الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قيام علاقة غير شرعية بين الزوج وامرأة أخرى وكيفية التعامل مع ذلك

السؤال

أنا متزوجة منذ 10 سنوات من طبيب على خلق ودين، إلا أنه كان غير مواظب على الصلاة، لكنه كان يخشى الحرام سواء في المال أو النساء، ورزقنا الله بأربعة أبناء وهو يكبرني بعام إلا أنه كان شبه عايش لنفسه، أي يعتمد عليَّ اعتماداً كلياً في كل شيء، بداية من إحضار طلبات البيت والأولاد إلى مسئولية الأبناء، وهو مجرد للمال فقط، وكان كثيراً ما يتركني وحدي ويذهب عند أمه ويجلس عندها بالساعات ولا يأتي إلا على النوم، وكانت تشجعه على ذلك، إلا أنه كان لا يبخل عليَّ بالمال وعمل بكبرى شركات الأدوية في مصر، وأصبح راتبه يفوق الخيال، ومنذ حوالي عامين بدأت ألاحظ تغيراً في طباعة واهتمامه بنفسه وبحثت فاكتشفت أنه على علاقة بامرأة عرفها عن طريق الشات على الإنترنت ويخرجان سوياً وغيره، وتطورت العلاقة بينهما لحد الاتصال به أمامي في البيت وبثته أجمل كلمات الحب والغرام وهو يبادلها نفس الكلام، ثم الصرف عليها ببذخ وغيره إلى إحضارها بيتي أثناء عدم وجودي فيه، وترك الصلاة نهائياً حتى الجمعة أصبح يصليها بالعافية وغيره.. وغيره.
فثرت ثورة كبيرة لكن دون جدوى فاستشرت رجال الدين وعملت بنصائحهم، وحاولت القرب منه بشتى الطرق كي لا أخسر بيتي وأولادي، واستدعيت أهلي وأهله للصلح بيننا، وكان كلما تاب واستغفر الله ردته الأخرى إليها عن طريق الموبايل والرسائل عليه وعلى الإيميل، وإيهامه بأنها الحب الحقيقي في حياته، وأن ما بيني وبينه مجرد تعود، وتدعيه لرؤيتها مرة واحدة وستكون آخر مرة ولكنها ترغب في وداعه قبل الفراق، فيذهب إليها من ورائي ويعود من عندها كارهاً لي ولأبنائي، ولا يحب مجرد النظر في وجهنا.
ومن يوم وقفة عيد الفطر الماضي وهو أصبح لا تأتيه نوبة التوبة ولا الاستغفار أبداً، وأصبحت هي كل شيء في حياته لا يرى ولا يسمع سواها، وتعرف عنا كل تفاصيل حياتنا وكأنها تعيش معنا، والأسوأ من ذلك أنه يحكي لها أيضاً ما يدور بيني وبينه مما أحله الله بين الأزواج، ولقد وصل بي الأمر إلى حد الجنون، وطلقني مرتين بسبب هذه الشيطانة التي تستملكه، وآخر ما توصلت إليه دعوته إلى الزواج منها بدل العيشة في الحرام، فرفضت بشدة وأقنعته أن هذه هي الحياة، وأن الإنسان لا يعيش سوى مرة واحدة، وأنني متخلفة وهي كثيرة السفر للخارج، ولقد قام بشراء موبايل بخط دولي لها باسمه يقوم بسداد فواتيره الشهرية التي تزيد عن الألف جنيه، وعندما أعاتبه نهرني بأنها تحبه وغيره وغيره، وقد وصل بهما الحد إلى أن تقوم بالرد عليَّ عند الاتصال به على هاتفه والعكس، ولقد هجرني لمدة أربعة أشهر وذهب عند أمه وأصبح يومياً يهددني بالطلاق -الطلقة الأخيرة- إن اعترضت على علاقته غير المشروعة بالأخرى، والأكثر حرماني من الأبناء وعدم الإنفاق عليَّ، ووالدته تعمل بالمحكمة ويعرفون ثغرات القانون ولا يعرفون من هو فوق القانون، وانكسرت نفسي، خاصة وقد بدأ التنفيذ فرفض دفع فواتير التلفون المنزلي والذي لا يستخدمه أغلب الوقت سواه على الإنترنت للحب من الأخرى والكهرباء وقسط الشقة وغيره، وأصبح يبخل علينا حتى بالقليل، وشعاره تجاهنا هو (وأن لك فيها أن لا تجوع ولا تعرى)، ورضخت وذلني لكي يعود إلى البيت والأبناء ولاسيما أننا نعيش في مدينة جديدة قليلة السكان، والبيت الذي نسكنه ليس فيه سكان سوانا، وعاد بكل الفجور وعدم الحياء فهو يعيش معها داخل البيت وخارجه وأمامي وأمام الأبناء ولا تتركه لحظة وهو داخل البيت إلا مع النت أو الموبايل، أما أنا وأبنائي فلنا الله، وهي لديها القدرة على تركه في أي لحظة وقادرة على استعادته في لحظة أخرى، والآن أشعر أنني أصبحت حطام إنسان، كل شيء فيَّ انكسر، ولا أعرف أي شيء عن الأخرى سوى أنها مطلقة ولديها طفلان، وتعمل بوظيفة كبيرة، وأنها قد تكون ضمن عصابة من كثرت ما رأيت منها، ووصل به الأمر إلى حد الرغبة في تسمية آخر أبنائي باسمها (نشوى) إلى آخر لحظة، ولم يرحمني من ذلك سوى أمه التي رأتني أنهار أمامهم قبل ولادتي بيوم وأنا أقول لها: ارحموني يرحمكم الله، ماذا فعلت بكم لأرى منكم كل هذا؟ ابنك الذي هو زوجي لماذا يذلني كل هذا الذل وأصبح يعايرني بأنني: بتاعة قال الله وقال الرسول، هل أصبح ذلك عاراً في هذا الزمان؟ وهل أصبح الفجور والزنا هو الدنيا والعيشة؟ وأين القدوة لأبنائي؟
لقد فرق بيني وبين أهلي، حتى وأنا واضعة حرم دخول أمي وأخواتي عليَّ بحجة أنهم وقفوا له عندما أهانني وذلني من أجل الأخرى، علماً بأنه لا يتخذ أي قرار إلا بمشورة الأخرى التي ترفض أن يعرف عنها أي شخص سواه شخصيتها وأكثر من هذا، فحسبي الله ونعم الوكيل.
والسؤال: هل هناك أمل في صحيان ضمير هذا الرجل؟ وهل هناك أمل في أن أستعيد توازني وأربي أولادي الذين أنهار أمامهم مثل الأب والأم مكسورة وتنهان بدنياً ومعنوياً أمامهم؟ وهل أطلب الطلاق وليكن ما يكون؟ فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وما فيه الآن يفوق طاقتي، وهل القانون لا يعاقب خرابين البيوت ومحطمي الأسر؟ إن زوجي الآن أصبح لا يعيش سوى للأخرى التي لديها القدرة على إنزاله لها في أي، وقت من النهار أو الليل، فهو كالمسحور بها، ماذا أفعل يا ربي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أماني حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية أقول لك: كان الله في عونك وربط على قلبك وثبتك وقواك، وجبر كسرك وأيدك بمدد من لدنه، إنه جواد كريم.

لقد قرأت رسالتك وعشت معك مأساتك ومشكلتك القاسية العجيبة الغريبة التي تفوق الخيال فعلاً، وكم أدركت معاناة امرأة مسلمة مثلك يتحطم أمامها مستقبلها ومستقبل أولادها، وتفقد زوجها ورفيق حياتها وأب أولادها، فكان الله في عونك.

ورغم هذه الصورة السوداء المظلمة والقاتمة إلا أنني أقول لك وبأعلى صوتي: سوف تنتصرين في النهاية، وسوف يعود إليك زوجك بإذن الله رب العالمين، وذلك للأسباب الآتية:

1- أنت الحق وما سواك باطل، والمولى -جل جلاله- يقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)،[الإسراء:81].

2- أنت المظلومة التي وعد الله بنصرتها، حيث قال المولى -سبحانه- في الحديث القدسي لدعوة المظلوم: (وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين).

3- أنت الأصل الذي لا بد من عودة الفرع إليه مهما أبتعد عنه.

4- أنت أم الأولاد، وعلاقة الوالد بأولاده علاقة فطرية لا يمكن لأحد أن ينكرها بسهولة؛ لأن أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض.

لذا أوصيك بالصبر مهما طالت المحنة واشتدت، فكلما اشتد الكرب هان، واعلمي -أختاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)، وقال المولى -جل جلاله-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)،[الشرح:5]، المهم أن تواصلي سيرة الصبر الجميل حتى لا تغلبك هذه المرأة السارقة التي أخذت زوجك منك.

وأحذرك من التقصير في بيتك أو أولادك أو نظافتك الخاصة، وأكثري من الاهتمام بنفسك وزينتك وملابسك، حتى تثبتي لزوجك أنك لست ضعيفة، وأنك ما زلت وفيَّة له حافظةً لحقه عليك.

وأرجوك - أيضاً أن تلغي عن عتابه أو سؤاله عن أي شيء بخصوص هذه المرأة، كأنها ليست موجودة في حياته.

وأخيراً : أوصيك ألف مرة ومرة بالدعاء والإلحاح على الله تعالى، واعلمي أن الله أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، ولن يخلف الله وعده سبحانه، وعليك بشيء من الصيام، وقيام الليل، والصلاة بنية أن يرد الله إليك زوجك، وأن تعود المياه إلى مجاريها، ولا تفكري في الطلاق فهو بداية الهزيمة والاستسلام، وهذه ما تريده تلك الشيطانة الخاطفة، وختاماً: أبشرك بأن الفرج قريب، وأن نصر الله لاتٍ قريباً -بإذنه تعالى-.

الشيخ/ موافي.
=============
وبعد استشارة المستشار النفسي أفاد بالتالي:

أشكرك على رسالتك أيتها الاخت ونسأل الله أن يعينك على ما أنت فيه.

مشكلتك تدور حول ثلاثة أقطاب (هو وأنت وهي) لا نستطيع أن نفعل كثيراً حيالها ولكن نستطيع أن نقول لك أن الإفرازات النفسية التي أفرزها هذا الاشكال هو إصابتك بالاحباط وعدم القدرة على التكيف.

أما بالنسبة لزوجك فيظهر أنه كان يعيش حياة مزدوجة منذ فترة طويلة ولابد أن تكون هنالك أسباب لذلك ... هل هي شخصيته المضطربة وغير المتوازنة الأبعاد؟ هل هو ضعف القيم والمثل لديه وإن تظاهر بغير ذلك؟ هل هو إحباط وإخفاقات أصاباته في الحياة وحين فشل في مقاوتها وعلاجها لجأ إلى عقاب ذاته بسلوكه المشين؟ هل هو عدم حصوله على ما كان يتوقعه منك؟ كل هذه أسئلة مطروحة وتتطلب المزيد من الاستقصاء والاستكشاف لمعرفة حقيقة الامر.

بالنسبة لك أنصح بأن لا تكثري من المواجهات مع زوجك، وأن تتحلي بالصبر وتتجاهلي تصرفاته وإن كنت أعرف أن ذلك يصعب على أي امرأة وضعت في موقفك، ولكن هذا يمكن أن يشعره بالذنب مما يؤدي إلى تولد يقظة في ضميره وتغيير سلوكه.
الحل الآخر هو أن تتفقي معه على فترة من الفراق والابتعاد عن بعضكم البعض ليراجع كلا منكما موقفه، وما دمت أنت عرضتي عليه فكرة الزواج منها فعسى أن يقوم بالزواج منها وتبدئي وتكيفي حياتك على الوضع الجديد.

ولابد أيضاً من أخذ رأي الشرع وتقبل نصائح العلماء في إمكانية استمرار هذا الزواج.
وبالله التوفيق.

د. محمد عبد العليم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً