الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توجيهات وإرشادات لمن أصيب بالاكتئاب بسبب وجود تشوهات في هيكله العظمي

السؤال

أرجو من حضرتكم أن تقدموا لي النصيحة، فأنتم أهل -والله- لذلك؛ لأني -والله- أتخبط، وضاقت بي الدنيا! فلقد ابتليت منذ صغر سني بتشوهات في قوامي (ظهري وأكتافي) ولم أنتبه لنفسي، فقد كنت صغيراً، ولم أجد من يهتم بي أيضاً، وأنا الآن قد أنهيت دراستي الجامعية، وأعمل منذ فترة طويلة في إحدى المؤسسات، ولكني أعيش حياة صعبة لا يعلمها إلا الله، فأنا - والله - دائم الهم والتفكير، وشارد الذهن، وأعيش حالة شديدة من الاكتئاب والهم عندما أنظر إلى الناس الأصحاء من حولي، وأشعر بحرج دائم، مع أني - والله - مؤمن كل الإيمان بقضاء الله وقدره.

ماذا علي أن أفعل إلى جانب الدعاء وتلاوة القرآن؟ وهل تنصحونني بتناول أدوية الاكتئاب؟

أغيثوني بارك الله فيكم، فحياتي جحيم لا يطاق!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الفاضل/ شعبان حفظه الله!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

أخي شعبان، حفظك الله ورعاك! اعلم أن الحزن شيء فطري ينتاب كل البشر عندما تقابلهم متاعب هذه الحياة الدنيا، ولا أحد يستثنى من ذلك، ولكنه قضية وقتية فلا نجعله يتغلب علينا، فالإنسان المؤمن بقضاء الله وقدره لا يمكن أن يسلم نفسه للحزن، ويبقى مكتوف الأيدي، وهذا عكرمة -رحمه الله تعالى- يقول: (ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكراً والحزن صبرا).


وهل يحزن الإنسان على شيء دنيوي فاته، فالدنيا -أخي شعبان- لا تساوي شيئاً بالنسبة للآخرة، واسمع إلى قول الله تعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) [الحديد:22-23].

فأنت لا تنظر إلى من هو أعلى منك، أو أصح منك - أخي شعبان - لكن انظر إلى من هو أقل منك، إلى من هم مبتلون أكثر منك، هنا تعرف نعمة الله عليك، وتزداد شكراً وانقيادا وتسليما، وهذا ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (انظروا إلى من هو أسفل منكم في متاع الدنيا ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)، وهذا الأسلوب موجود في الطب النفسي -أخي شعبان - ويسمى بالعلاج الجماعي، أو الجمعي، إذ أن الأطباء يجمعون بعض المرضى في مكان واحد عددهم سبعة أو ثمانية لهم نفس المرض، يتحدثون والطبيب يستمع إليهم، ويلاحظ كيف تكون العلاقات بينهم، وكل واحد منهم يرى مصيبة الآخر، فيقول لنفسه: الحمد لله أنا لم أصل إلى حالة الآخر، والحمد لله أنا ما زالت حالتي مبكرة، فيتعلم كل واحد منهم من غيره، وينظر إلى مصيبة غيره؛ فتهون عليه مصيبته!

فالحزن والتفكير المطلوب -أخي- على أمر من أمور الدين، عندما يضيع منك الأجر، أو فعل خير، أو انتهاك حرمة من حرمات الله، فهنا الإنسان يحزن ويفكر في مصيره، إلا أن هذا الحزن يدفع إلى العمل ولا يثبط، بل علينا أن نتجاوزها ونعتبرها طارئة، ونسلك طريق العمل والإنتاج والتوبة والتقدم!

وهنا أريد أن أوجه لك بعض الإرشادات والتوجيهات -أخي شعبان- لعلها تكون لك الشفاء بإذن الله تعالى:

1- اعلم أن عقيدتنا نحن المسلمين في القضاء والقدر تمنعنا من الحزن الشديد، والتفكير في شيء قد قدره الله تعالى لنا، وهذا مادل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)، فهنا عندما يعرف الإنسان أن الأمور مفروغ منها، مكتوبة؛ فإنه لايحزن، فلم القلق إذن؟ ولم الحزن الشديد؟

2- أخي شعبان، إن بعض الناس يفوته مال يخسره في تجارة، أو تفوته زوجة ما، أو يموت له طفل، أو يخسر وظيفته، أو مكانته؛ فإذا به يحزن ويجزع، ولو تصور أن هذا الأمر أو هذه المصيبة أنها مقدرة من عند الله تعالى في كتاب، فإنه لا يحزن على فائت ((لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ)) [آل عمران:153]، وبالمقابل فلا ينبغي له أن يفرح فرحاً شديداً ((وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)) [الحديد:23]؛ لأن ما آتانا هو مقدر أيضاً، والفرح الشديد قد يأتي بالغرور والاختيال والتكبر ((إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) [لقمان:18]، فهنا إذن عدم الفرح الشديد بشيء قد حصل، يجعل الإنسان متواضعا بعيداً عن التكبر والخيلاء، وإذا قبلها على أنها من قدر الله فسيقبلها بارتياح وتوازن في مشاعره، وعندما يتزن الإنسان في مشاعره في قبول المصائب والأفراح، فإنه يكون مطمئنا في حياته ومستقرا بها أيضاً.

2- أكثر من الدعاء والتسبيح والصلاة والاستغفار، فهناك الدعاء الوقائي، كقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل)، وهناك دعاء علاجي كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أصاب عبداً هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك...، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحاً) والزم الاستغفار، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب).

3- التنفس العميق يجنبك التوتر والقلق والاكتئاب، تنفس بعمق واملأ رئتيك بهواء الأكسجين، تعود الاسترخاء، والتنفس من الأعماق، تجلب لك الصحة والعافية والسعادة!

4- اترك باب الأمل مفتوحاً، فهذا يبعد عنك الضيق والحزن والاكتئاب، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.

أما في ما يخص تناول الأدوية، فإن وجدت حالتك النفسية غير مستقرة؛ فحاول أن تراجع الطبيب النفسي في منطقتك؛ ليزودك ببعض العلاجات المفيدة لك بإذن الله تعالى!

وبالله التوفيق!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً