الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترك المرأة لخطيبها الذي يبحث عن راتبها

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

أنا فتاة كنت متزوجة ومن ثم تطلقت، تقدم لي الكثير من الشباب حتى وافقت على أحدهم بعد أن ألح كثيراً في طلبي، بالإضافة إلى أنه وافق على كل شروطي بدون استثناء؛ حيث أني استخرت الله ولكني كنت أرى في المنام السفر وفيه مشقة كبيرة، ولكن في النهاية تحل هذه المشقة كأنها لم تكن، وأصحو من نومي مرتاحة ففسرت لي بأن المشقة قد تكون زوجي الأول والراحة هذا الشاب.

يبدو أن التفسير لم يكن صحيحاً...كما أن والدي تساهل معه كثيراً من حيث المهر وغيره بحيث لم يكلفه كثيراً، فأبي رجل متدين، ولكن - يا سيدي - استغل تساهل والدي معه واعتبر أنه عيب فينا.


بعد خطبتي منه بدأت أكتشف أنه خطبني من أجل راتبي، وأنه يريده بالكامل بحيث لا يحق لي أن أتصرف بقرش واحد منه بدون إذنه؛ بحجة أن الرجال قوامون على النساء، فأبلغته بأني مستعدة أن أتحمل مصروفاتي الخاصة من لباس وغيره بالكامل ولن أطلب منه شيئاً.

ثم إني مستعدة أن أساهم في نفقات البيت بجزء أيضاً، لكن إذا توفر جزء بسيط من راتبي فهو توفير لأولادنا من عثرات الزمان، لكنه رفض وبشكل قوي وقال بأن هذا الجزء المتبقي من حقه، وهو المسئول عن كيفية إنفاقه، وبصراحة أنا رافضة الأمر حيث لا أستطيع أن أتصور أن أحدهم يريدني لراتبي فقط، فأنا إنسانة قبل كل شيء، ومن ناحية أخرى فهذا الشاب لديه معتقدات أشعر وكأنها من العصر الجاهلي؛ فهو لا يؤمن بأن المرأة يجب مشاورتها في شيء، فلا يحق لها أن تبدي رأيها حتى في شئون البيت.

وفي حال أي خلاف في وجهات النظر يجب أن ينفذ رأي الزوج بدون حتى مجادلة أو نقاش، ويحق للرجل في حال الغضب أن يصرخ ويشتم كما يشاء، لكن هي عليها أن تهدئه وتراضيه دائماً، وتتنازل له فهو لايقر من الدين إلا ما يحق له.

وبعد أن علم برفضي لإعطائه راتبي بدأ يخبرني بأنه غير مستعد لتنفيذ بعض الشروط التي تم الاتفاق عليها، وأن علي التنازل عنها برغم أن هذه الأمور بالنسبة لي خط أحمر، باختصار يا سيدي بدأت أشعر أنه يستغل ظرفي كوني كنت مطلقة، وهو يعتقد أنه مهما فعل سأوافق حتى لا أطلق مرة ثانية، حيث دائماً يهددني بأنه سينهي الخطبة إذا لم أنفذ ما يريد، كما أن أهله يهددوني بأنهم سيقومون بتزويجه ويتركوني معلقة، رغم أني والحمد لله على قدر من الجمال والعلم والدين، وأن الكثير يتمناني، وهو يعلم ذلك.

أرجوكم أفيدوني ماذا أفعل معه؟ رغم أني حاولت أن أتحاور معه وأخبره عن سيرة رسولنا الكريم، ولكن دون جدوى، فهل أستمر معه أم أنهي علاقتنا؟ فهو منذ أشهر لايتكلم معي وأنا بالمثل... وهل يمكن أن ما يحدث معي يكون سببه سحر مثلاً

أفيدوني جزاكم الله خيراً وعذراً على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Member حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه لا يحل للرجل أن يأخذ من مال زوجته درهماً واحداً إلا بطيب نفس منها، وليست المرأة مكلفة حتى بالإنفاق على نفسها إلا إذا كان ذلك من باب حسن العشرة وحب المساعدة للزوج، وإذا كان الحال كما ذكرت فليس من المصلحة المضي في هذا الطريق إلى نهايته، ولست في حاجة إلى حياة مليئة بالمعاناة.

وقد صدق بعض الأشياخ حين سمى أمثال هؤلاء (أزواج بالكذب) لأنهم يتزوجون راتب الفتاة ووظيفتها، وهذا خلل في رجولتهم! إذ كيف لرجل عنده شهامة يرضى لنفسه أن يأكل من كسب زوجته وتعبها، وقد وصف الله في كتابه العظماء فقال سبحانه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء:34]، ولم يقل الذكور فإن في الدجاج ذكور، وفي الشاة ذكور، لكن الرجال هم أهل المكارم والفضائل أهل الطاعات والمساجد والمسئوليات والمروءات، ثم حددت الآية مؤهلات القوامة والتي منها ما هو فطري، ومنها مكتسب.
أما المؤهل الفطري، فهو الوارد في قوله تعالى: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النساء:34] من قوة البدن، وتحمل التعب، والقدرة على التفكير الهادي، والنظر في العواقب، وتقديم العقل على العاطفة، إلى غير ذلك من الأِشياء التي تؤهل الرجل للقيام بدوره في القوامة والتي هي إدارة وقيادة وحماية وصيانة وتذكير بالله ورعاية، وليست تحكم وإذلال وظلم وعدوان.

أما المؤهل الثاني: فهو كسبي، وهو الوارد في قوله تعالى: (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34]، فالرجل هو الذي ينفق ويبذل ويأتي بالطعام والثياب وسائر الاحتياجات، وليس له أن يشترط على الزوجة حتى الإنفاق على نفسه، بخلاف ما لو فعلت ذلك من تلقاء نفسها، فلا مانع من قبول ذلك مع تقدير ما قامت به والاعتراف بفضلها، قال سبحانه: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) [النساء:4]، وإذا كان الرجل فقيراً محتاجاً فهو أولى من غيره بزكاتها وصدقاتها، والإحسان له في هذه الحالة بر وصدقة وصلة وحسن عشرة.

ونحن ننصحك بعدم التنازل عن حقوقك مع رجل لا يعرف لك فضلاً، ولا تهتمي بكلام أهله وسوف يأتيك رزقك الذي قدره لك ربك، وإذا طرق الخطاب بابكم فاختاري صاحب الدين والأخلاق والأمانة، واعلمي أن كل شيء سوى الدين عرضة للزوال، وقد يكون نقمة إذا لم يكن معه دين، فلا خير في مال بلا دين ولا في جمال إذا لم يكن معه دين، ولا في حسب ونسب إذا لم يزينه الدين.
وقد أحسن من قال:
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ووضع الشرك الشريف أبا لهب
وأرجو أن تشغلي نفسك بطاعة الله، وابتعدي عن الذي لا يرغب أن يسير على خطى رسول الله، وتمسكي بآداب وأحكام شريعة الله، وأبشري فإن الله يدافع عن الذي يطيعه ويتبع هداه.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً