الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزوجة تسيء إلى أهل زوجها ووصل الأمر إلى الطلاق

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه.
أنا مهندس ومتزوج منذ 17 عاماً ولدي 3 بنات وولد، أكبرهن 14 سنة، وأصغرهن 8 سنوات.

بدأت حياتنا بهدوء في منزل والدي ولكن انقلبت الأمور بعد فترة وجيزة نتيجة لاختلاف المفاهيم بينها وبين أهلي، فأصبحت دائمة الشكوى من أهلي، وتفسر كل التصرفات والأقوال بأسوأ الاحتمالات، حاولت التوفيق بينهم ولكن لم أجد عندها الاستعداد لذلك.

بعدها انتقلنا للعيش بعيداً حتى أتفادى الاحتكاك بينهم، ولكن الأمور لم تهدأ، حيث استمرت في القيل والقال، ولا تتقبل حتى زيارتهم لنا، انتقلنا للعيش في مكان عملي بأبوظبي ولكن لم تهدأ الأمور حيث استمرت في القيل والقال عبر التليفون.

زوجتي إنسانة طيبة عندما تكون هادئة وتتحمل مسؤولياتها كاملة بأكثر من طاقتها، حيث أنها تتحمل مسؤوليات البيت والأطفال وحيدة عندما أكون بعيداً في العمل، حيث أنني أعمل بنظام المناوبة الشهرية، شهر عمل في المناطق البحرية وشهر إجازة، وتنقلب الحياة إلى جحيم بمجرد ورود ذكر أهلي بأية مناسبة.

حيث تبدأ بالإساءة إلى أهلي بأسوأ الألفاظ وتبدأ بسرد إهانات تقول أنها طالتها من أهلي منذ 15 عاماً، وبعضهم تولاهم المولى منذ سنين، وتطلب الطلاق وأنا أرفض ذلك، وأريد أن يصلح حالنا، والإهانات والإساءات التي تتحدث عنها معظمها مبنية على أقاويل يصعب إثباتها أو تقديم سوء النية في تفسير التصرفات، مما يوحي بأن هنالك توجّها بإبعادي عن أهلي.

أنا لم أتجاهل شكواها وأناقشها بكل جدية مع الأطراف المعنية ووضعت النقط على الحروف وعملت لأنصفها وأنصف أهلي بكل نزاهة حيث لا مصلحة لي من دونهم حسب تحليلي، كانت تريدني أن أحضر أهلي أمامها وأحاكمهم وهذا ما لا يجوز، لقد أساء البعض من أهلها إساءة بالغة دفعتني إلى الانتقال إلى أبوظبي، ولكنها لم تعترض على هذه الإساءة التي تمسّها أيضاً، وتمارس علاقتها معهم بصورة عادية وتريدني أن أقبل بالأمر الواقع.

ورغماً عن هذا فأنا لم أحاول أن أجرحها بترديد هذه الواقعة كما تردد هي، وشتان ما بين الاثنين في درجة الإساءة وإثباتاتها، حاولت الإصلاح عن طريق أهلها ولكنها لا تتقبّل نصحاً من أحد.
مشكلتي في الآتي:
1. لا أستطيع التفاهم معها حيث أنها تتحدث بالصراخ ولا تستمع قط، وعندما أسألها: ما هي المشكلة، لا أجد جواباً غير تكرار سرد مسائل ترددها منذ 15 سنة، وبعض المعنيين بها ماتوا منذ سنين، وهذا بالطبع مدعوم بسيل من الشتائم لهم ولي.
2.تسيء إليّ وإلى أهلي بصورة دائمة حتى أمام الأطفال والآخرين، ولا تستثني حتى الميتين منهم.
3.أصبح أطفالي يتضررون من هذا الوضع.
4.لا تريدني أن أتواصل مع أهلي بأي شكل من الأشكال.
5.لا تريد أطفالي أن يتواصلوا مع أهلي.
6.ترفض قطعاً أن أقدم أي نوع من المساعدات إلى أهلي (أنا أقدم مساعدة شهرية لوالدي المتقاعد وأبناء أخي اليتامى ولأبويها ) ولكنها لا تعترض على أي مساعدات أقدمها لأهلها.
7.كل من خالفها الرأي هو عدوها.
8.تطلب الطلاق في كل هذه المواقف المفتعلة.
9.لا تتقبل النصح من أبويها عندما يتم ذلك أمامي، رغم أنني على قناعة بأنهم سلبيون ويجارونها الرأي في حالة عدم وجودي.
10.تريد أن تحاسبني على كل الأقاويل التي تصل إليها عن أهلي الموجودين على بعد آلاف الأميال دون وجود أي احتكاك مباشر بينهم، ولا تريد أن تفهم بأنني لست مسئولاً عن تصرفات أو أقوال الآخرين، لديها قناعة تامة بأن كل مقولة سيئة عن أهلي هي صحيحة.

أنا إنسان ملتزم تجاهها وتجاه أولادي وأقوم بواجباتي الزوجية على أكمل وجه، وأعاملها بالحسنى، وأسعى جاهداً لإصلاح هذه العلاقة واستقرارها، نصحتها كثيراً وتحملت إساءاتها ليس ضعفاً مني ولكن لتفادي التصعيد، وبذلت كل الجهد لإصلاحها بكل الطرق ولكن دون جدوى.

أشعر وكأنني وصلت إلى طريق مسدود ولكن لا أريد أن أستسلم حرصاً على عدم تشتيت هذه الأسرة.

أرجو أن تفيدوني وأن تنصحوني ماذا أفعل معها؟
أرجو أن يكون نصحكم لي أو لها مدعماً بالدليل من القرآن والحديث الشريف وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو حاتم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هذه الزوجة تخطئ بالإساءة إلى أهلك، وتحفر مقبرة حياتها الزوجية بيدها، وذلك لأننا نعتقد أن الإساءة لأهل الشريك من أخطر المهددات للحياة؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يستمر على تحمل مثل تلك الإساءات.

والرجل مأمور بالإحسان إلى والديه وأرحامه، ومأمور كذلك بعدم الظلم لزوجته، ونحن نشكر لك الاحتمال لأهلها والإحسان إليهم، فإن الشر لا يدافع بالشر، ولكن (( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ))[المؤمنون:96].

ولست أدري ما هي نوعية المشاكل؟ وهل توافقها على أن من أهلك من أخطأ عليها؟ وهل هي من الأقرباء أو الجيران أم هي غريبة عنك؟ وما هي مشاعر أهلك نحوك ونحوها؟

وقصدي من هذه الأسئلة أن نتعامل مع الواقع الفعلي، وأن نعالج الأشياء الأساسية، ونصحح الأشياء التي تدخل الشيطان فيها فحملت على غير وجهها، وفهمت بخلاف مراد فاعلها، كما نتمنى أن تحاول فهم نفسية المرأة، فإن المرأة إذا اشتكت من شيء لا تريد حلولاً أو مناقشة، ولكنها تحتاج لمستمع يخفف ويشجع ويتفاعل، فشجعها وأشعرها بالأهمية واطلب منها أن تحتمل لتنال الأجر، وخوفاً على مصير أولادها، واشكرها على مواقفها الإيجابية، وأظهر إعجابك بجوانب تميزها، ولا تثني على أهلك أمامها، ولا تثني عليها كذلك بحضور أهلك، فإن في النساء عموماً غيرة شديدة، وخاصة الزوجة التي قد تفهم من إشادتك بالأخريات على أن في ذلك تنقيصاً لها.

وليس من الضروري أن ترد عليها حال هيجانها وأمام أبنائها، ولكن إذا خلوت بها فذكرها بمن يعلم السر وأخفى، وخوفها من رب يجازي كل نفس بما تسعى، وردد على مسمعها حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (إن المرء ليتكلم بالكلمة الواحدة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في النار سبعين خريفاً أو يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض) وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أومحاسبون نحن بما نتكلم به يا رسول الله فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).

وأرجو أن تحاول أن تخفف من آثار ما تقوم به على أطفالك، وذلك بأن تحاول إبعادهم في لحظات كلامهم عن أهلك، وتجتهد في توضيح الصورة لمن له قدرة على فهم الوضع، وبتربيتهم على الكف عن أعراض الناس، وعرفهم بفضل صلة الرحم، ووضح لهم أن والدتهم طيبة، ولكنها تظلم أهلك وأنتم مأمورون باحترامها وبالإحسان إلى أرحامكم، واعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا خير في امرأة تنهاك عن صلة رحمك وتخطئ جداً إذا وافقتها على ذلك! فإن النبي صلى الله عليه وسلم بالغ في تهديد قاطع الرحم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع) وذكرها بأنها سوف تجني ثمار ما تقوم به، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ولا توقف مساعدتك لأهلك المحتاجين مهما حصل منها، فإن في الاستجابة لرغبتها تضيع للحقوق.

وإذا كانت لا تتقبل النصح من والديها فاعذرها، واعلم أن ذلك جزء من طبيعتها وسلبياتها، وعليك بأن تأخذ بما يظهر لك من مشاعر أهلها فقد أعذر من أرضاك ظاهره.

ولا يخفى عليك أنه ليس للصبر نهاية، وأنه نصف الإيمان، وأن الله سبحانه وعد أهله جزاء عظيماً، وحاول أن تتذكر إيجابيات هذه الزوجة ولا تتوقف عن تذكيرها بالله، وبأليم عقابه، وإذا تكلمت على أهلك فلا ترد عليها، وأظهر لها عدم رضاك، وحاول أن تتخذ معها من الوسائل ما يردعها كأن تخرج من حجرتها وتمتنع عن طعامها، ولا تقدم على وسيلة إلا بعد أن تتأكد من جدواها وفائدتها، فإذا كان ذلك يزيد النار اشتغالاً فلا تفعل ذلك، ولا أظن أهلك يتضررون كثيراً، وهم على البعد، وكل كلمة تظلمهم بها سوف ينالون مقابلها من حسناتها بين يدي الله، فاتق الله واصبر عليها ولا تتعجل بطلاقها، فإن أطفالك يتضررون جداً من الفراق.

وحاول أن تشغلها بالخير والطاعات، وتبين لها خطورة الغيبة والنميمة وسوء منقلب الظالمين والظالمات، واجتهد في ربطها بالصالحات، واذهب إلى أماكن العلم والقرآن وساعدها وعاونها على طاعة الرحمن، وأصلح ما بينك وبين الله ليصلح الله لك أهلك ويغفر لك ذنبك، وأما أحوج من صبر إلى أن يصابر ويتقي الله ويحاول.

وبالله التوفيق والسداد.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً