقع في نفسك من أنه لابد أن تعمل بخلاف ما يدعيه هؤلاء من التدين حتى تُنزل النكاية بهم، فهذا وحي من الشيطان عليك أن تجاهد نفسك وأن تدافعها للتخلص منها.

ثم نوصيك أيها الحبيب بالتعرف على الرجال الصالحين وهم كثر، فلا تيأس ولا تصب بالإحباط بسبب أنك تعرفت على بعضهم ولم يكونوا كما تظن، فإن أهل الخير ولله الحمد في هذه الأمة كثير، وعليك أن تبحث عن هؤلاء وستجدهم بإذن الله تعالى في المساجد وفي حلق العلم والذكر، فاصطف منهم واختر منهم وستجد بإذن الله تعالى فيهم الرفقة الصالحة، لكن لتكن هذه الرفقة لله وفيما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى، قد تجد من بعضهم الشح في أمور الدنيا، ربما لضيق أحوالهم، وربما لأنهم يعانون من مثل ما تعاني منه أنت، ولغير ذلك من الاحتمالات، لكن توجه إلى الله سبحانه وتعالى بأن يغنيك بفضله عن من سواه، وأحسن دائماً الظن بالله، والجأ إليه لجوء اضطرار، وأكثر من دعاءه سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه وتعالى بيده مقاليد السموات والأرض، قادر سبحانه وتعالى على أن يغنيك من فضله، وأن يبسط عليك رزقه، فأحسن بالله سبحانه وتعالى الظن، فإنه سبحانه وتعالى يقول: (أنا عند ظن عبدي بي) هكذا يقول عليه الصلاة والسلام عن ربه سبحانه وتعالى.

فنوصيك أيها الحبيب بتقوى الله تعالى والحذر من استدراج الشيطان لك بأن يوقعك في حبائله وشباكه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر أمورك وأن يقدر لك الخير ويبسط لك الرزق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً