الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التعامل مع بعض المخالفات التي تظهر على الأبناء أثناء التربية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي أرهقتني كثيراً حتى أنني لم أعرف أنام، وكرهت كل شيء، ولدي أهتم بتربيته جداً - ولله الحمد - وكل من حولي يشهدون بذلك، بل ويعد من الأطفال المميزين، حتى أن بعض الآباء يطلب من زوجته أن ترى كيف أربي ولدي هذا، وتستفيد مني، وهذا أولاً وأخير من فضل الله، وأنا أدعو الله دائماً أن يحفظ ابني، ويجعله من الصالحين، ومباركاً حيثما كان، ولكن حصل موقف لم يكن في البال، والحمد لله على كل حال.

عمره 4 سنوات وشهران، وبسبب وجودي في أمريكا أدخلنا التلفاز، وطلبنا من الشركة المسؤولة عن التلفاز أن تكون أفلام كرتون فقط، وقلت: حتى يغير طفلي الجو؛ لأنه ليس لديه أصدقاء، ومنها أجدد له نشاطه، أنا أحفّظه القرآن، حتى أني أطلب منه خفض الموسيقى وأشجعه على ذلك، وأقول: الذي يخفض صوت الموسيقى له حسنات أكثر.

في يوم من الأيام كنت في مكان وولدي أمام التلفاز، ثم أتى عندي يقول: أمي أمي رأيت حاجة ليست حلوة (وسخة)، بنتاً وولداً - عفواً - وعندما ذهبت للتلفاز إذا به فلم إباحي، أغلقت التلفاز، وقلت له بكل هدوء، ولا أدري كيف نزل عليّ الهدوء! فقلت له: هذا غلط، وهم كفار، مصيرهم بفعلهم هذا نار جهنم، وشرحت له قليلاً جداً، وقلت: لعله أن ينسى، ودعوت الله، وقلت: يا الله إنني أحفّظ ولدي القرآن، وأهتم في تربيته تربية خالصة لوجهك الكريم، وأجعله ينسى ماشاهده. ولكن عندما جاء وقت النوم أخذت أقص له قصة، ثم جاء دوره يقص علي قصة في ثنايا قصته، قال لي أن أحمد الذي في القصة ضغط التلفزيون على قناة قبيحة - غلط عليه - ثم أكمل القصه بأشياء أخرى.

طبعاً لزوجي دور في ذلك، فقد حدثه عن النار، وعن مصير من يفعل مثل هذه الأفعال، وكان بأسلوب غير مباشر، ولكن لم أحب أن أطيل عليكم، وقد أطلت!

سؤالي: هل تعاملي كان صحيحاً أم خطأ؟ ما نصيحتكم لي؟ وهل ممكن أن ينسى مع الوقت؟ وعندما يسأل ابني عنها فبماذا أجيب؟

عفواً أطلت عليكم، ولكن أسأل الله أن يجعل لكم من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً، وأرجوكم ساعدوني فأنا محتاجة جداً لمساعدتكم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ص حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - جل جلاله - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وفي ولدك، وأن يثبتكم على الحق، وأن يحفظك وذريتك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يعينك على تربية أبنائك تربية صالحة طيبة مباركة، وأن يجعلهم قرة عين لك في الدنيا والآخرة، وأن يوفقك لأداء رسالتك على الوجه الذي يُرضيه، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة - من أنك مجتهدة في تربية ولدك تربية طيبة، ويشهد بذلك كل من حولك من الجيران والمعارف، وتجتهدين في تحفيظ الولد القرآن الكريم، ولكن نظراً لطول الوقت أحببت أن تحدثي نوعاً من التغيير في حياتكم، فأدخلتم في بيتكم التلفاز، وطلبتم من الشركة المشاركة في أفلام كرتون عادية ليس فيها أي مخالفات ولا تجاوزات، ولكن قدر الله تعالى أن الولد جاءك في لحظة يخبرك بأن هناك تصرفات غير طبيعية، وأن هناك ولداً وبنتا يفعلون أشياء غير حسنة، ففوجئت بوجود فلم إباحي، وقمت بعد ذلك بتغييره وحاولت السيطرة على الموقف، وبعد ذلك حاولت أن تفهمي ولدك أن هذا الكلام ليس صحيحاً، إلى غير ذلك، وفي القصة الليلية التي تحكينها له قبل النوم بدأ يحكي لك أيضاً قصته كما جرت العادة، إلا أنك فوجئت أنه يُدخل في القصة جزءاً من هذه الأشياء التي رآها، ويقول بأن أحمد الذي في القصة ضغط بالغلط على أحد أزرار التلفاز فخرجت هذه الصور التي ما كان يريدها، ثم أكمل القصة.

وأنت تسألين: هل تعاملك كان صحيحاً؛ حيث إنك تعاملت بهدوء جدّاً، ولم تثوري، ولم تنفعلي انفعالاً شديداً، وتسألين: هل كان تصرفك صحيحاً أم خطأً؟

أقول لك: لقد كان تصرفك صحيحاً بنسبة مائة بالمائة؛ لأن الولد عندما تحدثين أمامه نوعاً من الجلبة أو نوعاً من الضجيج، ونوعاً من ارتفاع الصوت، وأحياناً قد يتعدى ذلك إلى الضرب، أنت بذلك تجعلينه لا يفهم ما المراد منه وما هو المطلوب؛ لأنه لا يستطيع أن يميز أولاً ما بين الصواب والخطأ بسهولة التي تتصورينها، ثانياً على ذلك هو سيحفظ هذا الرد السلبي الذي تفعلينه إلا أنه لن يُقلع، ولن يتوقف عن هذا، بل إنه أحياناً قد يواصل عملية المخالفة حتى يراك وأنت منفعلة، وأنت في حالة من عدم الاستقرار إلى غير ذلك.

فأنا أرى أن ما فعلته كان صواباً؛ لأن ولدك فوجئ بتصرف لعله هو الذي فعلاً ضغط على زر التلفاز، فخرجت هذه الصورة غير مقصودة، وهو قطعاً حريص على أن يرضيك وعلى أن يكون كما تريدين، والدليل على ذلك أنه جاءك وأخبرك بما حدث، فهو - ولله الحمد - متفاهم ومتفاعل، وهو أيضاً معك في نفس الخط، وهو لم يتعمد ذلك يقيناً، وبذلك أنت تشجعين ذلك فيه، وأتمنى أن تشكرينه أيضاً على هذا الموقف حتى تشجعين فيه مسألة المبادرة إليك كلما رأى شيئاً غير طبيعي.

فتعطينه حافزاً، وتقولين له: (أنا أشكرك جدّاً ولدي على أنك جئتني عندما رأيت هذا الشيء السيئ، وأنا أتمنى كلما رأيت شيئاً أن تأتيني) ومن الممكن أن تقيمي له حفلة بسيطة أو أن يخرج إلى أحد النزهات، وأن تصرحي له: (أتدري لماذا أنا أفعل ذلك؟ لأنك فعلت كذا وكذا) حتى تنمي فيه جانب الرجوع إليك عندما يرى شيئاً غير طبيعي.

وأيضاً تقولين له بأن الله يحبك لأنك استطعت أن تجيء إليَّ حتى أستطيع أن نغير هذه الأشياء معاً، فأنا أحبك، والله تعالى يحبك، والملائكة يحبونك، حتى تقوين فيه مسألة الرغبة في تغيير المنكر، وأيضاً المقاومة والقدرة على مقاومة التصرفات السلبية، وحتى تبني فيه الخشية من الله تعالى.

أنا أرى أن ما فعلته صواباً، وأنصح بأنه كلما حدث هناك شيء من ذلك فإن هذا التعامل بهذه الكيفية أعتقد أنه تعامل مناسب؛ لأن أربع سنوات سن لا يجوز فيها الضرب شرعاً، ولا تربوياً أيضاً؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - عندما قال: (واضربوهم عليها لعشر) بالنسبة للصلاة، ثبت علمياً فعلاً بأن هذه السن هي التي من الممكن أن يتأثر فيها الطفل بالضرب، أما قبل ذلك فهو لا يعرف ما هو الضرب، ولا يعرف لماذا يُضرب، وإنما قد تتحول عنده إلى نقطة سلبية في حياته.

كذلك أيضاً تقولين: هل من الممكن أن ينسى هذا التصرف مع الوقت؟
أقول لك: مع الأسف الشديد ثبت علمياً أن أي تصرف يحدث أمام الأطفال لا يمحى من الذاكرة مطلقاً، وهذا الموقف قد دخل بخيره وشره إلى ذاكرة الإنسان أو عقله الباطن، وسيظل موجوداً يخرج عند وجود دواعيه التي تؤدي إليه.

إلا أن المطلوب منا أن نجتهد بأن يظل الجو نظيفاً، وأن يظل الجو نقياً، وأن تظل التربية بهذا المستوى من التوجيه، حتى إننا بذلك نجعل هذا الموقف الذي حدث كأن لم يحدث؛ لأنه الآن هذا الموقف موجود في ذاكرته، وهذه الصور التي رآها كما ذكرت لن تُمحى؛ لأنه ثبت علمياً أن الأطفال حتى وإن كانوا من أبناء شهور كل ما يرونه ويسمعونه تحفظ عندهم في ذاكرتهم، ثم بعد ذلك يخرج في الوقت المناسب.

عندما يسأل ابني عن هذه الأشياء فماذا أُجيب؟

أقول لك بارك الله فيك: تقولين له بأن هذه التصرفات هؤلاء الناس دينهم ضعيف، وهذه الأشياء عندهم يرونها أنها شيء عادي، أما نحن فقد أكرمنا الله تبارك وتعالى بالإسلام، والإسلام يدعو إلى الفضيلة، ويدعو إلى النظافة، ويدعو إلى وجود هذه الأشياء في البيئة المناسبة، يقول: ما هي البيئة المناسبة؟
نقول له: عندما - إن شاء الله تعالى - تكبر سنستطيع أن نتفاهم معاً لبيان كل هذه الأمور بوضوح، وسوف أزودك بالمعلومات المناسبة واللازمة لهذه الأشياء.

بهذه الطريقة قد خرجنا من المنعطف، وجعلنا الأمور تكون تحت السيطرة، ولا تخرج من أيدينا بإذن الله تعالى.

أوصيك بمراجعة هذه الجهة أو الشركة التي دفعت إليكم بجهاز التلفاز، ومحاولة المعالجة مرة أخرى؛ لأن هذا الأمر قد يحدث من باب حب الاستطلاع لدى ولدك، فإنه قد يفكر مرة أخرى، خاصة وقد وجد منك اهتماماً وغير ذلك، فهو قد يحتاج لهذا الاهتمام مرة أخرى بصورة سلبية؛ لأنه لا يستطيع أن يفرق، فقد يضغط على الزر ليرى؛ ولذلك اجتهدي مرة أخرى في مراجعة هذه الشركة، واطلبي منهم فعلاً تشفير كل هذه القنوات، وحاولي أن تجربي بنفسك أيضاً، وزوجك أيضاً يجرب، حتى نتأكد من أن هذه أصبحت غير موجودة، وتلقائياً سوف تضعف في الذاكرة، وستكون شيئاً في طي النسيان بإذن الله تعالى.

وكما ذكرت هي لن تمحى مائة بالمائة، وإنما ستكون شيئاً من الأشياء المهملة الملقاة في أدراج العقل الباطن، وتظهر عند وجود دواعيها، واعلمي - أختي الكريمة بارك الله فيك - أن أي جهد تبذلينه أنت مأجورة عليه من الله تبارك وتعالى؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل تربية الأبناء مسئولية الآباء؛ ولذلك قال سبحانه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ))[التحريم:6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل راع مسئول عن رعيته).

أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك وأن يبارك فيك، وأوصيك بالدعاء لولدك، والإكثار من ذلك؛ حتى يبارك الله تبارك وتعالى فيه؛ فإن دعاء الوالد لولده يرفعه، كما دعا إبراهيم عليه السلام لأبنائه، وكما دعا هو وإسماعيل عليهما السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يحفظك وزوجك وأبناءك وسائر المسلمين المهاجرين هناك بما يحفظ به عباده الصالحين.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً