الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبل العلاج من اكتئاب ما بعد الولادة

السؤال

إخوتي الكرام في الشبكة الإسلامية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الجهد، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم، وأن ينفع بكم، وأوصيكم ونفسي بتجديد النيات، والإخلاص لرب الأرض والسماوات.

بعد ولادة ابني الثاني ( عمره الآن 8 سنوات ) وأثناء فترة النفاس، أصيبت زوجتي بحالة نفسية ( أو ذهنية)، وصفها الأطباء بأنها اكتئاب ما بعد الولادة، واستمرت بضعة أشهر مع العلاجات، ثم عاودتها حالة أخف حدة بعد الانقطاع عن العلاج.

ثم بدأت في تناول الزيبريكسا لعدة أشهر، وتحسنت تماماً، وبعد فترة من التوقف عن العلاج، عاودتها الحالة، والآن صار لها حوالي 6 سنوات على هذا العلاج، ومن آن لآخر ( مرة أو اثنتين في العام)، تعاودها الحالة، ثم تزاد لها الجرعة، وتعود إلى طبيعتها بعد أسابيع قليلة.

خلال هذه السنوات، كان الطبيب يزيد أو ينقص من الجرعة حسب الحالة ( 5 - 15 مج )، والحالةالتي تعاودها هي: حزن وعدم تفاعل مع المحيطين، وعدم النوم، والبكاء ( أو الضحك ) بدون سبب، وتفكير في أشياء سلبية وهكذا.

وأحياناً تكون عدوانية بعض الشيء، وتفتعل الشجار أو المشاكل ( وذلك على غير طبيعتها تماماً )، علماً بأن هذه الحالة تكون في أوقات غير تلك الموصوفة قبلا.

أنا لا أعرف على وجه الدقة ما هي حالة زوجتي، هل هو اكتئاب؟ أم فصام؟ أم اضطرابات وجدانية؟ أم ذهانية؟ علماً أيضاً بأن الطبيب حاول تغيير العلاج أكثر من مرة ( ريسبرادال - ابيليفاى )، ولكن لم تستجب إلا للزيبريكسا، وأحياناً كان يقرن الزيبريكسا بسيبراليكس عند التعب.

الجرعة التي تتناولها الآن هي 10 ملج، وحاولنا تقليلها من أجل الحمل ( هي في السابع الآن)، ولكن كان التعب يعاودها؛ فعاودنا الجرعة، وهي مستقرة وبحالة جيدة، بفضل الله وتوفيقه.

ولي بعض الأسئلة:
- ماهى حالة زوجتي تحديداً؟
- هل للزيبريكسا أثر سلبي على الجنين؟
- ما هي الاحتياطات بعد الولادة، حتى لا تتعب؟
- هل من أمل - بعد الله تعالى - في شفاء تام وبعيداً عن الأدوية؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ راجي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيراً أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله تعالى أن نخلص النوايا جميعاً، وأن يتقبل منا وأن يرحمنا، وبارك الله فيك.

أخي الفاضل: نعم، فأمراض ما بعد النفاس هي من الأمراض النفسية التي ثار حولها الكثير من الجدل والمناقشات العلمية بين الأطباء، وحتى من يعتبر مرجعية منهم.

الذي وصفته عن زوجتك ينطبق عليه النظرية التي تقول إن أمراض النفاس أو ما بعد الولادة ما هي إلا أمراض نفسية أو ذهانية كانت سوف تحدث أصلاً للإنسان، ولكن النفاس أو الولادة كانت السبب في أن جعلت حدوثها في وقت أقرب، أي أن الولادة كانت هي الشرارة أو كانت هي السبب المباشر الذي جعل هذا المرض يظهر على السطح، بمعنى أن الإنسان لديه في الأصل الاستعداد، ولكن الولادة نسبة للتغيرات الهرمونية وما يتعلق بها من تعب جسدي ونفسي في بعض الأحيان، جعلها تكون هي السبب الذي أدى لظهور هذا المرض، وهذا هو الذي أراه أنا كثيراً، إذ أن مرضى النفاس هم أصلاً لديهم الاستعداد لحدوث المرض.

الحمد لله فمعظم أمراض النفاس تستجيب للعلاج بصورة جيدة جدّاً، وهذا بفضل الله تعالى؛ لأن المرأة غالباً بعد أن تصل إلى سن الزواج والولادة يكون نموها النفسي والعاطفي قد اكتمل لدرجة كبيرة، كما أنها قد اكتسبت الكثير من المهارات الحياتية التي تساعدها على مقاومة المرض.

على سبيل المثال – أيها الأخ الفاضل – يعتبر مرض الفصام من الأمراض العقلية الذهانية الرئيسية، ولكن مرض الفصام ليس كله سيئاً كما يعتقد البعض، أقول: إذا أصاب شخصاً في عمر الـ 15 أو 16 سنة فإنه سوف يفتته تماماً؛ لأن هذا الإنسان لم يكتمل نموه الذهني، ولم يكتمل تعليمه، ولم يكتسب مهارات الحياة.

أما نفس المرض إذا أصاب شخصاً بعد عمر الثلاثين أو الأربعين، فإن النتائج تكون مشجعة جدّاً؛ لأن هذا الإنسان قد تكونت لديه المكونات والآليات الداخلية التي من خلالها يستطيع أن يقاوم المرض، هذا بالطبع ما وددت أن أذكره لك على سبيل المثال، وأعتقد أنها معلومة مطلوبة.

أرجع إلى موضوع الفاضلة زوجتك: الذي أراه يا أخي فيما وصفته، أن زوجتك تعاني مما يعرف بنوبات الذهان الفصامي الوجداني، وهو خليط من الاضطراب الذهاني الذي قد يحمل سمات الفصام، وفي نفس الوقت يحمل أيضاً سمات وصفات الاضطرابات الوجدانية، والتي تتميز بحدوث نوبات من الاكتئاب والقلق، وفي نفس الوقت ربما يصاب الإنسان أيضاً بنوبات من الانشراح وكثرة الكلام والحركة وخلافه، هذا هو الذي أراه.

أما بالنسبة للعلاج -فالحمد لله- تدل كل الأبحاث أن الزبركسا يعتبر هو العلاج الأفضل لمثل هذه الحالات، والزبركسا هو عقار حين تم اكتشافه تم اكتشافه لعلاج مرض الفصام والأمراض الذهانية، ولكن اتضح بعد ذلك أنه من أفضل الأدوية المحسنة والمنظمة للمزاج، وهو الآن يستعمل لهذا الغرض.

إذن: ما دامت الفاضلة زوجتك تعاني ربما من المكون المرضي الذي يشتمل على الأعراض الذهانية والوجدانية، فيعتبر الزبركسا هو العلاج الأفضل بالنسبة لها، والجرعة دائماً – كما ذكر لك الطبيب – تتفاوت من 5 إلى 15 مليجرام، وفي بعض الحالات ربما نحتاج إلى 20 مليجرام.

الزبركسا ليس له أثر سلبي على الجنين بصفة عامة، ولكن لا تضمن سلامته في مرحلة تكوين الأجنة، وهي الـ 118 يوم الأولى، والحمد لله فزوجتك قد تخطت هذه المرحلة، وأنا على ثقة تامة أن الطبيبة أو الطبيب قد قام بإجراء التصوير التليفزيوني اللازم لتوضيح وضع الجنين.

إذن الذي أنصح به هو أن تستمر زوجتك على الدواء، ولكن تستمر في هذه المرحلة بجرعة صغيرة، وأعتقد أن 5 مليجرام هي جرعة معقولة، عليها أيضاً أن تقوم بإجراء الفحوصات اللازمة، خاصة فحص السكر؛ لأن الزبركسا في بعض الحالات القليلة جدّاً ربما يؤدي إلى زيادة في الوزن ومن ثم إلى زيادة في ارتفاع مستوى السكر في الدم، ونعرف أن الحمل في حد ذاته قد يؤدي أيضاً إلى هذا الارتفاع، أرجو ألا تنزعج لهذه المعلومة، ولكن رأيت أيضاً من الأمانة أن أبلغك إياها.

السؤال الثالث أعتقد أنه سؤال مهم، وهو: ما هي الاحتياطات بعد الولادة؟

بصفة عامة تعتبر مرحلة ما بعد الولادة هي مرحلة للانتكاسات المرضية بنسبة 30 إلى 40% بالنسبة للأشخاص الذين لديهم تاريخ مرضي أو نوبات حدثت لهم بعد الولادة، وبالتأكيد الفاضلة زوجتك تعتبر من هذه الفئة، ولابد إذن من التحوط العلاجي.

لا بد أن تأخذ العلاج بعد الولادة، وربما يكون جرعة 10 مليجرام هي الجرعة الصحيحة، طبعاً هذا يؤدي إلى تساؤل كبير، وهو موضوع الرضاعة.

حقيقةً لا ننصح بأن يعطى الطفل اللبن من ثدي أمه حين يكون تحت هذه الأدوية، لا توجد خطورة حقيقية كبيرة، ولكن هذا الدواء ربما يؤدي إلى تهدئة كبيرة بالنسبة للرضيع، وهذا يجعلنا نكون أكثر تحوطاً وحذراً، عليه أرجو ألا تبلغ زوجتك بذلك في هذه المرحلة بأنها لن ترضع الطفل حتى لا تنزعج، ولكن الشيء المثالي هو ألا ترضع الطفل، وأعتقد أن هذا أيضاً من الناحية الشرعية بالتأكيد هو أمر جائز ما دام هنالك ضرورة لذلك.

إذا أصرت زوجتك على الإرضاع يجب أن تكون جرعة الزبركسا أقل، وهي 5 مليجرام.

نعم، بالتأكيد يا أخي هنالك أمل، والمفهوم العام للشفاء يجب أن يكون المفهوم النسبي، الشفاء لا يعني اختفاء الأعراض كاملة، أو أن الإنسان لن يكون عرضة لبعض التقلبات البسيطة، الشفاء من مفهوم الطب النفسي هو أن يتكيف الإنسان مع وضعه ومجتمعه ومرضه، وأن يكون فعّالاً في حياته، أي إذا كانت زوجة يجب أن تقوم بواجباتها، إذا كان زوجاً يجب أن يقوم بواجباته وعمله وتواصله ... وهكذا.

إذن: زوجتك إن شاء الله هي متشافية -إن شاء الله- بمفهومنا النفسي، ومن الأفضل لها أن تستمر على الجرعة الوقائية، هذا هو الذي أنصح به، والأخذ بالأسباب في هذه الحالات يعتبر ضروري جدّاً، ويقال أن الإنسان إذا ظل تحت العلاج لمدة ثلاث سنوات دون أن تنتابه أي انتكاسات مرضية، هنا يمكن أن يفكر الطبيب بصورة جدية في إيقاف الدواء، هذا هو الموقف العلمي.

وأسأل الله لزوجتك الشفاء، وأن يكتمل الحمل، وأن ترزق إن شاء الله الذرية الصالحة.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية roozyna havoc

    هل الزيبريكسا يضخم حجم الجنين وهل يؤثر بشكل سلبي او لاخوف عليه من ذلك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً