الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دواء ناجع لاقتلاع الحسد من القلب

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أنا أعمل بشركة كبيرة في منصب ممتاز ولدي أسرة جميلة، وأنا سعيدة جداً بها، وأحمد الله عليها، وأؤدي صلاتي في وقتها وأحافظ على أورادي وعلى الاستغفار والصلاة على خير الأنام، وأقرأ كل يوم ما تيسر لي من كتاب الله الكريم.

رغم ذلك أشعر بحسد كبير في قلبي نحو صديقاتي في العمل، مثلاً: إذا حصلت مكافأة لزميلة لي أشعر بضيق شديد، وأرى أني أستحق هذه المكافأة أكثر منها، وأيضاً إذا حصلت إحدى زميلاتي على ترقية أيضاً أزعل بشدة، وكذلك في زيادة المرتبات، أرى أنها لا تستحقها، وأن وضعها المادي أحسن مني بكثير، وأنا أستحقها أكثر منها، رغم علمي أن الأرزاق بيد الله، وأن الرزق القليل إذا بارك الله فيه يكفي، وأشعر بضيق شديد من نفسي وأخشى محاسبة الله من هذا الشعور.

أريد أن أحب الخير لكل الناس وأفرح لهم ولكن لا أستطيع، رغم أني أكثر من الصلاة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) في اليوم أكثر من ألف مرة، وكذلك الاستغفار ألف مرة، وأكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وكذلك أكثر من قول: (حسبنا الله ونعم الوكيل) وقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) وأتصدق بما استطعت.

أريد أن أزيل هذه الخصلة السيئة من نفسي ولا أستطيع، أرجو مساعدتكم، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ س ب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فمرحباً بك أختنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، ونحن نشكر لك تألمك من هذا الحال الذي أنت فيه، وهذا إن شاء الله عنوان الخير ودليل الفلاح، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيدك هدىً وصلاحاً.

وابتداء نقول لك أيتها الأخت العزيزة: إن الحسد الذي ذمه الله عز وجل وذمه رسوله صلى الله عليه وسلم هو تمني زوال النعمة عن الغير، سواء تمناها الإنسان لنفسه أو تمنى مجرد الزوال، فهذا والعياذ بالله من لؤم النفس وفساد العقل وقلة الدين.

أما تمني نعمة مثل النعمة التي عند الآخرين فهذه غبطة وإن أُطلق عليها من حيث اللغة حسداً، فإنها ليست الحسد المحرم، وقد ندبنا الله سبحانه وتعالى ودعانا إلى أن نتمنى ما عند الله تعالى إذا رأينا خيراً عند الناس، فقال سبحانه وتعالى: ((وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ))[النساء:32]، فإذا رأى الإنسان نعمة في يد الآخرين فأحب أن يكون له مثلها فإن هذا ليس حسداً، وقد أرشدنا الله تعالى في هذه الآية إلى أن نتوجه إليه سبحانه وتعالى واهب النعم، فنسأله مثل ما أعطى غيرنا (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ).

فإذا كنت تشعرين بأنك تحبين أن يكون لك مثل ما أعطاهم الله تعالى فهذا ليس هو الحسد المذموم، أما إذا كنت تتمنين أن يزول ذلك عن الآخرين ويصل إليك أو تتمنين زواله عن الآخرين ولم يصل إليك، فهذا هو الحسد الذي يجب عليك أن تسارعي بعلاج نفسك منه.

وعلى كل حال فهناك دواء ناجع إن شاء الله يقتلع الحسد من القلب، مركب هذا الدواء من علم وعمل، أن يعلم الإنسان بقلبه أن أرزاق الخلق قد قدرها الله سبحانه وتعالى قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فكل ما يصيب الإنسان من خير ونعمة قد سبقت به المقادير، ومن ثم فليس له حاجة في أن يتمنى زوالها عن أحد، فإن هذا التمني لن يزيل هذه النعم، وإنما يعود عليه بالضرر فيُحرق قلبه بنار الحسد ويُذهب حسناته بهذه المعصية الكبيرة، ويوقع نفسه في أنواع الحسرات والآلام دون أن يضر المحسود بشيء، فإذا تذكر الإنسان هذه الحقائق وعلم أن هذه الآفة تجر له تعاسة الدنيا وتعاسة الآخرة، وأنه يعيش فيها في نار الدنيا ثم يتقلب بسببها -إذا لم يعفو الله عز وجل عنه- في نار جهنم، وأن هذا كله لن يضر هذا المحسود ولن يزيل نعمة هي في يده، إذا علم الإنسان هذه الحقائق كلها وتذكرها فإن هذا بإذن الله يدعوه إلى اقتلاع الحسد من قلبه.
وأما الجانب العملي فهو أن يتوجه إلى هذا المحسود بضد ما يدعوه إليه الحسد، فيتواضع لهذا المحسود ويدعو له، وبدلاً من أن يذمه يمدحه، وإذا ذُكر في مجلس ذكره بالخير، ونحو ذلك، فيجاهد نفسه على تقديم ضد ما يدعوه إليه الحسد، وهو إذا سلك هذا الطريق فإنه يجاهده لنفسه يعينه الله سبحانه وتعالى حتى يصير هذا دأباً له وعادة وخلقاً، وقد قال الله جل شأنه: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))[العنكبوت:69].

ثم العلاج العملي الآخر هو أن يتوجه هذا الإنسان إلى الله تعالى بالدعاء أن يشفيه من هذه الآفة وأن يرزقه مثل ما رزق غيره، فإن الله سبحانه وتعالى يده لا تغيضها نفقة، وهو سبحانه وتعالى مالك السموات والأرض بمن فيهنَّ وما فيهنَّ، فالذي أعطاهم قادر على أن يعطيك، فتوجهي إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء وبهذا سيزول هذا الداء العضال.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفينا جميعاً من الآفات وأمراض القلوب ومساوئ الأخلاق، وأن يهدينا جميعاً لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنا إلا هو، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • كندا محمدالبشير

    إن الذي سألت عنه الأخت لمن أهم الأشياء فإن كثير امن الناس يشعرون بمثل هذه الأمراض التي تنهي عنها الشريعة المطهرة ولايدرون سبيل النجاة منهاوأزيدها
    الزهدفي الدنياومحاولة تقليل الرغبةفيهاويتأتي ذالك بكثرةذكرالموت ومطالعة أبواب التي تتكلم عن الآخرةوذكر الجنة ونعيمهاوالناروعذابهاوجعل قصة عبدالحمان بن عوف نصب عينهامماإلي ذالك فإن الله تعالي بفضله يشفيها من هذاالمرض وهذاإضافة إلي ماذكرتم من الأدوية
    والله يعينناوإياها

  • ألمانيا مسلم من ألمانيا

    حسبنا الله

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً