الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رد المظالم إلى أهلها بعد التوبة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
سوف أسأل ثلاثة أسئلة أولاً: أنا والحمد لله بعد أن هداني الله التزمت من حوالي سنتين، وأقلعت عن تعاطي المخدرات والحمد لله، تعالجت والتزمت وأعمل حالياً في وظيفة جيدة، ولكني قبل الالتزام أخذت أموالاً من أشخاص على أن أردها إليهم، وهذا ما لم يكن في نيتي طبعاً؛ لأني كنت أنوي أن أشرب بهذه الأموال.
وذلك كان بعد فترة بسيطة من البداية ثم وصلت إلى أن أصبح همي كله أن أحصل على المال حتى ولو بطريق السرقة، ولكن ذلك كان تحت تأثير الإدمان، وسؤالي هو: هل علي أن أرد هذه الأموال حيث أني لم أكن في كامل الوعي؟ وكيفية ردها؟ مع العلم أني لا أعلم كم هي هذه الأموال بالضبط ولكنها كثيرة.
ثانياً: كلما جاهدت نفسي لقيام الليل لا ألبث ثلاثة أيام أو أربعة ثم يبدأ إيماني بالنزول 10 أيام أخرى وهكذا حالي.
وسؤالي: عن الاختلاط في عملي فأنا أعاني من هذا الأمر وغصباً عني يجب أن أتعامل مع النساء في عملي، سواء من الموظفات أو العملاء، وتأتي أيام أغض فيها بصري وأقلل التعامل على قدر المستطاع، وفعلاً أنجح بعض الأيام ولكني أقع بعد فترة، ثم أجاهد مرة أخرى حتى أقوى مرة ثانية، ولكن فترة الوقوع تكون أطول من فترة الثبات، وإني أظن أن هذا سبب إحساسي أن إيماني مريض أو ضعيف.

وسؤالي: هل أترك العمل؟ - يعني هل العيب من مكان عملي أم أني أستطيع بالمجاهدة أن أثبت ويزيد إيماني؟ مع العلم أني ملتزم بالصلاة في المسجد، وأحضر دروساً، وأقرأ في أمور ديني، وأحاول دعوة أهلي وأصحابي على قدر المستطاع، ولكني لا أشعر بزيادة في إيماني.

ثالثاً: أشعر ببعض الحقد والغيرة في قلبي، فما السبيل للقضاء على هذا الشعور؟ مع العلم أنه يكون أحياناً لإخوة لي في المسجد أو لأشخاص آخرين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فهنيئاً لك بالتوبة، ونسأل الله لنا ولك الثبات حتى الممات، وأبشر فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وشكراً على هذه العزيمة والإصرار على التصحيح، ومرحباً بك بين آبائك والإخوان، الذين يفخرون بأمثالك من الشباب الذين هجروا الغواية والعصيان، وإذا كان بإمكانك أن تبدأ في رد ما تستطيع من حقوق الناس فعجل بفعل ذلك، واجتهد في طلب العفو عن الأخطاء إذا لم يسبب لك ذلك شيء من الحرج، وثق بأن الناس إذا علموا بتوبة الإنسان ورجوعه إلى طاعة الرحمن غالباً ما يبادروا بالعفو عنه ومسامحته على ما حصل منه، والخير باقٍ في هذه الأمة، ولله الحمد والمنة.

أما بالنسبة للأموال المسروقة، فيمكن إرجاعها بطريقة خفية تفادياً للإحراج، وحتى لا يتسبب ذلك في مشاكل بالنسبة لك، فربما زعم بعضهم أنك سرقت أكثر وأكثر، وربما اتهموك بما لم تفعله من الجرائم.

وأرجو أن تعلم أن الأمر في كل ذلك حسب استطاعتك ولو طالت المدة، وإذا علم الله منك الصدق أعانك على سداد ما عليك، وكتب لك التوفيق في حياتك، وسخر لك العباد ليكونوا في عونك ومساعدتك، ونحن نتمنى أن تجد من المؤسسات الخيرية والنفوس الكريمة من يعينك على السداد، فإن الله أمرنا بالتعاون على البر والتقوى.

وإذا كانت المبالغ غير معلومة فقدم وقدم حتى تظن أنك قد أديت ما عليك، ثم أكثر من الإنفاق في أبواب الخير بعد ذلك، وأبشر فإن الله وعد من ينفق بأن يخلف له وما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم اعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم اعط ممسكاً تلفاً.

أما بالنسبة لحرصك على قيام الليل، فهذا يدل على ما في نفسك من الخير، ونسأل الله أن يوفقنا لقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين، وشرف المؤمنين، وعمل المتقين، والموصل إلى رضوان رب العالمين، وبالقيام يزداد إخلاص المخلصين، وتصفو قلوب الموحدين، ومما يعينك على القيام بعد توفيق القدوس السلام ما يلي:

(1) اللجوء إلى من بيده التوفيق والخير وهو على كل شيء قدير.

(2) الاجتهاد في الطاعات والبعد عن المعاصي والسيئات، فإن الموبقات تقعد وتمنع من فعل الخير، وهكذا قال الحسن البصري لمن زعم أنه لا يستطيع أن ينهض للصلاة فقال له: "قيدتك الذنوب".

(3) النوم على طهارة ونية صادقة وذكرٍ وتوبة.

(4) إعطاء الجسم حظه من القيلولة، وتجنب السهر وعدم امتلاء البطن.

(5) عدم تكليف النفس ما لا تطيق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وهذا تمثيل بديع ضربه رسولنا لمن يكلف النفس فوق طاقتها ثم يفتر ويتوقف.

(6) صدق العزيمة وقوة الإرادة.

أما بالنسبة للاختلاط؛ فنسأل الله أن يلهم القائمين على أمور المسلمين حتى يعملوا على إبعاد النساء عن المؤمنين، فنحن ندفع – بكل أسف – ثمن هذه المخالفة مع شروق كل شمس وغروبها.

واعلم أن المؤمن مطالب بغض بصره، فإن النظر سهم مسموم، وإذا كان السهم مسموماً فإنه يتلف الجسد والنظر يتلف القلب – والعياذ بالله – وقد وجدت في نفسك حلاوة طاعة الله بغض البصر، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه لذة في القلب ونجاحاً في الحياة وسعادة.

ونحن نتمنى أن تجد عملاً فيه بعد عن النساء، وحتى يحصل لك ذلك اجتهد في غض البصر، واحرص على مراقبة الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وواصل حضور الدروس، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، ولا تتوقف عن الدعوة إلى الخير، فإنها توصلك إلى ما تريد، وأخلص لله في دعوتك وعملك.

أما بالنسبة لما تجده في نفسك من الحسد؛ فاجتهد في قمعه وكتمه، ولا تحوله إلى غيبة أو نميمة أو أذية، واعلم أنه لا يخلو جسد من حسد، ولكن المؤمن يخفيه والمنافق يبديه.

وإذا حسدت فلا تبغي، وأكثر من الدعاء لإخوانك وتمنى لهم ولنفسك الخير، ولا تعترض على قسمة الله بين عباده.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر محمد داهش

    بارك الله فيكم وجزاكم كل خير ووفقكم اليه

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً