الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رأيت فتاة وأحببتها لكنها لا تزال صغيرة

السؤال

أنا عمري 17 سنة، رأيت بنتاً وأعجبتني وبدأت أفكر فيها، وقلبي يخفق بمجرد التفكير بها، حتى أني لا أستطيع نسيانها، أي: 24 ساعة أفكر فيها، المشكلة أن عمرها 14 أي بقي لها 3 سنوات لتذهب للجامعة، وأنا بقي لي سنة واحدة.

إضافة إلى أني لا أعرف أصارحها بحبي أم لا؛ لأنه كما تعرف هي لا تقبل تكلم أي شاب؛ لأننا هكذا تربينا، فأرجو المساعدة!


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماهر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحباً بك في استشارات إسلام ويب بين آبائك وإخوانك، ونسأل الله تعالى أن يطهر قلبك، ويحصن فرجك، وأن يتولى أمرك، ويصلح لك دينك ودنياك، ونحن - أيها الحبيب - نريد أن نضع بين يديك نصيحة قد تكون ثقيلة على نفسك، لكنها بلا شك ولا ريب الطريق إلى سعادتك، فمن ثم فنحن نتمنى أن تجاهد نفسك للعمل بها، فليس كل ما يريده الإنسان فيه صلاحه، كما أنه ليس كل ما يكرهه الإنسان بخلاف ذلك، فالنفس تهوى وتتمنى، وكثيراً ما يكون ما تهواه وما تتمناه منطوٍ على مفاسدها وهلاكها؛ ولهذا فنضع بين يديك نصيحة المحب لك المشفق عليك الذي يتمنى لك السعادة.

نقول - أيها الحبيب - هذا الحب الذي أصبت به لهذه الفتاة حب ناشئ عن النظر إليها، فإذا كنت قد نظرت إليها وكررت النظر فإن هذا الحب ناشئ عن معصية ومخالفة لأمر الله تعالى الذي أمر بغض الأبصار، بقوله تعالى: (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ))[النور:30] وإذا كان كذلك فالواجب عليك أن تسارع لمداواة نفسك والتخلص من هذا العشق لهذه الفتاة، ولا شك ولا ريب عندنا بأن خير ما يداوى به العشق الزواج لمن كان يقدر عليه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لم ير للمتحابين مثل النكاح) أما إذا كان غير مقدور أو لا يزال بينه وبين الإنسان أمدا، كما هو الحال بالنسبة لك فيما نظن؛ فإن المتعين عليك هو أن تأخذ النصيحة التي سنضعها بين يديك وتبدأ بالعمل بها والالتزام بما فيها لتطرد عن نفسك التعلق بهذه الفتاة لا أن تبدأ في التفكير في كيفية إيصال حبك لها أو إعلامها بذلك، فهذا لن يزيدك إلا ضرراً على ما أنت فيه، كما أنه سيفتح عليك بابا يدخل منه الشيطان إليك فيفسد عليك دينك ودنياك.

فنحن نحذرك من أن تقع في حبائل الشيطان، وقد حذرنا الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان، فقال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ))[النور:21]، فالشيطان له خطوات يدعو الإنسان للوقوع في هذه المعصية بهذه الخطوات، تبدأ نظرة، ثم كلمة، ثم موعدا ولقاء، ثم ما فوق ذلك، وكلها معاص ومخالفات تستوجب غضب الله تعالى، وغضب الله لا تقوم له السموات والأرض، فاحذر كل الحذر من أن يجرك الشيطان إلى الوقوع في سخط الله تعالى عليك.

أما كيف تعالج نفسك وتداوي قلبك لتخليصه من هذا الحب الذي وقع فيه، فأنت لا تزال في أول الطريق، وبإمكانك بإذن الله تعالى أن تصل إلى العلاج المرجو المأمول، وتعمل بما فيه بسهولة ويسر، وقد كتب العلماء كثيراً حول مرض العشق، وكيف يعالج الإنسان نفسه من ذلك، وبالغوا في النصيحة لمن كان يريد لنفسه السعادة وتخليصها من الشقاء، وفساد الحال.

أول هذه الخطوات لمعالجة العشق: إذا كنت لا تستطيع الزواج بهذه الفتاة - كما قلنا في أول الأمر - فإن العلاج يبدأ أولاً: بشغل هذا القلب بمحبة الله تعالى؛ فإن العشق مرض من أمراض القلوب لا يتمكن إلا في القلوب الفارغة، أما إذا وجد قلبا مشغولا بمحبة غير هذا المحبوب فإن هذا المرض يخف وطأة على القلب، ويسهل معالجته، فتفكر أنت بنعم الله - سبحانه وتعالى - عليك، وإحسانه إليك، فهذا يدعوك لمحبة الله تعالى، تفكر في جمال هذه المخلوقات التي حولك، والله تعالى هو الذي خلقها بهذا الجمال، فهو أجمل منها وأكمل، وهذا يدعوك أيضاً إلى حبه - سبحانه وتعالى - حاول أن تربط علاقات بالرجال الطيبين الصالحين، فتحبهم في الله، وتجالسهم، وتنتفع بهم، فحبهم سيشغل القلب أيضاً عن حب من عداهم، هذا جزء من العلاج، وهو محاولة شغل القلب بالمحبة لمحبوبات أخرى تزاحم ذلك المحبوب والاشتغال به.

ومن الأدوية التي ينبغي لك أن تفعلها، أن تتفكر في اليأس من هذا المحبوب إذا كنت لا تستطيع التزوج بهذه الفتاة، فاستحضر اليأس منها، والنفس عادة إذا يئست من الشيء تناسته واستراحت منه، فإذا لم تفعل النفس هذا فينبغي لك أن تحاورها بعد ذلك بعقلك، وأن تناقش هذه المسألة بعقل بعيداً عن الحب والعاطفة، وتقول لها ما فائدة التعلق والحب للشيء الذي لا مطمع في حصوله؛ فإن التربويين يقولون هذا نوع من الجنون، وصاحبه بمنزلة من يعشق الشمس وروحه متعلقة بالصعود إليها والدوران معها في فلكها، وهذا معدود عند العقلاء في زمرة المجانين، فالنفس إذا حاورها العقل بهذا النوع من الحوار ويأسها من هذا، وأن التعلق بعد ذلك بالشيء الذي لا يمكن الحصول عليه ليس من عادة العقلاء؛ فإن هذا يطرد عن القلب التعلق بذلك المحبوب.

ثم هناك دواء يلي هذا، وهو أن تتفكر في نفسك بالمصالح العظيمة التي يفسدها هذا النوع من التعلق، فإن الفكر إذا اشتغل بهذا، والنفس إذا انشغلت بهذا الحب فاتها كثير من المصالح في الدين والدنيا، وجلب إليها ذلك التعلق أنواعاً من المفاسد، فإذا تفكر الإنسان في مفاسد عديدة تصل إليه، ومنافع كثيرة، ومصالح عظيمة تفوته، فإن كان عاقلا فإنه لا يرضى لنفسه بهذه الحال، ثم بعد هذا كله وقبله خير ما يستعين به الإنسان هو صدق اللجوء إلى الله تعالى، والتوجه إليه بصدق واضطرار، وسؤاله أن يصرف عن نفسه هذا التعلق، وأن يهديه سبيل الرشاد، ويشغله بما ينفعه في دينه ودنياه، فإذا علم الله تعالى من الإنسان الصدق في الدعاء والاضطرار فإنه سبحانه وتعالى يجيب دعوة المضطر إذا دعاه.

هذا أهم الوسائل التي يمكن أن تعينك في محاولة التخلص من هذه الآفة العظيمة، وهي تعلق القلب بالفتيات أو النساء، وهي آفة عظيمة لو تفكرت في عواقبها ونتائجها، ولهذا فنحن ننصحك - أيها الحبيب - أن تجاهد نفسك للأخذ بهذه الخطوات، وتجنب كل الخطوات التي يدعوك الشيطان إلى اقتحامها من خلال التفكير بكيفية إيصال ما في نفسك لهذه الفتاة أو فتح قنوات اتصال بها أو نحو ذلك، فكل ذلك من حبائل الشيطان التي يريد من خلالها جرك إلى ما لا تحمد عاقبته.

ونسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويقيك شر نفسك.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا انوار

    ‏‎ ‎ليست مشكلة لان الحب ليس عيبا وانا عن نفسي عمري15 افهم هذا الشعور وسبق وان احببت شخص انامعك لان تقول لهاانك تحبها

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً