الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من توجيه لمن ظنت أن قطار الزواج قد فاتها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً، درست ولله الحمد، والآن أيضاً أكمل دراسة الكمبيوتر، ولي نصيب من القرآن الكريم والحمد لله.

مشكلتي أنني أصبحت كثيراً أفكر بالزواج؛ ليس من أجل شيء ولكن أغلب زميلاتي تزوجن، والآن هن مع أولادهن، وأشعر بالدونية عندما أكون غير متزوجة، أنا أؤمن بالقضاء والقدر وأدعو الله، وعندي ثقة كبيرة في كل ما يعطيني وأنه كريم يستحي من عبده إذا رفع يده أن يردها صفراً، ولكن لا يعلم همي سوى الله.

والله إني أكتب والدموع تتساقط على خدي، فلا ينقصني جمال ولا طول ولا حكمة، ولكني أشعر بأني مكسورة، أريد زوجاً مثل زميلاتي اللاتي أسأل الله لهن التوفيق، وقد تعبت كثيراً من حالتي، وأشعر بهمٍ كبير جداً، وفي بعض الأوقات أقول في نفسي عندما يراني الناس ويقولون ما شاء الله على الجمال: أنتم شاطرين فقط بالكلام ولا يوجد شيء بعده.

ختاماً أسأل الله أن يرزقني الزوج الصالح، وأتملك في رمضان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أ_أ_أ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإننا نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر لك أمورك، وأن يرزقك الزوج الصالح، وأن يُسعدك في حياتك في دنياك وأخراك.

وقد أصبت أيتها الأخت حينما شغلت نفسك بشيءٍ من القرآن الكريم حفظاً وتلاوة؛ فإن هذا مما يعمر في القلب ذكر الله، وبه تطرد الهموم وتزول الغموم بإذنه تعالى، وأحسنت أيضاً حين رضيت بقضاء الله تعالى وآمنت به، وأحسنت ظنك بربك، فكل هذه المعاني هي السبب الأكيد في صنع سعادة الإنسان، ونحن نشعر بما تعانين من الشعور بالحاجة إلى الزوج والأولاد، وهذه حاجة كل امرأة كما هي حاجة كل رجل، ولكن نضع بين يديك جملة من النصائح نأمل من الله سبحانه وتعالى أن تكون محل اهتمام منك، وتأخذيها بجد وتعملي بها، وبها إن شاء الله سيزول كثيرٌ من الهم الذي تعانينه.

أول هذه النصائح أيتها الأخت: أن تتذكري دائماً المعاني التي تزيد فيك الإيمان بقضاء الله والرضا به، وتتذكري بأن الله سبحانه وتعالى رحيم، وأنه أرحم بهذا الإنسان من أبيه وأمه، فهو أرحم بك من نفسك، وأرحم بك من أبيك وأمك، ومن ثم فهو سبحانه وتعالى لا يقدر إلا ما هو خير لك، لكن الإنسان قد يجهل الخير ويتمنى شيئاً ويظنه خيراً، والله عز وجل يعلم أن الخير له في خلافه إما في دينه ودنياه وإما في آخرته، وقد قال سبحانه وتعالى: (( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))[البقرة:216]، فما قضاه الله عز وجل على الإنسان قضاه بحكمته وعلمه ورحمته، والرضا بهذا القضاء يرد الإنسان مقامات عالية عند الله تعالى في جنة الخلد.

فهذا أول ما ينبغي أن تفعليه، وهو أن تتذكري دائماً هذه المعاني الجميلة، وهي أن الله سبحانه وتعالى يقضي للعبد بحكمته ورحمته ما يُصلحه ويصلح دينه ودنياه وآخرته، قد يكون هذا المقدور فيما يكرهه الإنسان، لكن هذا المكروه علم الله سبحانه وتعالى أنه ينطوي على كثير من الخير، وتأخير الزواج عنك قد يكون لهذا المعنى العظيم، فكم نعرف نحن من النساء من تأخر زواجها وكان في تأخير زواجها خيرٌ كثير لها.

النصيحة الثانية: نوصيك بأن تتركي المقارنة بينك وبين زميلاتك، فليس صحيحاً أن أقدار الحياة تجري على المقارنة بحيث أن هذا الإنسان ينال مثل ما ناله زميله أو صديقه أو قريبه، فهذه ليست مقارنة صحيحة، فإن الله عز وجل يقسم أرزاقه في الناس ويقسم عطاياه في عباده، فيعطي هذا ما لا يعطي هذا، ويعطي هذا ما لا يعطيه الآخر.. وهكذا، وهذه المقارنة لن تزيدك إلا همّاً وغمّاً، والأحرى بك أن تتجنبي هذه المقارنة؛ فهي ليست صحيحة بالإطلاق، ولن تستقيم على حال، فأنت كما ذكرت تتمتعين بجمال وتعليم وحكمة وخلق ودين، ونحن نعرف وأنت تعرفين الكثير من النساء من لا تتوفر فيها هذه الصفات تزوجن، وكم من قبيحة شكل وكم من قبيحة خلق تزوجت وأنجبت، إذن هذا ليس معياراً للمقارنة بينك وبين زميلاتك، فلا تحزني ولا تبتئسي حين ترين بعض النساء قد تزوجن وأنت لم تتزوجي بعد، فهناك الملايين من النساء لم يتزوجن بعد، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا في الحديث الصحيح إلى أسلوب آخر للمقارنة، هذا الأسلوب هو الذي يورث الرضا في النفس ويطرد عنها الهم والغم، وهو أن ينظر الإنسان دائماً إلى من دونه - إلى من تحته - فأنت إذا شئت أن تعرفي نعمة الله عليك وفضله عليك فانظري إلى النساء اللاتي أُصبن بالكثير من المصائب إما في بدنها وإما في مالها وإما أولادها وإما في أقاربها، فكم من امرأة لم تتزوج وهي مع هذا طريدة شريدة وحيدة لا تجد من يُنفق عليها ولا تجد ما تأكله، وهذا كثير وليس شيئاً قليلاً.

فهذه هي المقارنة التي ينبغي للعبد أن يتأمل فيها دائماً، وهي أن ينظر في دنياه إلى من تحته، إلى من هم أقل منه، وبهذا سيعرف فضل الله تعالى عليه وعطاؤه له.

النصيحة الثالثة: الابتعاد عن المثيرات والمذكرات بالزواج، نوصيك أن تبتعدي عن ما يذكرك بالزواج من المناظر، سواءً كانت أشياء مسموعة أو مرئية، وأن تشغلي نفسك بالشيء النافع لك في دينك ودنياك بتعلم شيء ينفعك في الدنيا أو الدين، وتشغلي أوقاتك بما ينفعك، فالنفس إذا كانت فارغة فإنها تشغل صاحبها بكثير من الباطل وتجلب له أنواعاً من الهموم، وقديماً قالوا: "هي النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل".

نوصيك بأن تجتهدي في أنواع العبادات، والتقرب إلى الله تعالى، وتحسين العلاقة به، فإن هذا هو مفتاح الفرج، وأكبر أسباب جلب الرزق، وهو نافع لك في دنياك وآخرتك، ولن تندمي على شيء إذا بذلت فيه وقتاً في قراءة القرآن، في نوافل الصيام، في نوافل الصلاة، في نوافل الذكر ونحو ذلك، فهذا ليس وراءه ندامة، بل سعادة كل السعادة.

الوصية الرابعة: نوصيك بالأخذ بأسباب الزواج ما أمكنك، فإن الله سبحانه وتعالى يقدر الأقدار ويقدرها بأسبابها، وإذا كان الله عز وجل قد قدر شيئاً فإن الأخذ بالسبب اليسير يوصل بإذن الله تعالى إلى هذا المقدور، وهنالك أسباب ينبغي لك الأخذ بها:

أول هذه الأسباب: الاستغفار والإكثار منه، فإن الاستغفار من أعظم أسباب الرزق، فأكثري من الاستغفار صباح مساء، والهجي به، واجعليه ديدن لسانك؛ فإن الله سبحانه وتعالى وعد المستغفرين بالأرزاق، كما قال سبحانه وتعالى: (( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ))[نوح:10-12] وتجنبي معصية الله تعالى فإن المعاصي سبب الحرمان من الأرزاق.

السبب الثاني: التوجه إلى الله تعالى بالدعاء في أوقات الإجابة. توجهي إلى الله واسأليه بصدق واضطرار، فإن الله سبحانه وتعالى يجيب دعوة المضطرين، ومع هذا الدعاء في أوقات الإجابة وتحري الأسباب التي تُقبل بها الدعوة، وتحري الأوقات، وتحري الهيئات بأن يكون الإنسان ساجداً وأن يكون مستقبلاً القبلة، وفي الثلث الأخير من الليل ونحو ذلك، مع هذه الأسباب نوصيك إحسان الظن بالله، يعني في وقت الدعاء ينبغي أن تكوني حسنة الظن بالله، وأنه سبحانه وتعالى قدير على أن يرزقك هذا وأنه لو علم الحكمة فيه والخير لك فيه فإنه سيفعله، فإنه لا يعجزه شيء، وهو كما قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي).

السبب الثالث: نوصيك بالتعرف على النساء الصالحات وحضور أماكن اجتماعهنَّ، فإنهنَّ من أعظم المعين على الحصول على الزوج الصالح، فتستعيني بهنَّ، ولا بأس بطرح قضيتك على الثقات منهنَّ لمساعدتك، فكثير منهنَّ لهنَّ أقارب يريدون الزواج فإذا عرفن فيك الدين والخلق وصفنك لمن يرغب في الزواج.

السبب الرابع: طلب المساعدة من محارمك الذكور - إن أمكن ذلك - إن كان لك إخوان أو أعمام أو أخوال أو نحو ذلك، فلا بأس بأن يعرض الرجل قريبته على من يتوسم فيه الخير إذا كان يريد الزواج.

هذه بعض الأسباب التي يمكن من خلال الأخذ بها الوصول إلى المقدور إذا كان الله عز وجل قد قدر لك ذلك عاجلاً، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى كما قلت لك في أول الكلام قد يؤخر الزواج لكثير من النساء ويكون في هذا التأخير خير لها وهي لا تشعر بذلك، فنوصيك بتحسين العلاقة بالله، والرضا بقضائه، والإكثار من ذكره واستغفاره، فإنه سبحانه وتعالى قريب مجيب، نسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يقضي حاجتك وأن ييسر أمورك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً