الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخجل والخوف من الأكل مع الناس.

السؤال

السلام عليكم..

فأنا أشكو من حالة نفسية سببت لي اضطراباً عند البلع، مع صوت غريب، وجفاف، وكثرة بلع الريق، وكأن في حلقي كرة؛ مما سبب لي الإحراج عندما أتناول الطعام مع أهلي وأصحابي، وأنا أتجنب الأكل والكلام أو الجلوس أمام أحد، وأفضّل الوحدة.

في البداية زرت أطباء نفسيين وأعطوني أدوية مهدئة، وسألت أحد الأطباء عن هذا الضيق في الحلق فقال لي: لديك توتر، وبالأدوية سوف تتحسن، مرت شهور وسنون ولم أتحسن، شعرت بالهم والغم كل هذه السنين، حتى صرت متعباً جداً، وكرهت نفسي، ولم أعد أحس بقيمة الحياة.

أرجو منكم أن تصنفوا حالتي ما هي، وإرشادي للعلاج لكي أكون إنساناً طبيعياً يتواصل مع الناس بدون خجل ولا خوف.


وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فحالتك حالة بسيطة - إن شاء الله - فأنت تعاني من قلق المخاوف، وهذا النوع من المخاوف نسميه بالرهاب الاجتماعي، والذي تعاني منه من رهاب هو من درجة بسيطة، فالرهاب في الحقيقة نوع من القلق، والقلق له مكونات نفسية ومكونات جسدية، فالمكون النفسي هو الشعور بعدم الارتياح في بعض المواقف الاجتماعية التي تتطلب المواجهة، وأنت يأتيك هذا الشعور بالحرج عند تناول الطعام مع أهلك، وهذا موقف اجتماعي، كما أنك تتجنب الكلام أو الجلوس مع الآخرين وتفضل الوحدة، هذا أيضاً موقف اجتماعي، وإن كان موقفا عادياً فالشعور بالخوف والشعور بتفضيل التجنب، وكذلك الشعور بأنك سوف تفقد السيطرة على الموقف، أو أن الآخرين سوف يسخرون منك هو الجانب النفسي.

أما الجانب العضوي أيها الأخ الفاضل الكريم فهو الشعور بالانقباضات العضلية الذي يؤدي إلى هذا الشعور بالغصة، أو كأن هنالك كرة في البلعوم كما وصفته، وكذلك الشعور بجفاف في الفم، وصعوبة في بلع الريق، هذه كلها ناتجة من التقلصات العصبية ومن نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي، وكل هذا نسميه بالحالة النفسوجسدية، إذن أخي الكريم حالتك ليست عضوية إنما هي حالة نفسية، وهي من الحالات البسيطة.

السبب في مثل هذه الحالات ربما تكون قد تعرضت لموقف حدث لك فيه خوف، حتى وإن كان هذا الخوف من درجة بسيطة، ولكنه ظل مخزوناً ومتمركزاً في عقلك الباطني، ومن ثم أدى إلى ظهور هذه الأعراض، أرجو أن يكون هذا التفسير مقنعاً ومريحاً لك، وهو من وجهة نظري جزء من العلاج.

العلاج يتمثل أخي الكريم في التجاهل، وسوف تقول، بالطبع: كيف أتجاهل وأنا أحس بكل هذه الأعراض؟ أقول لك: نعم إذا فكرت أن هذا مجرد قلق سوف تبدأ في تحقيره، والإنسان إذا حقر الشيء سوف يتجاهله ولن يعطيه أي قيمة، قل لنفسك: لماذا أخاف؟ لماذا أقلق؟ كل هذه الأعراض التي أتتني هي من القلق؛ ولذا لن أقلق وسوف أواجه كل هذه المواقف الاجتماعية، أنا آكل أمام الناس هذا أمر عادي، الناس تذهب إلى المطاعم والمتنزهات وتتناول الطعام دون أي حرج فلماذا أنا؟ وهكذا.

أجر هذا الحوار مع نفسك، وسوف تصل إلى قناعات إيجابية جداً، هنالك أيضاً تمرين سلوكي مهم وهو أن تتصور في خيالك أنك تجلس مع عدد كبير من الناس وتتناول الطعام، مثلاً إذا كان ذلك من خلال دعوة أو وليمة ما، عش هذا الخيال بكل قوة وبكل تركيز، وخيال آخر يجب أن تعيشه، وهو أنك جالس مع مجموعة من الأصدقاء أو حتى من الغرباء وبدأت تتحدث في مواضيع معينة وأصبح الناس ينصتون إليك بكل تركيز، هذا موقف خيالي مفيد جداً لكن عليك بالتركيز.

موقف خيالي آخر تصور أن الناس قد طلبوا منك أن تصلي بهم في جماعة، عش هذه الخيالات بتركيز، وليس المهم أن تعيش الخيال فقط، ولكن أن تطبق، مثلاً عند الصلاة بالناس في جماعة تصور نفسك أنك قد وقفت في موقع الإمام وسوف تكبر تكبيرة الإحرام وتبدأ بالقراءة، وتصور أن هذه الصلاة صلاة جهرية، وابدأ بقراءة الفاتحة ثم شيء من القرآن، قم بتطبيق ذلك عملياً، وإن كان الموقف موقفاً خيالياً، فهذه التمارين علمية ومهمة وضرورية، وإذا طبقها الإنسان بصورة كاملة سوف يجد فيها خيراً كثيراً.

أخي الكريم! طور مهاراتك الاجتماعية الأخرى، مارس الرياضة مثل كرة القدم مع مجموعة من أصدقائك، اذهب لحضور حلقات التلاوة، اشترك في الأنشطة الاجتماعية والشبابية من خلال هذا التمازج، ومن خلال هذا التفاعل الاجتماعي تجد أن الخوف والرهاب الاجتماعي قد تمت محاصرته تماماً، وسوف يزول إن شاء الله، نحن نركز كثيراً على تمارين الاسترخاء، وتمارين الاسترخاء فيها فائدة كثيرة جداً للناس، فأرجو أن تطبقها، وهذه التمارين بسيطة، يمكنك أن تجلس في غرفة هادئة وتخفض الإضاءة، ويجب أن تستلقي على سرير أو تجلس على كرسي مريح، أغمض عينيك بعد ذلك فكر وتأمل في حدث جميل وسعيد حدث لك في حياتك ثم قم بأخذ نفس عميق وبطيء عن طريق الأنف، اجعل صدرك يمتلئ بالهواء، بعد ذلك أمسك الهواء في صدرك، ثم أخرج الهواء بكل قوة وبكل بطء عن طريق الفم، هذا التمرين كرره خمس مرات متتالية بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء لمدة شهر، وبعد ذلك طبقه مرة واحدة في اليوم لمدة شهر، وأنا على ثقة أنه سوف يكون مفيداً لك جداً.

هنالك أيضاً تمارين استرخائية للعضلات، قم مثلاً بشد عضلات البطن ثم بعد ذلك بإطلاقها وارتخائها، اقبض على عضلات راحة اليدين بشدة حتى تحس بالألم، وخاطب نفسك داخلياً قل: (أنا الآن أقوم بشد يدي وأحس بالألم) بعد ذلك قم بإطلاق اليدين، وقل: (الحمد لله، الآن أنا في حالة استرخاء تام) وهكذا بالنسبة لمجموعة العضلات الأخرى، عضلات الصدر، عضلات القدمين والرجلين وهكذا، هذه تمارين فاعلة ومفيدة، وأنت بالذات تعاني حقيقة من تقلص كثير في العضلات ناتج من هذا القلق الذي تعاني منه، وهذه التمارين تعتبر بالنسبة لك مفيدة جداً.

خط العلاج الآخر هو العلاج الدوائي، والأدوية تفيد - أيها الفاضل الكريم - وأنا أود أن أنصحك باستعمال دواءين، الأول يعرف باسم فلونكسول واسمه العلمي فلوبنتكسول، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة نصف ملجرام، تناولها في الصباح، استمر عليها لمدة 3 أشهر بعد ذلك توقف عن تناول هذا الدواء، والفلونكسول لا يعتبر العلاج الرئيسي إنما هو العلاج المساعد.

والعلاج الرئيسي الذي أريدك أن تتناوله هو العقار الذي يعرف باسم زيروكسات، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة 10 ملجرام، تناوله اليلاً بعد الأكل، استمر عليها لمدة أسبوعين ثم ارفع الجرعة إلى حبة كاملة واستمر عليها لمدة 6 أشهر، ثم خفضها إلى نصف حبة يومياً لمدة شهرين، ثم نصف حبة يوماً بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول هذا الدواء، ويجب أن يكون هنالك التزام قاطع بتناول هذه الأدوية في وقتها وبالجرعة التي وصفناها، وأرجو أن تطمئن تماماً؛ لأنها أدوية سليمة وفاعلة وغير إدمانية.

أخي الكريم! بقي أن أقول لك أنه لابد أن تبحث عن عمل، العمل مهم جداً للإنسان، وهو وسيلة من وسائل التأهيل الاجتماعي والوظائفي، ويجعل الإنسان يحس بقيمته، وفي نفس الوقت يعطيك الفرصة للتفاعل مع الآخرين، ويطور من مهاراتك على جميع الأصعدة، وهذا بالطبع من أفضل أنواع العلاج.

وأخيراً: أرجو أن تطبق هذه الإرشادات التي ذكرناها لك، وتأخذها كرزمة واحدة لا تطبق بعضها وتجهل البعض؛ لأنها تتكامل مع بعضها البعض، وإن شاء الله ستكون النتائج رائعة جداً، وأسأل الله لك الشفاء والنجاح والتوفيق والسداد، وأشكر لك التواصل مع إسلام ويب.

وللاستفادة يرجى الاطلاع على هذه الاستشارات حول علاج الخجل سلوكياً 267019 - 1193 - 226256 - 259955

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • تونس بلال الفالح

    شكراً جزيلاً لطارح السؤال كأنك تحكي عني سبحان الله....وشكراً للمجيب عن السؤال فقد استفدت كثيراً...

  • الجزائر ام حيدر

    نفس الذي اعانيه و مازد الطين بلة الوسواس القهري الذي دمر حياتي

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً