الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة لفتاة فصلت من العمل مع سوء حالتها المعيشية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل من حق رئيس العمل فصل أي شخص من العمل إذا كان مقصراً في عمله دون أي إنذار؟ بالرغم من ظروفه الصعبة، واحتياجه لهذا العمل أكثر من الآخرين الذين يعملون في هذا العمل ولا يحتاجونه، حيث إني كنت أعمل في مكانٍ لمدة أربع سنوات، وقد قصرت في أداء عملي لأني كنت غير قادرة عليه، فقام صاحب العمل بفصلي، وقد قمت بالتحدث معه وأخبرته عن ظروفي الصعبة، وأني يتيمة ومحتاجة لهذا العمل بشدة، وأن يمنحني فرصةً أخرى أو ينقلني إلى أي مكان آخر يراه مناسباً وأقدر عليه، وكان يستطيع ذلك، ووعدني فعلاً بذلك بعد سماع ظروفي، وتعاطف معي، ولكنه أخلف الوعد في آخر لحظة، وأصبح قاسياً معي قسوةً لا أعرف سببها، وأصر على قرار فصلي من العمل، بالرغم من أنه يوجد في هذا العمل من لا يستحقه، وتوجد مجاملات، ويوجد من لا يحتاجه، ومع ذلك لم يقم بفصله! فلماذا أنا بالتحديد؟ علماً أني لا أستطيع مرةً أخرى الذهاب إليه والتحايل عليه أكثر من ذلك، فأنا صاحبة كرامة، خصوصاً أني سمعت أنه سوف يفصل زميلة أخرى أيضاً مثلي، وأنها كل يوم تدعي الله أن لا يفعل هذا بها، وأنها غير حاسة بالأمان.

فهل عمل الرؤساء هو قطع أرزاق الناس دون محاسبتهم؟ ودون مراعاة ظروف العاملين معهم؟ وهل أنا مظلومة أم مقصرة وأستحق ذلك؟ وهل قطع الرؤساء أرزاق الناس سهل عند الله؟ فالله سبحانه لم يترك شيئاً إلا وذكره في القران، فهل قطع أرزاق الناس فيه أية حرمة؟ وما هو دعاء المظلومين؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورهان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يفرج همك، وينفس كربك، ويرزقك من حيث لا تحتسبين.

وصيتنا لك أيتها الأخت العزيزة أن تتوجهي إلى الله سبحانه وتعالى بصدقٍ واضطرار وإحسان ظن به سبحانه؛ فإنه بيده مقاليد السماوات والأرض، وقد أخبرنا بأنه المتكفل وحده بأرزاق العباد، قال سبحانه وتعالى: (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ))[هود:6]، فالأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى، وخزائنه ملأى لا تغيضها نفقة، فتوجهي إليه سبحانه، وأحسني العلاقة به، وخير ما نوصيك به الاستغفار؛ فإن الاستغفار سبب أكيد لجلب الأرزاق، قال عز وجل: (( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ))[نوح:10-12].
ونوصيك بتقوى الله، بأن تؤدي فرائض الله تعالى عليك، وتجتنبي ما حرم الله، وتتعلمي شرع الله تعالى، فتعرفي ما أوجبه عليك وما حرمه، فإن تقوى الله تعالى من آكد الأسباب لتحصيل الأرزاق وتفريج الهموم، وإزالة الغموم والكربات، قال جل شأنه: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ))[الطلاق:2-3].

ونوصيك ثالثاً بالتوكل والاعتماد على الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصاً وتروح بطاناً).

لا تشغلي نفسك أيتها الأخت بفعل المخلوقين، فإن المخلوق لا يستطيع أن ينقص لقمة من رزق كتبه الله -عز وجل- لك، كما لا يستطيع أن يزيد في رزقك لقمة لم يكتبها الله لك، فالله -عز وجل- وحده المتصرف في أحوال الخلق، وهو الرزاق ذو القوة المتين، وإذا أدركت هذا الأمر، ووقرت في قلبك هذه الحقيقة، وكانت دائماً ماثلة أمام عينك؛ فإنك سوف تدخلين السعادة من أوسع أبوابها، فتوجهي إلى من بيده الأرزاق، وهو سبحانه وتعالى يهيئ للشيء السبب إذا أراد، فنحن ننصحك أيتها لكريمة بأن تقومي بهذه الخطوات في إصلاح علاقتك بالله، ثم تأخذي بالأسباب الممكنة المشروعة المباحة، وتبحثي عن عمل يناسب المرأة وتتمكن فيه من الالتزام بحجابها وتجنب المنكرات، وكوني على ثقة بأن الله سبحانه وتعالى سيجعل لك فرجاً ومخرجاً، وإن قدر عليك الضيق في الرزق بزمن معين، ولكن لكل أجل كتاب.

وأما هذا الرئيس في العمل الذي ذكرته فلا نستطيع أن نحكم عليه بأنه ارتكب ظلماً ما دمنا لا نعرف التفاصيل، وظاهر كلامك أنه إنما حصل لك بسبب تقصيرك، وهذا لا حرج فيه على المسئول، وإذا كان هذا العمل عملاً خاصاً فله الحق أن يستغني عمن يشاء من الموظفين إذا كان قد أتم له التعاقد الذي بينهما، والمسلم مربوط بالتزام العقود بينه وبين الخلق، كما قال سبحانه وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ))[المائدة:1]، فإذا أتم الإنسان العقد الذي تعاقد به مع الآخرين فإنه لا يوصف بعد ذلك بالظالم، ولكن ما كان ينبغي له أن يرفض معاونتك ومساعدتك بعد أن أظهرت له الاعتذار والعودة والإصلاح، ولكن إذا امتنع هو عن ذلك فإننا نبشرك بعظيم فضل الله تعالى وسعة عطائه وفضله، فتوجهي إلى الله سبحانه وتعالى، وخذي بالأسباب، وكوني على ثقة بأن الله سبحانه وتعالى سيحقق لك ما تتمنينه.
نسأل الله تعالى أن يسوق لك الأرزاق السهلة المباركة، وأن يقدر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً